ترك برس
تبرز ولاية أماسيا الواقعة شمال غربي تركيا، كمدينة تجمع بين التاريخ والحداثة، حيث كانت خلال الحقبة العثمانية، مركزاً لتخريج الأمراء والملوك، كما توصف بأنها "بغداد منطقة الأناضول."
وتحتضن مدينة أماسيا التركية على أرضها حضارات الحثيين والفرس والرومان والعثمانيين، وهي تتحرق شوقا في كل وقت وحين لاستقبال زوارها المستمتعين بجمالها الطبيعي والتاريخي.
تقع المدينة بين الجبال فوق ساحل البحر الأسود عند واد ضيق يسمى "هرشينا"، على ضفاف نهر "يشيل إيرمق" الذي يتدفق متعرجا بين صخرتين عملاقتين.
ويتخرج من المدينة التي برزت في تاريخ تركيا، الملوك والأمراء، وكانت مركزا لتدريبهم قديما وإعدادهم للدولة العثمانية، قبل أن تكون المدينة الأولى التي تنطلق منها شرارة الكفاح الوطني أو حرب الاستقلال (1919-1922)، بحسب تقرير لوكالة الأناضول للأنباء.
يفوح كل ركن من أركان المدينة بعبق التاريخ، فهي تشبه المتحف المفتوح في الهواء الطلق بجمالها الطبيعي والثقافي وتاريخها، وتصيب زوارها بالحيرة والدهشة والانبهار.
وتتبادر إلى الذهن عند ذكر مدينة أماسيا المقابر الصخرية الملكية التي ترجع إلى فترة البونتوس، وقد انضمت إلى القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عام 2015.
وتعد المقابر المحفورة في الصخور والتي يبلغ ارتفاعها مئة متر من أبرز المعالم السياحية في أماسيا من خلال شكلها المعماري، وتم بناؤها على السفوح الجنوبية لجبل "هرشينا" من أجل ملوك مملكة "بونتوس" أو البنطس التي استمرت من 333 قبل الميلاد إلى 23 قبل الميلاد.
وثمة جمال آخر في المدينة تعكسه البيوت التقليدية التي تعود لعهد العثمانيين، المتراصة على ضفتي نهر "يشيل إيرمق"، المبنية على جدران أسوار تاريخية بالطوب الطفلي بين جدران خشبية.
يعرض متحف الآثار بأماسيا أعمالا تنتمي إلى 13 حضارة، مثل العصر البرونزي والحثيين والفرس والرومان والبيزنطيين والسلاجقة والعثمانيين، في حين يعرض جزء منه المومياوات الخاصة بثمانية أشخاص، منهم أربعة أطفال يقال إنهم عاشوا في عهد الدولة الإلخانية (دولة مغول فارس 1256-1335 للميلاد).
أما متحف "صابونجو أوغلو شرف الدين" لتاريخ الطب والجراحة، فيلفت الانتباه بكونه الأثر الوحيد الذي استطاع الصمود حتى يومنا هذا، رغم أنه من بقايا عهد الدولة الإلخانية.
وكان هذا المكان بمثابة مستشفى تم إنشاؤه من قبل شخص يدعى عنبر بن عبد الله بين عامي 1308-1309 للميلاد، باسم السلطان محمد أولجايطو حاكم الإلخانيين وزوجته أودوز خاتون.
ومن بين الأماكن الجديرة بالمشاهدة والزيارة في أماسيا أيضا متحف الأمراء الذي تم افتتاحه عام 2007، ويضم تماثيل للسلاطين العثمانيين الذين قضوا فترة تدريبهم على حكم الدولة وهم أمراء في تلك المدينة، ويمتاز بالعمارة العثمانية المعروفة.
تعتبر "كلية بايزيد الثاني" من الأماكن التي تلقى إقبالا في أماسيا، وكان والي المدينة الأمير أحمد أمر بين عامي 1481-1486 بإنشائها باسم أبيه بايزيد الثاني، وتتكون الكلية من جامع ومدرسة.
ويوجد في المدينة أيضا ثكنة عسكرية تسمى "ثكنة سراي دوزو" التي تحمل أهمية تاريخية كبيرة، واستخدمها مصطفى كمال أتاتورك حين جاء إلى أماسيا عام 1919.
وكتب في هذا المقر "تعميم أماسيا" الذي أرسله أتاتورك إلى المناطق المجاورة، وذلك إبان حرب الاستقلال، ويستخدم حاليا مركزا ثقافيا.
ومن المعالم الأخرى التي تشتهر بها أماسيا ويحرص الزوار على الذهاب إليها لمشاهدتها، ما يعرف بين الناس باسم "قناة فرهاد المائية" التي تم حفرها لتلبية احتياجات المدينة القديمة من المياه.
وتطلق التسمية نسبة إلى "فرهاد" بطل الأسطورة الفارسية التي تقول إنه قام بهدم جبال من أجل شق قناة مائية، حتى يتسنى له الزواج بحبيبته "شيرين" شقيقة مهمانة بانو سلطان أماسيا الذي طلب منه شق قناة وسط الجبال لجلب المياه إلى المدينة كي يزوجه شقيقته.
ويرجع تاريخ تأسيس مدينة أماسيا (مركز الولاية) إلى نحو 8 آلاف و500 عام، وتحتوي على العديد من الأوابد الأثرية والتاريخية التي تعود لـ 14 حضارة مختلفة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!