محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
قبل وصوله للبيت الأبيض أعلن الرئيس الامريكي بايدن تهكمه من سياسة ترامب حيال حصول انقرة على صواريخ س 400 من روسيا باعتبارأن تلك الصواريخ ستكون عامل تهديد حقيقي لحلف الناتو لأن تركيا عضو في الحلف .
رغم تاكيد الجانب التركي على عدم وجود اية تهديدات لقوة الحلف والاكثر من ذلك أن انقرة وضحت بما لايقبل الشك بأن تركيا اشترطت بان يكون تشغيل تلك الصواريخ من قبل الاتراك حصرا دون أشتراك وتدخل الجانب الروسي في تشغيلها .
توصف العلاقات التركية الروسية بالعلاقات المتشابكة تحكمها الظروف أحيانا فعندما تقترب البوارج الروسية والقوات العسكرية من مناطق حدود تركيا أو من مناطق نفوذهم ومصالحهم تتكون علاقات ضرورية واحيانا اخرى تضطر احدى الدولتين الى الالتجاء الى الثانية عند الحاجة وهذه الثانية هي التي أزمت العلاقات التركية مع الولايات المتحدة و الغرب عموما بعد صفقة الصواريخ الروسية .
تطورت علاقات البلدين تركيا وروسيا تباعا بعد سلسلة من التفاهمات والاتفاقات الجانبية والتي تميزت بالصراحة والبرغماتية والتقيد بالعهود والمواثيق من الطرفين حيث أشاد الرئيس الروسي بوتين صراحة بثقته المطلقة بالرئيس التركي أردوغان مادحا له ووصفه بأنه عند كلمته عندما يأخذها على عاتقه ، وربما يكون مدح الاول تذكير للثاني في ظل التقلبات الاستراتيجية في العالم والمنطقة بشكل خاص .
وهذا يعني أن هناك عاملا مساعدا أخر قد غلف العلاقات الثنائية بين البلدين واعطى لها ديمومة حقيقية لمواصلة تطوير علاقاتهما معا مستقبلا .
بوصول بايدن الى البيت الابيض توضحت الامور كثيرا حول سياسته المقبلة في الشرق الاوسط وعلاقات البيت الابيض مع الكرملين والمنطقة بشكل عام فقد أكد الكثير من المحللين بانها أستمرارا لنهج فترتي تولي أوباما وأن ساكن البيت الابيض الجديد سيحاول تمرير منهج سلفه من خلال خلق المزيد من المتاعب في المنطقة لاشغال الروس بها وسحب البساط من تحتهم ، أو تحديد وأختزال علاقات الدول المعنية مع روسيا ومنها تركيا ، وكما هو الحال أيضا مع أيران حيث تتوارد تصريحات من واشنطن بأن الولايات المتحدة ستقوم بعقد اتفاق جديد مع طهران تشمل أبعادا اضافية ، والمقصود منها هو تحجيم العلاقات الايرانية مع روسيا مقابل تمرير الاتفاق القديم والذي وافق عليه سلفه الديمقراطي أوباما .
وبالعودة الى العلاقات التركية الروسية فأن من المؤكد بأن الطرفين مهما تطورت علاقاتهما من خلال مسيرة تعاملهما ففي النهاية سيصل كل منهما الى حافة النهر الفاصل بينهما لأعتبارات عدة ومن اهمها هو جودهما في حلفين مختلفين ومتناقضين وندين فالروس يتزعمون حلف وارشو القديم وتركيا عضوة في حلف الاطلسي المعادي والمناهض لحلف وارشو . وحسب الكثير من التحليلات وامتعاض بايدن من تصرف تركيا بعقد صفقة الصواريخ وهي الدولة الحليفة لهم وعضوة في حلف الناتو فأن تلك الورقة هي التي ستشهر في وجه القيادة التركية عاجلا لعدة أغراض منها
- احراج القيادة التركية أمام الروس لمنع الكثير من التقاربات واختصارها على علاقات اقتصادية وربما هامشية
- منع حصول أية أتفاقات مستقبلية حول المسألة السورية بين أنقرة وموسكو
- تحديد علاقات تركيا مع الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص دون رعاية البيت الابيض وتشمل أيضا علاقات أنقرة مع دول الساحل الافريقي وشمال أفريقيا العربية
- وأخيرا فأن التقارب بين الدول الاوربية وواشنطن سيدفع الاخير بالضغط كثيرا على أنقرة لأبعادها عن موسكو .
من ناحية أخرى فان التلميحات والرسائل الايرانية والتي تؤكد أستعدادها لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج ومع السعودية على وجه الخصوص هي نابعة من فهم طهران لمخططات البيت الابيض في سبيل محاصرة أنقرة في علاقاتها مع الدول العربية والخليج على وجه الخصوص ، بل ربما ستكون هناك ضغط أمريكي لدول الخليج لفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع طهران .
وهنا سيطرح السؤال الاستراتيجي المهم جدا
ماهي الاوراق التي بيد الزعامة التركية للحيلولة دون حصول حكام واشنطن على نتائج مخططاتهم واهدافهم ؟ .....
فمن المعلوم أن امريكا تعاني حقيقة من ُ التاثير الكبير لجائحة كرونا أقتصاديا بسبب اهمال الادارة السابقة لوضع أستراتيجية حقيقية لدعم القطاع الصناعي والتجاري وأرباب العمل بمختلف درجاتهم فانها ستضطر لكسب الكثير من الساحات والاسواق العالمية تارة للمنافسة واخرى لتصريف صناعاتها وبضائعها ، وما خط طريق الحرير المنتهي في اسطنبول المنافسة للهيمنة الاقتصادية الامريكية ألا عقبة حقيقية أمام غول بضائع الولايات المتحدة في العالم .
لكن باعتقادي بأن طريق الحرير من المسلمات والتي لاتحاول واشنطن التماس بواقعها وخصوصا بعد تاكيدات واشنطن بأن تعاملها مع الصين ستكون ضمن المصالح المتبادلة ، لكنها ستحاول حتما منع التقارب الصيني الكبير مع رابطة اتحاد دول جنوب شرق أسيا والمسمى بدول الاسيان أختصارا ، وهذه طبعا أحدى الاوراق المهمة مع أنقرة عندما يحين كشفها .
وبمعنى أخر فأن واشنطن ستحاول بشتى الطرق من تحجيم علاقات تركيا مع غيرها من الدول وخصوصا مع موسكو ليس عداء لموسكو ولكن ضد تركيا ايضا ( لتصيب حسب مخططها عصفورين بحجر ) التي استطاعت بشتى الطرق من سحب يدها من تحت الحجارة الامريكية المهيمنة .
ورغم تملك تركيا للكثير من أوراق اللعب فأنها تحاول دوما زيادة متطلبات حماية امنها القومي ومصالحها الاستراتيجية وما الاشارات التي تصدر حول أعادة علاقاتها الطبيعية مع بعض الدول العربية ألا سابقة للحيلولة دون محاصرتها من جديد .
كل هذه التحضيرات التركية المسبقة للتغلب على مخاطر محاصرتها وتحقيق أهداف الغرب والبيت الابيض ألا تجاوزا لمنع حصول ضغط كبير عليها لتحديد علاقاتها مع دول العالم وعلى وجه التحديد مع روسيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس