ترك برس
الخلاف الأخير بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون هو أحدث مثال على اتساع الفجوة بين تركيا والغرب، لكنه ليس السبب الجذري للخلاف المتزايد بين تركيا والدول الأوروبية الكبرى ، كما يقول تقرير للمعهد الاسترالي للإستراتيجية السياسية، بل هناك أسباب جوهرية أخرى.
وجاء في تقرير للمعهد أن لتركيا عدة تظلمات من أوروبا وخاصة القوى الكبرى التي تهيمن على الاتحاد الأوروبي، يمكن تلخيصها في جملة واحدة : "إذا كنا جيدين بما يكفي للموت من أجل أوروبا ، فلماذا لا يمكننا العيش في أوروبا؟"
وفي ذلك إشارة إلى حلف الناتو الذي تعد تركيا عضوًا فيه منذ مدة طويلة ، وإلى الاتحاد الأوروبي الذي رفض عضوية تركيا على الرغم من حقيقة أنها تقدمت بطلب للانضمام يعود إلى عام 1987.
وأوضح أن تركيا تنزعج من حقيقة أنه كان يُنظر إليها على أنها ضرورية للدفاع عن أوروبا في مواجهة التوسع السوفيتي ، ومع ذلك فقد تم رفض عضويتها في الاتحاد الأوروبي على مدار العقود الأربعة الماضية.
و أكثر ما يزعج الأتراك هو أن الكثير من الدول الشيوعية السابقة قد انضمت إلى الاتحاد الأوروبي على الرغم من أن مؤهلاتها الديمقراطية ليست أفضل بكثير من مؤهلات تركيا.
ووفقا للمعهد ، يلخص الأتراك السبب الرئيسي لاستبعادهم من الاتحاد الأوروبي في كلمة واحدة: الإسلام.
وبين أن التصريحات التي أدلى بها قادة أوروبيون مهمون على مر السنين ، مثل الرئيسين الفرنسيين فاليري جيسكار ديستان ونيكولاس ساركوزي ، والتي تؤكد على الطبيعة المسيحية الأساسية لأوروبا كسبب لتبرر رفض عضوية تركيا قد عززت هذا الاعتقاد لدى الأتراك.
ومن أسباب غضب تركيا على الاتحاد الأوروبي، دعم الاتحاد لليونان وقبرص في نزاعهما الحالي مع تركيا حول استكشاف موارد الطاقة والحدود البحرية في شرق البحر المتوسط وتهديده بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا بشأن هذه القضية، وهو ما أقنع الكثير من الأتراك بأن التقارب الديني " المسيحي" هو الذي فرض الموقف الأوروبي.
وينظر إلى دخول الحكومة اليونانية القبرصية إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004 ، في حين تم تعليق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من نفس المنظور ، لا سيما أنه بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي تتمتع قبرص بحق النقض (الفيتو) بشأن القضايا المتعلقة بانضمام تركيا.
ويشير التقرير أن أن موقف الاتحاد الأوروبي من شرق البحر الأبيض المتوسط يعيد إحياء الذكريات التركية لسياسة القوى الأوروبية ، ليس فقط في تقسيم الأجزاء غير التركية من الإمبراطورية العثمانية فيما بينها في نهاية الحرب العالمية الأولى ، بل وأيضًا تقسيم الوطن التركي نفسه.
وأوضح أن معاهدة لوزان عام 1920 وقعت بعد هزيمة العثمانيين وتنازلهم عن أجزاء كبيرة من الأراضي العثمانية للقوى الأوروبية وخلقت مناطق احتلال كبيرة داخل الأناضول. ولكن أكثر ما أثار غضب الأتراك هو التنازل عن الجزء الغربي مما يُعرف الآن بتركيا لليونان.
وينتقل التقرير إلى الحديث عن الخلافات بين الولايات المتحدة وتركي، فبعد أن كانت الولايات المتحدة تدعم في الماضي عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ،انفتحت هوة واسعة بين الحليفين خلال السنوات القليلة الماضية.
اصطدمت مصالح البلدين بشأن سوريا ، إذ ترى أنقرة أن دعم واشنطن للميليشيا الكردية ووحدات حماية الشعب وما تلاه من إنشاء جيب كردي على الحدود السورية مع تركيا يعد تهديدا للأمن التركي بسبب صلات وحدات حماية الشعب الكردية بتنظيم البي كي كي الذي يشن حربًا انفصالية في تركيا منذ 35 عامًا.
ويلفت التقرير إلى أن محاولة أنقرة انتهاج سياسة خارجية مستقلة في الشرق الأوسط ، والتي غالبًا ما يطلق عليها اسم العثمانية الجديدة في الدوائر الغربية ، أدت إلى تضارب المصالح بين تركيا والولايات المتحدة.
وأوضح أن تركيا اتخذت موقفا صارما مناهضا لإسرائيل بشأن القضية الفلسطينية وتخوض منافسة شرسة مع السعودية ، الحليف العربي الأساسي لواشنطن ، على زعامة الشرق الأوسط العربي السني.
وفي المقابل تنظر واشنطن أيضًا إلى تركيا على أنها متسامحة مع إيران ، الخصم الأساسي لأمريكا في المنطقة. وأدى قرار الحكومة التركية شراء أنظمة صواريخ روسية من طراز S-400 تحديا لرغبات الولايات المتحدة إلى تهديد واشنطن بفرض عقوبات على تركيا بموجب قانون كاستا.
ورأى التقرير في الختام أن مصادر التوتر في العلاقات الأمريكية التركية هي مصادر استراتيجية وليست دينية - ثقافية كما هو الحال مع أوروبا، لكن التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى أدى إلى اندماج التصورات التركية بشأن تدهور العلاقات التركية الأمريكية مع التوترات بين تركيا والقوى الأوروبية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!