جميل إرتيم - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
إنّ حقيقة وصول الدولار إلى أعلى مستوىً له منذ عشر سنوات لهو أمر يستحق الوقوف عنده، حيث أنّ استمرار وأبديّة زمن الدولار المرتفع سيكون له عواقب سياسية بالتأكيد.
بدايةً، الدولار القوي يُضعِف القدرة التنافسية للولايات المتحدة، ممّا يوسّع بدوله عجز التجارة الخارجية لها ويُطلِق العنان لمشاكلها الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك عجز الموازنة. وهذا بسبب إغلاق الولايات المتحدة لعجز التجارة الخارجية بإصدارها دولارات وسندات خزينة مُبالغ في تقييمها، والّذي برأيي ليس وضعًا مُستدامًا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية.
وكما أكّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال قمّة الأمريكتين الأخيرة، فإنّ الولايات المتحدة لم تعد تتبنّى سياسةً خارجية تتدخّل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبالتّحديد دول أمريكا اللاتينية.
وستكون الآثار الاقتصادية لذلك كما يلي: سيكسب الدولار قيمةً بالاعتماد على أداء التجارة الخارجية والقوة الإنتاجية والتمويلية للاقتصاد القومي الأمريكي كما يحدث في الدول الأخرى، بدلًا من الاعتماد على القوى العسكرية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية. بالنظر إلى ذلك، فإنّ الدولار المستمر بالصّعود، ليس مستدامًا كذلك للولايات المتحدة ولا للاقتصاد العالمي.
على سبيل المثال، يؤثر الدولار القوي في تخفيض أسعار السلع الأساسية، وإيذاء الدول المنتجة مثل البرازيل، وتهديد أسواق ناشئة أخرى حيث تترتب على الشركات ديون بالدولار. فهل يوفر نفس الدولار القوي ميزةً لصادرات دول منطقة اليورو من خلال تخفيض قيمة اليورو؟
للأسف لا يمكنني تقديم جواب إيجابي لهذا السؤال، فحيث أنّ اليورو ليس عُملة احتياطيّةً في هذه العملية، فإنّ هذا يعني تدهورًا سريعًا في الهيكلية المالية لمنطقة اليورو. علاوةً على ذلك، إنّ انخفاض قيمة السلع الأساسية، التي تكتسب قيمتها على أساس الدولار، يجرّ الدول المنتجة كذلك إلى حافة الهاوية.
ارتفع مؤشر الدولار (USDX) الذي يقيس قيمة الدولار مقابل ست عملات أجنبية رئيسية بنحو 25 بالمئة منذ شهر أيار/ مايو 2014. وتسبب هذا الوضع بخروج الدول النامية بصورةٍ مُتعثِّرة خارج الأسواق المالية، وبذلك يواجه العالم أزمةً عالميةً جديدة.
وهُنا أقترح أنّ استخدام الدولار كزناد لإطلاق أزمة ربّما يتحوّل إلى انهيار ثلجي يبتلع أولئك الذين يستخدمونه كأداة للأزمة. فالعالم لم يعد كما كان في الثمانينيات أو التسعينيات بعد الآن. فالدول النامية، وبالتحديد روسيا والصين تعمل على إيجاد طرق للتقدّم.
وعلى الرغم من إشارة خبراء إلى تفوق الدولار على عملات أخرى في التجارة الدولية، فإنّهم يرون كذلك أنّ اليوان الصيني سيتنافس مع الدولار على المدى البعيد. وفي لقاء له مؤخرًا مع وكالة الأناضول، قال أستاذ الأعمال الدولية في كلية آر أتش للأعمال في جامعة ميريلاند البروفسور بيتر موريتشي إنّ صعود الدولار مستقل عن الاتّجاهات على المدى الطويل فيما يتعلق بموقعه كعملة احتياطية في التجارة الدولية.
ورأى موريتشي أنّ الاقتصاد الأمريكي هو في موقع قوي نسبيًا في الوقت الحالي، مضيفًا أنّه "سيتم استخدام اليوان الصيني بشكل أكبر في التجارة الدولية على المدى الطويل. لأنّ اليوان مع التطور الاقتصادي الصيني سيكون أكثر فعاليّةً في التجارة على المدى الطويل". كما أشار إلى أنّ التجارة العالمية أصبحت أكثر تنوّعًا مع وجود عدد كبير من العملات.
تبرز الآن على الأجندة موضوعات العملة الجديدة التي ستحلّ الدولار، والاتحادات الاقتصادية الجديدة واتحادات المقاصة القوية حيث ستتمّ التجارة بالعملات المحلية. وخلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى إيران، اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيره الإيراني حسن روحاني قيام تركيا وإيران بتأسيس أرضية للتجارة بالعملات المحلية، وقد قبل روحاني عرضه.
رُبّما يكون اتّحاد المقاصّة الذي قد يتشكّل من قبل تركيا وإيران وروسيا ردًّا جديًّا على هجمة الدولار. وربّما يواجه المتلاعبون بالاقتصاد الدولي بما يتماشى مع مصالحهم الخاصة من خلال رفع الدولار بشكل مصطنع ردودًا غير متوقّعة ويكونوا هم الخاسرين في النهاية. وأودّ أن أُحذِّر مُزيِّفي النّقود ومُثيري الأزمات من ذلك.
وفي هذا الإطار، أعتقد أنّ لقاء أوباما الأخير مع رئيس كوبا راول كاسترو يُعدّ خطوةً هامةً جدًا وناجحةً ورمزية. أوباما هو الرئيس الأمريكي الأول الذي يصافح الزعيم الكوبي منذ أكثر من 50 عامًا. وقد صرّح بأنّ الولايات المتحدة لن تتدخل بعد الآن في الشؤون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية، ممّا قد يعني أنّ الولايات المتحدة تدير ظهرها لتركة جون كينيدي.
منذ الحرب العالمية الثانية، تزامنت كل الفترات التي ارتفع فيها الدولار مع قيام الولايات المتحدة بعمليات في آسيا وأمريكا اللاتينية. وباختصار، كما اعترف أوباما، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية تدخّلت في هذه الفترة بالشؤون الداخلية للدول، بما في ذلك تركيا، ونفّذت عمليات فيها وسيطرت على اقتصاداتها.
شهدت فترة حكم إدارة جورج دبليو بوش والاحتلال الأمريكي للعراق ارتفاعًا للدولار كأمر ليس اقتصاديًا. لنؤكّد على أنّ الدولار اليوم ليس عملةً تتحرك بأسباب اقتصادية. فمنذ ريتشارد نيكسون والدولار يوازي دماء الآسيويّين الذين قُتِلوا بسبب صناعة الحرب التي أسّسها رأس مال آسيوي.
والآن، تذهب كتلة الجمهوريين المعادين لأوباما إلى أي مدىً لدفع الخزينة الفدرالية الأمريكية لرفع الفائدة. فهم يريدون دفّة الاقتصاد عبر تهديد دول مثل تركيا بالدولار المرتفع، ويُحضّرون بيئةً للصراع، ويُطلقون الرّعب والحروب الأهلية في هذه الدول من خلال أجهزة الاستخبارات الموجودة تحت تصرفهم.
هذا السيناريو مدعوم من قبل الاتحاد الأوروبي الذي ما فتئ يزداد ضعفًا بشكل تدريجي ويخسر إرادته وتوجّهه السياسي. رُبّما لا يكون اليورو عملةً احتياطية تُذكر إلى جانب الدولار، وهذا التطور ربّما يخدم كتلة الحرب العالمية من خلال رفع الطلب العالمي على الدولار. فالبنوك المركزية تتخلص بشكل سريع من احتياطاتها من اليورو وقد انخفضت احتياطات اليورو العالمية مؤخرًا من 30 بالمئة إلى 22 بالمئة.
إذا حقّقت كتلة الجمهوريين في الولايات المتحدة هدفها وانتصرت في انتخابات عام 2016، فإنّ حالة حرب قد تسود في العالم وبالتوازي مع ذلك، ربّما ينسحب الاتحاد الأوروبي المتمحور حول ألمانيا إلى قوقعته وربّما يدخل مرحلةً من الاضطرابات من خلال الحروب الأهلية التي ستبدأ من شرقيّ أوروبا. أعتقد أنّ البشريّة لن تسمح لذلك بالحدوث مرةً أخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس