ترك برس
قالت الأستاذة الدكتورة نورشين كوناي، عضو هيئة التدريس في قسم العلاقات الدولية بجامعة "نيشان طاشي" التركية، إن اليأس بات عنوان الأمن المشترك للاتحاد الأوروبي.
وأشارت كوناي في تقرير تحليلي نشرته وكالة الأناضول، إلى أن قمة زعماء الاتحاد الأوروبي حازت على اهتمام أنقرة، نظرًا للنتائج المتوقعة الخاصة بتركيا، على خلفية التوترات في شرق المتوسط وجزيرة قبرص والعلاقات التركية اليونانية.
وتناول قادة دول الاتحاد الأوروبي، في الفترة بين 1-2 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بشكل رئيسي التطورات القائمة شرق البحر المتوسط، وقضية تركيا والاتحاد، والسياسات الخارجية مع الصين، إضافة إلى العديد من القضايا ذات الاهتمام.
وتابع التقرير: كان لدى تركيا أربعة مطالب رئيسية من بروكسل: وهي، أولا تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، ثانيا استيفاء متطلبات اتفاقية الهجرة التي علقها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2018 رغم وفاء أنقرة بمسؤولياتها بموجب الاتفاقية.
والمطلب الثالث كان قضية إلغاء الاتحاد الأوروبي تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك، أما الرابع فكان مطالبة أنقرة أن يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا محايدًا ومنصفًا فيما يتعلق بمشاكل شرق البحر المتوسط وجزر بحر إيجة.
وبهذا الخصوص، أكدت تركيا أنها ستحمي حقوقها وحقوق جمهورية شمال قبرص التركية في شرق المتوسط، لكنها ستبقي باب الحوار مفتوحًا مع الدول المشاطئة.
كما دعت أنقرة لعقد مؤتمر يمكّن جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك جمهورية شمال قبرص التركية، من إقامة حوار في شرق المتوسط.
إلا أن فرنسا واليونان والإدارة القبرصية الجنوبية تطالب باتباع سياسات أحادية لا تراعي مصالح الجانب التركي في المتوسط، والعمل على ردع تركيا من خلال التهديد بفرض عقوبات أوروبية على أنقرة.
في الواقع، ومن ناحية أخرى، تسعى فرنسى إلى تصعيد التوتر في شرق المتوسط، بهدف افتعال أزمات للجانب التركي، في سياسة تزعج من حيث المضمون والتوقيت الاتحاد الأوروبي بما في ذلك ألمانيا.
لذلك، وقبل أن توضع العلاقات التركية الأوروبية على الطاولة مرة أخرى، أرادت أنقرة معرفة مدى التناغم داخل الفريق المؤيد للعقوبات ضد أنقرة، وهم فرنسا واليونان والإدارة القبرصية الجنوبية، وإمكانات إيجاد صيغة للتغلب على مطالب فرض عقوبات.
** اليأس عنوان الأمن المشترك للاتحاد الأوروبي
لقد أظهرت لنا قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيطرة البيروقراطية على الاتحاد، التي تنطلق من خلال المناقشات المجردة في أروقة الاتحاد، دون تحقيق استجابة للتطورات في العالم.
يقيد هذا الجمود وجهة النظر الجيوسياسية المحدودة للاتحاد الأوروبي (مع التركيز على خطوط التصدع وأنابيب الغاز وأسعار الغاز الطبيعي المسال داخل الاتحاد)، مما يؤدي إلى إثارة القومية المتطرفة والاستبعادية التي تركز على أوروبا أو دول الاتحاد، وهو ما تجلى في قضية خروج بريطانيا من الاتحاد.
على أية حال، فإن أحد الأسباب الرئيسية لعدم الرضا الذي يسود أروقة السياسة في الاتحاد الأوروبي هو عدم قدرة الاتحاد على إنتاج سياسة أمنية مشتركة وسياسة خارجية.
هذا الفشل ليس فقط بسبب حالة الارتباك التي تسود الاتحاد، إنما مرده أيضًا إلى محدودية قدرة الأخير على إيجاد حلول للمشاكل في المناطق الجغرافية القريبة.
في واقع الأمر، فشل الاتحاد الأوروبي في فترة ما بعد الحرب الباردة في إظهار إرادة مشتركة خاصة في الأزمات التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من بعض القرارات المهمة مثل معاهدة لشبونة.
وانطلاقًا من إدراك دول الاتحاد لعدم كفاية مواردها الوطنية وتراجع الأمل في إنتاج سياسات مشتركة، بدأت دول الاتحاد في إعطاء الأولوية لمصالحها وسياساتها الخاصة؛ ما أدى إلى تقلص فرص الاتحاد في وضع سياسات مشتركة.
إضافة إلى ما سبق، فإن الصورة التي ظهرت في شرق المتوسط هي في الواقع حالة تجسيد لهذه المعضلة الكبيرة التي يعيشها الاتحاد الأوروبي.
فمن المعروف أن 27 دولة داخل الاتحاد تختلف حول الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط ولديها مصالح متناقضة في بعض الأماكن، لذلك واجه الاتحاد صعوبة في اتخاذ موقف مشترك في المنطقة منذ مرحلة "الربيع العربي".
نتيجة لذلك، عززت هذه الحالة عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على الوجود كجهة فاعلة واحدة في المنطقة.
من ناحية أخرى، فإن الجهات الفاعلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وروسيا مستعدة لاستخدام دول صغيرة في المنطقة كوكلاء يمكن الاعتماد عليهم في ليبيا، وسوريا، وتونس وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، أدت التناقضات حول الوكلاء إلى اشتعال الصراع على القيادة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن أركان الاتحاد الأوروبي التي أصيبت بأضرار من خلال حالة الصراع والفشل في إنتاج حلول سياسية، تدفع الاتحاد نحو خطر الانقسام والانهيار.
** هل أوجدت قمة الاتحاد الأوروبي حلولا لمعضلة شرق المتوسط؟
يبدو أن إدارة قبرص الجنوبية واليونان، اللتان تمعنان في انتهاك القانون الدولي شرق المتوسط، مصممتان على جر الاتحاد الأوروبي إلى فخ إخفاقاتهما.
في الواقع، هذا يفتح الطريق لتعميق الأزمة، لا سيما وأن اليونان والجنوب القبرصي يواصلان إظهار مواقف غير منسجمة مع القانون الدولي.
في الوقت الذي سيكتشف فيه الاتحاد عدم قدرته على عزل تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية عن المشهد في شرق المتوسط، وأن الساعات التسعة التي قضاها زعماء الاتحاد في قمة أكتوبر/تشرين أول كانت بلا جدوى.
إن الاتحاد الأوروبي يدرك عدم جدوى العقوبات التي يفرضها، في ظل عدم إمكانية تطبيقها على الأرض، في الوقت الذي تدرك فيه فرنسا واليونان والإدارة القبرصية في الجنوب، أنهم سيخرجون خاليي الوفاض، ما لم يتقدموا باتجاه فتح أبواب الحوار مع تركيا.
** القرار الخاطئ في شرق المتوسط سيقرب الاتحاد الأوروبي من نهايته
إن مواصلة الاتحاد الأوروبي للنهج المتعنت غير المنسجم مع القانون الدولي، سوف يزيد من حزم تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية في الدفاع عن حقوقها المشروعة النابعة من القانون الدولي في شرق المتوسط، ما سيزيد التوتر في المنطقة.
في غضون ذلك، إذا كان لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي "أدوات ذكية" ضد أنقرة، فإن تركيا بدورها تمتلك في جعبتها خيارات متاحة يمكن اللجوء إليها عند الحاجة.
إن الخيار الإستراتيجي الأذكى للاتحاد الأوروبي يمر من بوابة الاستجابة لخطوات حسن النية التي أبدتها أنقرة في شرق المتوسط، وتعميق الحوار مع تركيا، لخلق منظور جديد قادر على الخروج بالاتحاد الأوروبي من مأزق "العمى الجيوسياسي".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!