ترك برس
أشار تقرير تحليلي إلى أن باريس تبحث عن تحالف جديد بين "دول جوار ليبيا" لمزاحمة واشنطن في حل الأزمة سياسيا والحفاظ على نفوذها في المنطقة، بعد فشل رهانها العسكري على حفتر، وخيبة أملها في حلفائها الأوروبيين لوقف دعم تركيا للحكومة الليبية الشرعية عبر عملية "إيريني" البحرية.
وقال التقرير الذي نشرته وكالة الأناضول التركية، إنه بعد أن كانت أول الفاعلين الدوليين في الملف الليبي عسكريا ودبلوماسيا، تكاد تجد فرنسا نفسها خارج ملعب الصراع الدولي، إثر فرض تركيا وروسيا وجودهما على الأرض.
بينما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية خطف "الحل السياسي" من الجميع، إلا أن باريس تريد العودة من جديد عبر بوابة "دول الجوار الليبي". حسب التقرير.
إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، أمام الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان) في 7 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري، عن عزمه تنظيم اجتماع لدول جوار ليبيا، وزيارتها قريبا.
وقال لودريان حينها، "لدينا قنوات حوار تاريخية. أفكر في تونس والجزائر ومصر وتشاد والنيجر، وبدرجة أقل السودان، حتى نتمكن من تنظيم اجتماع لجيران ليبيا من شأنه أن يرافق عملية برلين".
وبعد أسبوع فقط، شرع لودريان، في زيارته لهذه الدول، بدءا من الجزائر، "الصديق اللدود لفرنسا"، التي احتضنت آخر اجتماع لدول الجوار الليبي بالإضافة إلى مالي، في يناير/كانون الثاني الماضي، عقب مؤتمر برلين مباشرة.
ورغم أن الجزائر تنظر بحذر للنشاط الأمني والعسكري الفرنسي بالقرب من حدودها الجنوبية والشرقية، إلا أن لودريان، عبر عن تقاربه مع الرؤية الجزائرية حين قال عقب لقائه الرئيس عبد المجيد تبون، في 15 أكتوبر، "بليبيا، نعتبر، كما الجزائر، أنه لا يوجد حل عسكري".
** محاولة عزل تركيا
وضعت فرنسا بيضها في سلة حفتر، وراهنت عليه للسيطرة على ليبيا، لكن هزيمته المدوية في طرابلس، وانكشاف تورطها في دعمه بالأسلحة والخبراء العسكريين وحتى بقوات خاصة، جعل موقفها سيئا وحرجا أمام الرأي العام الدولي.
لكن باريس، تلقت صدمة أخرى بعد وقوع صواريخها من نوع "جافلين" المضادة للدروع في يد الجيش الليبي عقب تحريره مدينة غريان، في 26 يونيو/حزيران 2019، إذ أدى دخول مرتزقة شركة فاغنر الروسية للقتال إلى جانب مليشيات حفتر، بداية من سبتمبر/أيلول من ذات العام، إلى تقلص نفوذها على الأخيرة.
وبتوقيع الحكومة الليبية الشرعية لاتفاقية أمنية مع تركيا، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تمكنت قواتها وبدعم من طائرات بيرقدار التركية المسيرة من قلب الطاولة على مليشيات حفتر، التي لم يكن يفصلها عن قلب طرابلس سوى كيلومترات قليلة.
ومع مطلع عام 2020، أصبحت كل من تركيا وروسيا، القوتين الرئيسيتين المؤثرتين على ميدان المعركة في ليبيا، وتمكنا من تحقيق أول تفاهم لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع، في يناير الماضي، استمر لعدة أسابيع.
وفي غضون ذلك، وجدت فرنسا نفسها على الهامش، ولأن مصالحها تتقاطع مع روسيا في دعم حفتر، ركزت ضغطها على تركيا، من خلال مؤتمر برلين (12 يناير 2020)، الذي حاولت باريس بدعم من حلفائها الأوروبيين منع وصول أي دعم عسكري للحكومة الليبية.
حيث أطلق الأوروبيون، بتشجيع فرنسي، عملية إيريني البحرية، في مايو/أيار الماضي، لفرض حظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا، لكن الحكومة الشرعية اعتبرتها محاولة لمحاصرتها، خاصة وأن مليشيات حفتر تتلقى الدعم العسكري برا وجوا من مصر والإمارات وروسيا.
لكن فرنسا فشلت عبر "إيريني"، في محاصرة الحكومة الليبية، ولم تتمكن من إقناع حلفائها الأوروبيين وفي حلف شمال الأطلسي (ناتو) من اتخاذ مواقف أكثر تشددا ضد تركيا.
ولعبت المناكفات الإيطالية - الفرنسية، دورا في إفشال مساعي باريس لدفع الأوروبيين لصدام مع تركيا في جنوب البحر الأبيض المتوسط.
حيث يرى رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، أن "لتركيا دور محوري واستراتيجي في ليبيا"، وأن "هناك حاجة إلى النقاش وإقامة الحوار مع تركيا ووضع أجندة إيجابية معها".
** مزاحمة واشنطن
لكن ليست تركيا وروسيا فقط مَن سحبا البساط مِن تحت أرجل فرنسا في ليبيا، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية رمت بثقلها في الملف الليبي خاصة منذ تولي مواطنتها ستفاني وليامز، رئاسة البعثة الأممية بالإنابة عقب استقالة غسان سلامة، في مارس/آذار الماضي.
إذ تعاظم الدور الأمريكي في الملف الليبي، خاصة بعد إزاحة كل المرشحين المحتملين لخلافة سلامة على رأس البعثة الأممية.
وتتماهى المبادرة الأمريكية مع الأممية، والمبنية على أساس، وقف إطلاق النار، وفتح النفط، وإقامة منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة وسط البلاد، وإخراج المرتزقة الأجانب من المنطقة.
لكن فرنسا ورغم عدم معارضتها للمبادرة الأمريكية، إلا أنها تبحث عن دور لها في الملف الليبي للدفاع عن مصالحها الأمنية والاقتصادية.
فليبيا تقع في منطقة تقاطع النفوذ بين إفريقيا الفرنكوفونية وإفريقيا الأنجلوساكسونية، حيث تعتبر باريس أنها من "حرر" الجنوب الليبي (إقليم فزان) من الاحتلال الايطالي، انطلاقا من تشاد والنيجر.
وإلى اليوم، ماتزال فرنسا تحتفظ بقواعد عسكرية في كل من النيجر وتشاد، وباستثناء مصر والسودان، فإن كل دول الجوار الليبي خضعت للاحتلال الفرنسي.
وتشترك باريس والقاهرة في دعمهما لحفتر، تقوى هذا التحالف في السنوات الأخيرة بفضل صفقات السلاح، بينما توجد السودان خارج نطاق نفوذها، إذا استثنينا بعض المناطق في إقليم دارفور (غرب).
لذلك تسعى فرنسا لحشد دول جوار ليبيا في ما يشبه التحالف المؤقت، لمحاصرة تركيا في المنطقة الغربية، بعد خيبة أملها في حلفائها الأوروبيين، ومحاولة مزاحمة الدور الأمريكي عبر كتلة وازنة.
لكن مشكلة باريس أن كلا من الجزائر وتونس تنظران إلى الدور الفرنسي بشكل مريب، وتدخلها في ليبيا أدى إلى تفاقم الأزمة، ومن المستبعد أن يقبل البلدان بأن تقود باريس تجمعا إقليميا قائم مسبقا.
إذ تقلص التنسيق بين دول الجوار ليشمل مصر وتونس والجزائر فقط، قبل أن يقتصر حاليا على البلدين الأخيرين، بعد استبعاد القاهرة إثر سعيها لتسليح قبائل شرق ليبيا، وهو ما رفضته الجزائر، خاصة وأنه لا يتسق مع ما سبق وأن تم الاتفاق عليه بشأن رفض الحل العسكري.
ويسعى لودريان هذه المرة لإعادة إحياء تجمع دول جوار ليبيا، لكن بالشكل الذي يخدم مصالح بلاده، وتثبيت نفوذها في بلاد النفط والغاز.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!