طه عودة أوغلو - نداء بوست
تعيش العلاقات التركية-الأفريقية في عهد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بزعامة الرئيس "رجب طيب أردوغان" أبهى عصورها في ظل الإصرار التركي على التوجه الصادق نحو القارة الأفريقية والانفتاح عليها في كل المجالات وبذل كل الجهد لتمكين الشعوب الأفريقية من التغلب على أزماتها في وقت أصبحت فيه أفريقيا ساحة للتنافس الإقليمي والاستثماري والتجاري العالمي.
تدرك تركيا أن القارة الأفريقية تتمتع بثروات طبيعية هائلة لم يتم استغلالها إلى الآن وبأنها تتملك مقومات وإمكانيات وفرص ضخمة يمكن تطويرها وتطويعها على مبدأ "إربح-إربح" الذي تتبناه "أنقرة" وتسير عليه لتحقيق المنفعة المتبادلة والوفرة للجميع دون مطامع أو أهداف تكون على حساب استبعاد أو إسقاط الآخر من معادلة الوفرة والمكاسب للجميع.
ولا يخفى على أحد أن العلاقات التركية-الأفريقية بدأت تتطور تدريجيا لتصل إلى أفضل مراحلها أو لنقل "عصرها الذهبي" منذ أن وصل حزب "العدالة والتنمية" بزعامة الرئيس "أردوغان" إلى سدة الحكم في عام 2002.. بيد أن "أردوغان" وحزبه بنى قاعدة إنسانية قوامها الصداقة والإخوة في المقام الأول، ومن ثم وضع توجها اقتصاديا على رأس الأجندة التركية لعقد شراكة اقتصادية متكاملة تحقق المصالح والأهداف المشتركة لكل الأطراف مع وضع هدف رئيسي أيضا يتمثل بدعم موقع تركيا كلاعب عالمي محوري قادر على استيعاب التغيرات التي يفرضها النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب.
ضمن هذا الإطار، أعدت حكومة "أردوغان" في عام 2003 استراتيجية لتطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، ولم تكتف بذلك بل ذهبت إلى إعلان عام 2005 على أنه "عام أفريقيا" فيما تنظم سنويا فعالية بتاريخ الـ25 من مايو/أيار عنوانها "يوم أفريقيا"، وهو ما أسهم فعليا باختيار الاتحاد الأفريقي تركيا كشريك استراتيجي له في عام 2008.
ومع حلول عام 2013 تم اعتماد سياسات الشراكة الإفريقية بدلا من سياسات الانفتاح التركي لإفريقيا لتستهدف "أنقرة" بهذه الخطوة المساهمة في النهضة التنموية والاقتصادية للقارة السمراء وتحقيق الأمن والاستقرار فيها وإقامة علاقات ثنائية قائمة على الشراكة المتساوية والمصالح المتبادلة.
وفي إطار خطة التنفيذ المشتركة للفترة بين عامي (2015 و2019) وضعت تركيا خارطة طريق للمشاريع التي تعتزم تنفيذها في القارة السمراء فيما انخرط الرئيس "أردوغان" شخصيا في الكثير من الخطط التي تساهم في تدعيم مسار العلاقات والشراكات الاستراتيجية التركية-الأفريقية عبر إجرائه زيارات لأكثر من 30 دولة أفريقية وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وإنشاء آليات لتشجيع الزيارات المتبادلة بين الوفود إلى أخر افتتاح مقار وتمثيل دبلوماسي في 42 بلد أفريقي.
وعلى المستوى التعليمي، قامت تركيا بتخصيص منح دراسية لمئات الطلاب الأفريقيين الذين تخرجوا بتفوق منها ليصبحوا في شئون عالية بالدولة. كما منحت أيضا تسهيلات كثيرة لدخول رجال الأعمال الأفارقة إلى تركيا والاستثمار فيها.
وطبقا للمراقبين، فإن هذه الاستراتيجية التركية أفرزت انتعاشة مع الكثير من المكاسب متعددة الأبعاد كانت ثمارها ترسيخ قاعدة الثقة والصداقة ليتجاوز حجم التبادل التجاري التركي-الأفريقي الـ30 مليار دولار حتى عام 2020، لتستفيد من هذه العلاقات الأجيال المستقبلية لكلا الطرفين.
لقد استطاعت تركيا بزعامة الرئيس "أردوغان" باستشراف ما ينتظر القارة السمراء من مستقبل واعد كقوة اقتصادية واستثمارية كبيرة على الساحة الدولية ما يجعلها نقطة جذب للمستثمرين حول العالم وخصوصا من كبرى القوى الاقتصادية والاقتصاديات الناشئة وفي مقدمتها الصين والهند واليابان.
تركيا بزعامة "أردوغان" التي دائما ما تستحضر الماضي لتفهم الحاضر وتنطلق نحو المستقبل بأمان وثبات، اختارت مشاركة خبراتها وتجاربها في مختلف المجالات مع بلدان القارة لإيجاد حلول للأزمات الإفريقية المحلية من جهة وتقاسم أرباح الاستثمارات من الجانبين من جهة أخرى.
وتشكل هذه الرغبة الصادقة بين تركيا والقارة السمراء والمستندة على أسس موضوعية، قاعدة متينة من الشراكة الاقتصادية المستدامة لتنفتح بصفة مستمرة إلى أفاق أكثر تطورا ووعدا.
الاهتمام التركي بالقارة السمراء..
لطالما تباهت "أنقرة" بعلاقاتها الطيبة مع القارة الإفريقية ورغبتها بتكثيف كل أنواع التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني وهو أمر لا وأنه أثار قلق العديد من الدول وعلى رأسها فرنسا التي تملك نفوذا تقليديا في هذه المناطق.
لكن يبدو أن الترابط الثقافي والإيماني ووقوف "أنقرة" دائما إلى جانب الحق والإنسان والعدالة، راكم لها رصيدا ضخما في بنوك الكثير من الدول الأفريقية التي تأخذ على فرنسا بالمقابل أنها دولة استعمارية تستحضر صورة الاحتلال والطغاة.
كما إن تركيز "أنقرة" على مساعدة الطبقات الوسطى وأصحاب الدخل المتدني جعلها منافسا قويا لكل شركات الصناعة الثقيلة الأوروبية ما جعلها تكسب الرهان في منافسة السلع الصينية الرخيصة عبر تقديم سلع أكثر جودة.
لكن الأهم أن تركيا باتت تنافس فرنسا حتى في سوق الموارد الطبيعية بالمنطقة المغاربية وأفريقيا عموما وهو ما دفع "باريس" إلى الرد بحدة على تدخلات تركيا في ليبيا والوقوف بجانب اليونان في صراعها مع تركيا في أزمة شرق المتوسط.
لكن مع ذلك، مضت "أنقرة" في طريقها واثقة في استراتيجيتها لتصبح اليوم واحدة من أهم مراكز الاستثمار في إفريقيا ويتمثل بالأساس في قطاع الإنشاءات (الطرق، البنية التحتية، والإسكان) إلى جانب قطاعات أخرى تحاول الشركات التركية الدخول إليها مثل الطاقة والاتصالات والتصنيع لا سيما في ظل المنافسة الصينية الشرسة في هذه القطاعات.
وتولي تركيا أهمية كبيرة لإحلال السلام والاستقرار في أفريقيا وقد بذلت الكثير من الجهود انطلاقات من إمكانياتها وتقدم دعما بشريا وماليا لخمس بعثات تابعة للأمم المتحدة من أصل ستة تعمل في أفريقيا حاليا فيما تسعى من جهة أخرى لمد النفوذ العسكري إلى القرن الإفريقي وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة حيث وقَعت بالفعل اتفاقيات أمنية مع كل من كينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا لتدريب قوات الأمن في تلك الدول.
وفي مارس 2018، أعلن "أردوغان" أن بلاده مستعدة للتعاون الأمني والعسكري مع كل من (موريتانيا ومالي) من أجل تعزيز الأمن فيهما والتصدي للمخاطر الإرهابية التي تهددهما.. كما توجد تكهنات أيضا بأن تكون دولة تشاد هي المحطة التركية التالية في توقيع اتفاقيات التعاون العسكري والأمني، خصوصا أن التعاون الاقتصادي والدبلوماسي في تطور مستمر بين البلدين.
خلاصة الحديث..
لا شك أن أوجه التعاون الاقتصادي والاستثماري متعددة ومتاحة بقوة بين تركيا والقارة السمراء وسط وجود التجاوب والحماس والمبادرات المطلوبة التي تعود بالنفع على كل الأطراف.
وعليه، تبدو العلاقات التركية-الأفريقية اليوم فوق الطبيعية وترقى إلى درجة التكامل المبنية على رؤية استراتيجية شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهذا يقود إلى التفكير بأن التحركات التركية الأخيرة في القارة الإفريقية تهدف بالدرجة الأولى إلى جعل منطقة القرن الأفريقي ركيزة لها ضمن ركائز القوة التي تطمح إليها (عسكريا واقتصاديا وسياسيا) لأن هذه المنطقة غاية في الأهمية وشريان تتجاوز حيويته حدود التجارة العالمية التقليدية إلى تعظيم المكاسب الاستراتيجية بعد تحولها إلى نقطة جذب لقوى مختلفة من داخلها وخارجها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس