د. علي محمد الصلابي-خاص ترك برس
تُـعَدُّ الهيئة التدريسية على درجة كبيرة من الأهمية في أي مدرسة كانت، وذلك لأن نجاح أيِّ مدرسة مقرون بنجاح المدرسين فيها، وأدائهم لمهماتهم على أفضل وجه (لإدارة التربوية في المدارس في العصر العباسي ، ص 132) ، وإليك بعض الأمور المتعلقة بتنظيم الهيئة التدريسية في عهد دولة السلاجقة، وهي:
1 ـ تعيين الأساتذة وفصلهم:
كان اختيار الأساتذة للتعليم في النظاميات يجري وفق تقاليد تشبه أرقى الجامعات الحديثة، فقد كان (النظام) يختبر معلوماتهم خلال المناظرات التي كان يعقدها في المناسبات المختلفة، ويلقي عليهم أسئلة كان قد فكَّر فيها وأعدَّها، فإذا لمس في أحدهم علماً وذكاء؛ وجّهه إلى المسلك الذي يريده، فالذين يكونون أهلاً للتعليم عيّنهم أساتذة في الحال، وأسّس لهم مدرسة ومكتبة، أو يوفدهم إلى ولاية سكانها جهلاء (تاريخ آل سلجوق ، ص 45 ، نظام الملك ، ص 356)، وإذا صدر الأمر بالتعيين؛ سار المدرس إلى الجهة التي اختير لها، فإذا كان توجهه إلى بغداد مثلاً توجه إلى دار الخلافة عند وصوله، حيث يوافق على التعيين، ثم يخلع طرحة زرقاء وأهبة سوداء ، ويحتفل به في المدرسة حين يقدم لأول مرة، ويحضر درسه كبار رجال الدولة، والأساتذة، والشعراء، وحين ينتهي من درسه تلقى الخطب والقصائد في الترحيب به والثناء عليه (نظام الملك ، ص 357). وإذا ما أريد فصل مدرس لسبب ما؛ استدعي من قبل ممثل (نظام الملك) وغالباً ما كان أحد أولاده، وينزع منه كسوته.
2 ـ مراتب التدريس:
وقد جرى العرف: أنه إذا تم تعيين من تتوافر فيه شرائط القدم، والشهرة أن يبقى في منصبه طوال حياته، فإذا دنت منه الوفاة؛ فغالباً ما يوصي بمن يخلفه من كبار أبنائه، أو المتفوقين من طلابه، إلا في مدارس (النظام) فقد خرجت على المتعارف هذا لأسباب عدة:
أ ـ المدرس: كان هذا اللفظ لا يطلق إلاّ على المختص بتدريس الفقه، وإلقاء الدروس لا يقصد بها في العادة سوى مواضيع الفقه، فإذا بلغ المدرس مرحلة عالية من الشهرة في الاطلاع والتأليف؛ صار أستاذاً، وأصبح له كرسي المادة دون منازع فيه.
ب ـ النائب: وهو المكلف بالقيام في تدريس الموضوع نيابة عن المدرس إذا كان مشغولاً بعمل إداري، أو قضائي، أو لمرض، أو سدِّ الشاغر في فترة لا يوجد فيها مدرس.
ج ـ المعيد: يختار المدرس من بين طلبته معيدين لدروسه، وقد يكتفي بواحد حسب حاجته، ومهمته أن يلقي الدرس على الطلبة، وأن يساعدهم في فهمه، لذلك فهو يحتاج إلى لباقة، واطلاع، لذا كان من هؤلاء المعيدين مدرسون في مكان آخر .
3 ـ مرتبة الصدر:
وصاحب هذه المرتبة له الصدارة المطلقة في المدرسة، ويشغلها من كان يطلق عليه لفظ الصدر، والظاهر: أن الصدر هو إمام العصر في الفقه، أو الحديث، أو التفسير، أو في أي علم من العلوم، أو هو من أكبر الأئمة في عصره، وأكثرهم تمكناً من مادته العلمية، وعليه يتخرج الكثير من نوابغ المدرسين، وإليه يذهب الملوك، والأمراء، والوزراء، والفضلاء لسماعه، والإفادة منه، وليس من الضروري أن يكون في كل مدرسة صدر، فأولئك قلة، ومن حسن حظ المدرسة وكمال شهرتها أن يتصدر للتدريس بها أحدهم (الإدارة التربوية في المدارس في العصر العباسي ، ص 135).
4 ـ مراتب المتعلمين:
لعلَّ أولى درجات الدارس أن يطلق عليه اسم تلميذ، أو طالب، ثمَّ بعد أن يصل المرحلة العالية في المعرفة، يقال له: مثقف، ثم فقيه؛ فإذا أكمل دراسة منهجه، وبقي ملازماً لأستاذه؛ ليستكمل علومه يسمى بالصاحب، وقد يعتمد عليه أستاذه، فيعينه معيداً لدروسه، وناسخاً لمؤلفاته تحت إشرافه (نظام الملك ، ص 358)
5 ـ الكتاب المدرسي:
كان التأليف من الاعتبارات التي تراعى عند اختيار أساتذة النظامية، وكانت الدرجات العلمية التي تمنح لهم، أو يعيَّنون بها، أو ينتقلون بموجبها إنَّما تعتمد على هذا الأساس في الغالب، وكان الكتاب المدرسي الذي يضم مجموعة محاضرات الأستاذ سرعان ما ينتشر فما أن يمليه على طلبته، ويسمعون عنه حتى يستنسخونه، ويتبادلون النسخ المصحّحة، أو المجازة من قبل مؤلفها، ولم تمر فترة قصيرة حتى يتدارسه المعنيُّون بموضوعه، وقد يطلق على مجموعة تقريرات الأستاذ في الفقه اسم: التعليقة، فيحفظها الطلبة، ويتناقلونها، ومن هذه التعليقات ما يبلغ بضع مجلدات، علماً أنه كانت التعليقة أكثر أصالة، وكانت أكثر انتشاراً وتدارساً من قبل المعنيين، وكان من عادات الأساتذة إذا ختموا كتاباً؛ احتفلوا لذلك، ومما يروى بهذا الشأن: أن الإمام الجويني عندما أتمّ تصنيف كتابه (نهاية المطلب في دراسة المذهب) وكان قد درّسه للخواص من تلاميذه، عقد مجلساً حضره الأئمة الكبار، وختم الكتاب على رسم الإملاء، والاستملاء، ودعا له الجماعة (نظام الملك ، ص 359)
6 ـ القبول والتخرج:
ليس هناك سن محددة للقبول في هذه المدارس، فقد يدخلها الطالب وهو ابن الثلاثين أو أكثر؛ إلاّ أنه لا يقل عن العشرين في العادة حيث قضاها في التعليم بين المسجد والكتاتيب، فإذا انتمى لإحدى النظاميات، وانتظم في سلك طلبتها وتلقى دروسها، فليس هناك سنٌّ معينة تمنع من سماعها، فقد يحضرها وهو في سنّ الثمانين، وليس هناك وقت محدد للمادة التي يستغرقها الدرس، أو عدد الدروس اليومية، فقد يستمر ساعة أو ساعتين، وهناك نصّ يمكننا الاستفادة منه في تحديد أقل مدة يصل فيها الطالب مرحلة الاعتماد على نفسه، والاستغناء عن الجلوس بين يدي أستاذه، حيث ذكر ابن الجوزي في ثنايا ترجمته لأبي على الفارقي ـ أحد تلاميذ أبي إسحاق الشيرازي ـ هي أربع سنوات.
7 ـ الإجازة (شهادة التخرج) :
هي الوثيقة المدرسية ، وكان الاستماع للمحاضرات من شرائطها ؛ لأنها لا تفي بالقصد من الدراسة والغرض من التعلم إذا لم يصحبها حضور، وهذا ما علّل به الماوردي عدم صحة حمل الإجازة والرواية بها، فقال: ولو جازت؛ لبطلت الرحلة (نظام الملك ، ص 364) وقد يمنح الطالب عدة شهادات من شيوخ متعددين، وطريقة الحصول عليها في العادة يكون بناء على طلب يتقدم به لمدرسة بعد أن ينهي دراسته، وقد أصبحت هذه ضرورة يعد تأسيس النظاميات وانتشار المدارس، فإذا نال إجازته؛ فقد أصبح مهيأ لأن يشغل أحد مناصب القضاء، أو الإفتاء، أو التدريس، أو المناظرة، وقد يحظى بأكثر من واحدة منها فيكون قاضياً، ومفتياً، ومدرساً في ان واحد، أو أن يكون حرّاً، فيعمل ليكون محدثاً، أو متكلماً، أو واعظاً، أو خطيباً في أحد المساجد.
المصدر:
علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة، ط. 1، 2006م، ص 363-366.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس