ترك برس
تناول تقرير في الموقع الإلكتروني لقناة "تي آر تي عربي" التركية الحكومية فرص التعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية لحل الأزمة في اليمن، مؤكدًا أن تركيا تعتبر حليفاً موثوقاً به، وتتمتع بمصداقية عالية.
وقال الموقع في تقريره إن التكنولوجيا العسكرية التركية أثبتت فاعليتها في الحروب، "مما يضع بلداً يتعرّض للتهديد كالمملكة العربية السعودية، أمام فرصة التفكير جدياً في توثيق علاقته مع تركيا".
وجاء في التقرير أنه منذ مجيء إدارة الرئيس جو بايدن وكما هو متوقع رفعت جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً هجماتها ضد مواقع في عمق المملكة العربية السعودية. يحمل هذا التصعيد رسائل عديدة أولها متعلق بإيران التي تريد أن تستخدم هذا التصعيد كورقة ضغط على إدارة بايدن من أجل العودة إلى المفاوضات النووية ورفع العقوبات.
أما داخلياً فجماعة الحوثي تقرأ جيداً عدم رغبة إدارة بايدن بالتعاطي الخشن معها وذلك على خلفية ترتيبات إقليمية قادمة تتعلق بإنهاء حرب اليمن وفق حلول سياسية. ولذلك تحاول تعزيز مصادر القوة لديها سواء من خلال هجماتها في العمق السعودي أو من خلال توسيع رقعة عملياتها في الداخل اليمني باتجاه محافظة مأرب الغنية بالنفط. تحتم هذه التطورات على السعودية التفكير جدياً في توسيع قاعدة تحالفاتها للحفاظ على أمنها وحفظ مصالحها.
وقد جرت أحدث هجمات الحوثي التي استهدفت العمق السعودي الأحد الماضي عندما ضربت عشرات المُسيَّرات المفخخة بعض المواقع شديدة الحساسية في المملكة، كان منها ساحة لتخزين النفط في رأس تنورة التي توجد فيها مصفاة وأكبر منشأة بحرية لتحميل النفط في العالم، ومجمع سكني في الظهران تستخدمه شركة أرامكو السعودية العملاقة المملوكة للدولة، وفي الوقت الذي نفت فيه السلطات السعودية وقوع خسائر في الأرواح، فإن هذه الهجمات تؤثر بشكل كبير على هيبة المملكة التي تقود تحالفاً لإسقاط جماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة صنعاء، وإعادة الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس هادي عبد ربه منصور.
تأتي هذه التصعيد متزامناً مع مخاوف لدى جانب السعودية من جدية إدارة الرئيس بايدن في الوقوف بجانب حليفتها التقليدية في ظل تهديدات أمنية غير مسبوقة. منبع هذا التخوف يتأتى من أمرين، أولهما محاولة إدارة الرئيس بايدن تغليب ملف حقوق الإنسان على غيره في التعاطي مع الرياض، خصوصاً في ظل النفور الشخصي الذي يطبع العلاقة بين بايدن من جهة وولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة أخرى على خلفية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
وليست خافية الدلالات التي حملها الإفراج عن التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي يوجه بشكل صريح أصابع الاتهام إلى بن سلمان باغتيال خاشقجي، وما ترتب عليه من تصريحات للرئيس بايدن بأنه سوف يتعامل مع الملك سلمان بشكل مباشرة متجاهلاً التعاطي مع ابنه وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وهذا يخالف بشكل مطلق ما كان عليه الحال سابقاً إبان إدارة الرئيس ترمب الذي ربطته علاقات وطيدة مع بن سلمان.
الأمر الثاني فيما يتعلق بتخوف السلطات السعودية يتأتى من السياسة العامة لإدارة بايدن تجاه المنطقة. فبعد أن كان الرئيس ترمب يرى بالسعودية نقطة ارتكاز لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خصوصاً فيما يتعلق بجهودها في احتواء النفوذ الإيراني أو في مشاريع التطبيع العربية مع إسرائيل، يبدو أن بايدن يحاول أن يعود بطريقة ما إلى سياسة صديقه الرئيس أوباما من خلال العمل على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وما يستلزمه ذلك من إعادة تفعيل التفاوض مع إيران وتجاهل مخاوف حلفاء واشنطن التقليديين كدول الخليج العربي وإسرائيل. وقد زاد من التخوف تعاطي بايدن البارد مع الرياض وتل أبيب مؤخراً على الرغم من التأكيدات المتواصلة من البيت الأبيض لالتزام واشنطن أمن البلدين.
هذه التهديدات الأمنية المتصاعدة والمترافقة مع جملة تخوفات ربما تحتم على السعودية النظر إلى بدائل لتعزيز أمنها وحماية حدودها ومصالحها. بطبيعة الحالة تبرز الصين وروسيا على قائمة الخيارات لدى الرياض، ولكن تكلفة اللجوء إلى هذه الدول عالية. فرغم عدم وضوح نوايا إدارة الرئيس بايدن فيما يتعلق بالسعودية تبقى حليفاً استراتيجياً لا تمكن المراهنة على خسارته. وتقارب الرياض مع بكين وموسكو سوف يزعج واشنطن كثيراً ويفتح التنافس الدولي في المنطقة على مصراعيه.
واعتبر التقرير أن واحداً من أفضل الخيارات التي يجب أن تفكر بها السعودية جديداً لتغيير موازين القوى على الأرض هي اللجوء إلى تركيا وتعزيز العلاقة معها على المستويات كافة خصوصاً العسكرية والأمنية. وذلك لاعتبارات أولها أن كلا البلدين لديه مصلحة مشتركة بإنهاء الحرب. فتركيا تريد أن يتوقف نزيف الدم اليمني ومعاناة الشعب اليمني الذي قارب الدخول إلى مجاعة شاملة. أما السعودية فلديها مصلحة في التوصل إلى نهاية تحفظ لها ماء الوجه لحرب طالت أكثر من 5 سنوات استنزفتها بشكل كبير معنوياً وعسكرياً ومادياً.
على الصعيد اللوجستي، لتركيا وجود بمنطقة الخليج وتحديداً في قاعدة طارق بن زياد على الأراضي القطرية ضمن اتفاقية الدفاع المشترك بين قطر وتركيا. هذا يمنح تركيا حرية التحرك على الأرض لدعم القوات السعودية لصد الهجمات عليها من قبل الحوثيين بشكل استباقي وذلك باستخدام التكنولوجيا التركية فيما يتعلق بالطائرات من دون طيار من طراز بيرقدار على سبيل المثال.
فقد أثبتت هذه الطائرات فاعليتها بشكل مذهل في العديد من العمليات العسكرية الحساسة. فاستخدمها الجيش التركي شمال العراق بمعاركه ضد تنظيم PKK الإرهابي، كما كان لها كلمة الفصل بمعارك العاصمة طرابلس إذ استطاعت قوات الحكومة الليبية الشرعية أن توقف تقدم قوات حفتر بل وتقلب الطاولة عليهم لتنتقل من مجرد الدفاع عن العاصمة إلى الهجوم ومطاردة فلول مليشياته المتقهقرة. كما أثبتت أيضاً جدارتها في معارك الجيش التركي شمال سوريا ضد قوات الأسد التي حاولت اقتحام مدينة إدلب قبل عامين.
وبطبيعة الحال لا تكفي القدرات العسكرية وحدها في تغيير موازين القوى إن لم تتوافر إرادة سياسية قوية صادقة تساندها. وقد أثبتت تركيا بالسنوات الماضية أنها حليف يمكن الوثوق به. وليس من مثال أوضح من وقوف تركيا بجانب قطر بأزمتها، ثم مع الحكومة الشرعية في طرابلس لصد عدوان حفتر، ومع أذربيجان في حرب التحرير التي خاضتها لتحرير أراضيها من الاحتلال الأرمني.
إن التاريخ الطويل المشترك من الأخوة والتعاون بين تركيا والسعودية، والتطورات السياسية الأخيرة على خارطة التحالفات، والموثوقية التي تتمتع بها تركيا، تحتم على صانع القرار في الرياض اتخاذ خطوات جوهرية في التقارب مع أنقرة والبحث سويا في سبل إنهاء الحرب في اليمن والحفاظ على كرامة شعبه، والحفاظ على أمن السعودية بطريقة تحفظ ماء وجهها كبلد محوري في العالم الإسلامي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!