ترك برس
انتشرت الرسومات على الجدران في مباني إسطنبول بعد وصول سفن روسيا البيضاء إبان الثورة البلشفية، وقد رصد الباحث غوفان بيار، ما يقرب من 200 لوحة جدارية من هذه اللوحات التي تضيف لونا جماليا لإسطنبول، في إطار مشروعه "الشقق ذات اللوحات" (Resimli Apartmanları).
أجرى بيار دراسات وأبحاثا لعدة أعوام متجولا في منطقة جيهانغير وسط إسطنبول، باحثا عن الشقق ذات اللوحات، ووضع خطة لزيارة أربع أو خمس شقق يوميًا لالتقاط صور للرسومات الجدارية، وكان يراوده قبل كل زيارة سؤال: "هل سأستطيع رؤية الرسومات؟"
تحدث بيار عن دخوله إلى أول شقة قائلًا: "قرعت الجرس الذي لا يطرقه أحد في العادة عشوائيا، والذي قد لا يفتح، فأتاني السؤال المألوف: من الطارق؟ أجبت إجابة تفسيرية ومقنعة دون تردد، ثم سمعت الصوت المبشر بفتح قفل الباب، فرأيت أمامي مباشرة بمجرد دخولي لوحة جدارية مستوحاة من الثقافة البابانية، وقد أبهرتني بروعتها".
يملك بيار في أرشيفه سجلات لما يقرب من 200 شقة فيها لوحات، نتيجة لقرع الأجراس وفتح الأبواب مئات المرات. وقد عثر خلال زياراته على 180 رسمة كان يبحث عنها، وكلما عثر على شقة فيها لوحات تشجّع للعثور على الشقة التالية، وكانت كل لوحة تهمس له بذكريات وثقافات وتجارب مختلفة.
يتابع بيار التفاصيل الدقيقة للحياة المدنية وثقافة الشقق في الأحياء القديمة بمدينة إسطنبول، متجولا بدافع الفضول بلا كلل ولا استسلام، محولا فضوله إلى مشروع الشقق ذات اللوحات، حاملًا فكرة مشاركة القيم الموجودة لدى سكان المدينة القديمة، بهدف حماية الأعمال التي تعكس الهيكل الثقافي والاجتماعي لإسطنبول من قبل المؤسسات والمنظمات، تقديرا لقيمتها من أجل ضمان وصولها للأجيال القادمة.
حرص بيار على رؤية العديد من الشقق عدة مرات، مواصلا السير في حي "فيروزاغا"، وكلما قرع الجرس سمع سؤال: من الطارق؟ وماذا تريد؟ فيجيب بأنه جاء لمشاهدة اللوحة الجدارية في البهو، التي ربما سيشاهدها للمرة المئة، راغبا برؤية اللوحة الجدارية في المدخل والتقاط صور لها.
وقد لاحظ بيار اعتياد سكان هذه الشقق الواضح على زيارة عشاق الفن، لذلك كان بعضهم يضغط على الزر الآلي لفتح القفل مباشرة.
لم تخل مهمة بيار من المصاعب، فليس من السهل قضاء الوقت في مدخل أحد البيوت والتقاط الصور بعيدًا عن أعين وفضول الداخلين إلى المباني والخارجين منها، الذين قد يصعب على بعضهم فهم هذا الاهتمام والإعجاب بالجدران كما لو أن بيار في معرض فني، فالدخول للمباني والشقق لا يشبه أبدا الدخول إلى المعارض.
يشعر المستمع لرواية بيار عن قصص اللوحات الجدارية المثيرة للاهتمام كأنه سائح متجول، يذكر تفاصيل كل جزء من الرسومات على الحائط والبلاط على الأرض، تجذب انتباهه الأعمال الفنية الشامخة بجدرانها الخلابة وتاريخها وجمالها، عائدة بنا إلى خمسينيات القرن الماضي.
وبالرغم من حرارة الجو، يتجول بيار في اليوم الواحد على ما لا يقل عن خمس شقق، ويبذل قصارى جهده لإنجاح مشروعه، الذي لا يمكن لأي شحص آخر القيام به سوى الباحث والعاشق للفن، لأنه يقدر قيمة ثقافة المجتمع، والحقّ في متابعة الرسومات وتجارب الماضي وأرشفتها.
أنهى بيار أصعب جزء في مهمته بالعثور على الرسومات وتوثيقها، مواصلا البحث عن المزيد من هذه القيم التاريخية للحفاظ عليها.
ويقول: "تعد مناطق الفاتح ونيشانطاشي وبيوغلو موطنا للعديد من الشقق ذات اللوحات، التي تسلط الضوء على ثقافتنا، وربما هناك العديد من الشقق في مناطق أخرى تنتظر من يكتشفها. يمكن وصف ثقافة الشقق ذات اللوحات كجسر لتجارب الماضي، التي تتيح لنا فرصة للتطلع إلى المستقبل بثقة أكبر. إنه تراث ثقافي لا يقدر بثمن، ينبغي المحافظة عليه، وفي الواقع يستحقه سكان هذه المدينة القديمة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!