ترك برس
فقد عمله، وتغيرت نظرة جيرانه تجاهه، وأصيبت طفلته بصدمة لم تعد بعدها قادرة على الرضاعة عقب مداهمة الشرطة النمساوية لمنزله بذريعة تنفيذ عملية لمكافحة الإرهاب.
الفلسطيني ك. أ. وزوجته رويا لوكالة الأناضول ما عايشاه خلال مداهمة ما يقرب من 20 من عناصر الشرطة الخاصة لمنزلهم في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وما مرا به من معاناة بعد ذلك.
وأوضح ك. أ. أنه يعيش حياةً طبيعيةً في النمسا منذ 14 عامًا، ولم تكن له أي مشاكل سواء مع جهاز الشرطة أو أي مؤسسة أخرى حتى ذلك اليوم، مشيرا أنه يقوم بمهامه كفرد مسؤول دون تلقي أي مساعدات مالية من الدولة.
وأعرب عن صدمته تجاه ما قامت به الشرطة من مداهمة منزلهم.
وقال: "استيقظنا في الصباح الباكر على وقع جلبة كبيرة. وخلال ثوانٍ فوجئنا بعشرات البنادق موجهة نحونا. كانت هناك وحدة من الشرطة الخاصة مكونة من 15 إلى 20 فرداً".
وأضاف: "للوهلة الأولى ظننا أن جماعة إرهابية داهمت المنزل. كان أمرًا مخيفًا للغاية. وكانوا يصرخون فينا بصوت عالٍ "ارفعوا أيديكم، افعلوا كذا"، تجمدت زوجتي من صدمتها. ولم تستطع حتى أن تجيب على ما طُرح عليها من أسئلة. وكانت طفلتي البالغة ثماني أشهر فقط تبكي طوال الوقت".
وأوضح أن عناصر الشرطة دخلوا غرفة نومهم واقتادوه إلى غرفة أخرى.
وتابع: "تركوا باب المنزل الخارجي مفتوحًا. وكانت زوجتي وطفلتي خائفتين وتبكيان بشدة. وقالوا إنهم سيصطحبونني للتحقيق".
وأفاد أن الشرطة استخدمت الكلاب في تفتيش جميع أنحاء المنزل، وأخذت من المنزل أجهزة إلكترونية كالهواتف المحمولة والحاسوب.
وأضاف أنهم لم يفهموا ما كانت تبحث عنه الشرطة، مضيفا: "انتقلنا إلى هذا المنزل منذ ثلاث سنوات. وقد ادخرنا مبلغاً لتجهيز المنزل وشراء الأثاث والاحتياجات الأساسية، لكنهم صادروا كل شيء".
وأكد أن الشرطة كذبت عليه أثناء احتجازه، وأخبرته أنه قدم بصفته شاهد وليس متهم، إلا أن الأوراق التي أعطيت له بعد ذلك تذكر بوضوح أنه متهم.
- أسئلة الشرطة لا علاقة لها بالتهم
وقال إنه لم يجد في الاستجواب أي سؤال حول الاتهامات الموجهة إليه.
واستطرد: "كانت أسئلتهم كالتالي: هل تصلي؟ هل ترتدي زوجتك الحجاب؟ أما فيما يخص طفلتي البالغة من العمر ثماني أشهر فقد كانت أسئلتهم سخيفة من قبيل هل ستسمح لها بأكل كل أنواع اللحوم في النمسا عندما تكبر؟ هل ستختار لها زوجها عندما تكبر أم ستتركها تختار بنفسها؟".
- هل تلتقي بالرئيس التركي أردوغان؟
وقال ك.أ إن الشرطة طرحت عليه أسئلة تتعلق بشخصيات مهمة من العالم الإسلامي سواء على قيد الحياة أو شخصيات راحلة.
وتابع "دفعني حبي لتركيا لأن أشارك صورة علم تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان عبر حسابي على الفيسبوك. ولكن وُجهت لي أسئلة حول أردوغان مثل ما علاقتك به؟ وهل تلتقي به؟ وهل هناك أي محادثة أو اتصال دار بينكما؟".
وأضاف: "أخبرتهم أني أحبه لأنه يمد يد العون للمظلومين في سوريا وفلسطين وأماكن متفرقة حول العالم، ولهذا السبب أشارك منشورات تتعلق به. وأني أذهب إلى تركيا في إجازتي لأني أحبها".
- التركيز على مصر خلال التحقيق
وأوضح أنه على الرغم من كونه فلسطينيا إلا أنه سُئل العديد من الأسئلة حول مصر وحكومتها، كما سئل عن مجموعات وجماعات لم يسمع بها من قبل.
وذكر أن الشرطة سألته عن شخصيات مثل الرئيس الفلسطيني الأسبق ياسر عرفات ويوسف القرضاوي، وأنها عرضت عليه عناوين كتب مختلفة وسألته إن كان قرأها أم لا، إضافة إلى توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بالفقه والسير، قال إنه لم يستطع الإجابة عليها.
وأكد أن الشرطة طرحت عليه الكثير من الأسئلة أثناء الاستجواب، وأنه على الرغم من طلبه عدة مرات الدخول مع محاميه إلا أنها تجاهلت طلبه.
وأشار أن الشرطة استجوبته طيلة 18 ساعة دون انقطاع، وعرضت عليه صور لبعض الأشخاص.
وأردف: "ضغطوا علي لأقول إن بعض الأشخاص ينتمون إلى حزب أو جماعة معينة. أو على ارتباط بمؤسسات ما".
- استخدام الزوجة والطفلة للتهديد
وقال: "لم يكن لدي علم بما يسألون عنه، ولكنهم كانوا يصرون على استخراج إجابات ما مني. كما أنهم استخدموا طفلتي ذات الثمانية أشهر وزوجتي لممارسة الضغط علي. فكانوا يقولون إذا أردت العودة إليهما عليك أن تخبرنا. وإن لم تخبرنا الحقيقة فلن نسمح لك بالذهاب إلى عائلتك".
كما أكد أن الشرطة حاولت الضغط عليه فيما يتعلق بالمنشورات التي شاركها ثلاثة من أشقائه يعيشون في غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، وكان قد شارك منشوراً لدى أحد إخوته به صورة لفلسطيني أصيب برصاصة في ساقه في مظاهرة سلمية، وشارك منشوراً لدى شقيقه الآخر به صورة لفلسطيني يتم ضربه على حدود غزة، وسألته الشرطة حول هذين الأمرين، فقال إنه يحاول أن يقيم علاقة وتواصل بينه وبين إخوته من خلال هذه المشاركات.
- تغير نظرة الجيران
وأضاف أن علاقته بجيرانه كانت جيدة للغاية إلا أن نظرتهم له تغيرت بعد مداهمة الشرطة منزله، وأن زوجته أصبحت تشعر عند خروجها من المنزل أنها غير آمنة ومنبوذة.
ولفت أنه قدم إلى النمسا لكي يعيش بأمان وبحرية وأنه أحبها مثل وطنه وأنه لم ولن يشارك في أي عمل يضر بها.
- الشرطة النمساوية تسببت في فصلي من العمل
وأوضح أنه يعمل منذ سنوات في شركة معروفة جيداً في النمسا ويكسب رزقه بنفسه ولم يحصل على أي دعم مادي من الدولة، إلا أن الشرطة أرسلت رسالة إلى محل عمله تقول "لا يمكن لهذا الشخص أن يعمل هنا" وبناء عليه تم فصله من العمل.
وأشار أن الشرطة أخبرته أنه يمكن أن يسحب من أرصدته التي تم تجميدها ما يكفي لسد احتياجاته الأساسية ودفع إيجار المنزل والفواتير المستحقة عليه إلا أنه فوجئ عند ذهابه للبنك بأنه غير مسموح له بسحب أي مبالغ.
وأضاف أنه أصبح فير قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية لطفلته ولا متطلباته الإنسانية.
- احتجاز داخل المنزل
أما ل. أ زوجته فقالت إن بعض عناصر الشرطة ظلوا في المنزل بعد أن اقتادوا زوجها لمقر مديرية الأمن، وأن أفراد الشرطة أجبروها على المكوث في مكانها لمدة طويلة دون أي حركة، لدرجة أنها كانت تذهب إلى الحمام والسلاح موجه نحوها.
وأضافت أنها لم تكن تتوقع أن تعيش موقفا كهذا في النمسا وأنها أصبحت تتذكر كل ما مرت به كلما رأت أفراد الشرطة في الشارع، وتفزع عند سماع أي صوت منذ ذلك اليوم.
- الطفلة أصبحت غير قادرة على الرضاعة وهي لا تزال في شهرها الثامن
وأوضحت ل. أ أنهم يعانون من مشاكل نفسية بسبب الصدمة التي عاشوها، وأن طفلتها ذات الثمانية أشهر توقفت عن الرضاعة منذ ذلك اليوم.
وأضافت أنها لم تتمكن من التواصل مع عائلتها في فلسطين لمدة خمسة أيام بسبب قيام الشرطة بمصادرة هواتفهم وحاسبهم الآلي ونقودهم.
وتابعت: "اتصلت بعائلتي لأول مرة بعد خمسة أيام وكانوا قلقين ويبكون ويسألون عما حدث لي فأخبرتهم أن هاتف زوجي قد تعطل ولذلك لم أتمكن من الاتصال بهم. ولم يطمئنوا إلا عندما تحدثنا عبر الفيديو".
وأشارت أنها قالت للشرطة عندما داهمت المنزل إنها عاصرت أربعة حروب في فلسطين ولكنها لم تشهد وحشية وهمجية مثل تلك.
وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نفذت الشرطة النمساوية مداهمات على 60 منزلا بتهم تشكيل كيان إرهابي وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
وتم توقيف 30 ناشطا وأكاديميا مسلماً ثم تم إطلاق سراحهم بعد ذلك عقب انتهاء التحقيقات.
وقوبل الحدث بردود فعل غاضبة من عدد من السياسيين والإعلاميين وأوساط مختلفة من المجتمع النمساوي.
وطالب الكثير من الكتاب والصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني الشرطة بالتوقف عن هذه الممارسات التي لا تتفق مع أبسط معايير حقوق الإنسان الفردية والجماعية ولا يقرها الدستور النمساوي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!