طه أوزهان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
أدت الديمقراطية التعددية في تركيا إلى رفع عدد مكانة عدد من الأحزاب السياسية ذات الشعبية الاستثنائية من خلال الآليات الانتخابية. وعلى الرغم من أن بعض هذه الأحزاب تجاوز عتبة 50 بالمئة من الأصوات، إلا أن هناك نقصا مستمرا في الحكومات القوية بشكل حقيقي والقادرة على إضعاف نظام الوصاية.
بعبارة أخرى، كانت القوة الديمقراطية للشعب غير قادرة إلى حد كبير على تغيير المنظومة وإطلاق تغيير هيكلي. وبالنظر إلى أن حزب العدالة والتنمية (AK Parti)، الذي أحدث في البلاد ثورة عام 2002، لم يكن يملك الشهرة التي كانت لدى سابقيه، يجدر التساؤل عما يميزه عن الأطراف الرئيسية الأخرى في السياسات التركية.
تقع القيادة القوية لتراكم السلطة الحقيقية في قلب الحكومة المنتخبة برئاسة رجب طيب أردوغان خلافا لأسلافه، الذين كان بعضهم أكثر تسلطية منه بشكل كبير. وإن نظرة سريعة على مسار التاريخ السياسي، وتوزيع الأصوات ونهاية الحكومات تكشف نواح هامة من هذه الظاهرة.
سجل اسم أردوغان على صفحات التاريخ كشخص جسر الهوة بين المشاعر الشعبية وأصحاب السلطة السياسية مع التأكيد على صوت الشعب. منذ أن استنفذ الانقلاب العسكري في عام 1960 شعار الحزب الديمقراطي الشهير "يكفي! سيتحدث الشعب!"، لم يتجرأ أي زعيم سياسي على كسر دائرة الفساد والوقوف على قدميه.
هذا السلوك الذي يصفه الرئيس بأنه حماية ما وثق به الشعب من أجله، أدى إلى ظهر كتلة تصويت ضخمة لأول مرة منذ عام 1960. ولو أن التاريخ أخذ منحا آخر، لم يكن هناك سبب لوصف الانتخابات البرلمانية عام 2002 بأنها ثورة، حيث أن ثاني حكومة منشئة للبلاد كانت قد تحطمت من قبل نظام الوصاية.
طوال نصف قرن، عمل نظام الوصاية على منع حق ملايين الناخبين في التمثيل السياسي، وعلى الأقل إفراغ مساهماتهم من محتواها. وقد أثبتت مهارات أردوغان القيادية قيمتها في ترجمة الأصوات الحقيقية إلى سياسة ودمج المطالب الشعبية في برنامج حزبه. وبالمقابل زادت ثقة الجموع بدورهم في النظام السياسي وبوضع السلطة بين السيد أردوغان. وأعطى المستوى العالي من التفاعل بين القاعدة الاجتماعية والقيادة السياسية دفعة لرابطة قوية بينهما.
من الواضح أن الوضع الذي ذكرته آنفا، كان مختلفا تماما عما تعيشه الأحزاب السياسية الرئيسية، والتي افتقدت - ما عدا حزب الرفاه وحزب الحركة القومية - لأيديولوجية متماسكة. وعلى الرغم من حصول عدنان مندريس وتورغوت أوزال على رقم قياسي من الأصوات في الانتخابات، إلا أنهما لم يمتلكا الرابطة التي يملكها أردوغان مع الجموع.
الأهم من ذلك أنهما لم يغيرا حدود قوتهما التي وضعها نظام الوصاية، والذي لا يشترط أن يكون خطأ من جهتهما، إلا أنه جزء من مسار التاريخ السياسي لتركيا. فقد افتقد الزعماء السابقون في الحقيقة للقدرة والسياق لإضعاف منظومة الوصاية.
هذا لا يعني بالطبع أن المشهد السياسي قبل عام 2002 سهل الأمر بالنسبة لأردوغان؛ فقبل خمس سنوات فقط من انتخابات عام 2002، تمت الإطاحة بحزبه من السلطة من قبل الجيش. وقد سعى أردوغان لمنصب الزعامة السياسية في البلاد في وقت كان فيه نظام الوصاية أقوى من أي وقت مضى.
فعلى الرغم من عدم إراقة دماء خلال الانقلاب العسكري عام 1997، إلا أن السياسيين والمواطنين العاديين أدركوا في تلك الفترة أن البلاد مدخلت مرحلة اللاعودة. وكان دور أردوغان أن يظهر قدرته القيادية في ظل الضغوط السياسية الهائلة. وفي تلك اللحظة وقف الشعب إلى جانب القائد الناشئ ووافقوا على تعزيز قوة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2007.
وللتذكير، إن قيادة أردوغان هي التي حولت انتخابات عام 2002 إلى تطور ثوري وميزته من الأجيال السابقة من السياسيين. وحيث أن معظم المراقبين قيموا سياسات أردوغان بالإشارة إلى من سبقه حتى انتصاره في انتخابات عام 2007، فبعد هذه الانتخابات أصبح تقييم أسلافه يتم من خلال مقارنتهم به.
ومع الوقت تجاوز تأثير أردوغان حدود تركيا الذي لم يترك أي شك عن دوره كقائد قوي، وحوله إلى شخصية هامة عندما أثار الربيع العربي حديثا عالميا عن الثورات التي تفتقد للقادة. وكانت انتخابات عام 2002، مع ذلك، هي التي حولت أردوغان إلى قائد وكشفت تناوله للتاريخ، والوقت والفضاء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس