سمير صالحة - خاص ترك برس
أنهى وزراء خارجية دول حلف شمال الاطلسي اجتماعا استغرق يومين في مدينة أنطاليا السياحية التركية بعيدا عن الأنظار والضجيج ووسط بقعة جغرافية خلابة وفرته لهم الضيافة التركية هناك لكن جدول الاعمال والملفات الساخنة والتطورات الامنية المتلاحقة في أكثر من دولة ومنطقة تعني مباشرة الانتشار الامني والعسكري لهذا الحلف لم توفر لضيوف تركيا الخروج من هذه الاجتماعات وسط تفاؤلا وحماس باقتراب حلول هذه الأزمات.
وزراء خارجية وممثلين رفيعي المستوى عن كل من أفغانستان والدول المشاركة في بعثة الدعم التي تتمركز في أفغانستان وأستراليا والنمسا وأذربيجان والبوسنة والهرسك وأرمينيا وفنلندا وجورجيا وإيرلندا والسويد والجبل الأسود ومقدونيا ومنغوليا وأوكرانيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية واليابان والأردن سيشاركون في الاجتماعات، التي ستجري بمشاركة وزراء خارجية 28 دولة حليفة ضمن منظومة الناتو ناقشوا على مدى يومين كاملين القضايا الاقليمية والدولية التي تعني الحلف لكن روسيا التي يعتمده عليها تعكير هدوء اجتماعات أنطاليا كان ردها سريعا وخاطفا عبر تنظيم مناورات حربية واسعة مع حليفها الصين على مقربة من مكان الاجتماع خصوصا وهم يتابعون عن قرب تنقلات وعبور السفن الحربية للقوتين العالميتين الجديدتين عبر مضيفي البوسفور والدردنيل التركيين طالما ان اتفاقية مونترو تلزم انقرة بفتح المضائق امام العابرين.
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ اشاد بقرار تركيا التواجد في قيادة قوة التدخل السريع، والتي اتخذ الحلف قرار تشكيلها في قمة ويلز بدعم مباشر من 6 دول رئيسية. لكن ستولتنبرغ يعرف تماما أن قرار تشكيل القوة جاء نتيجة التوتر الدائم بين الحلف وروسيا التي تواصل تحركاتها العسكرية في أكثر من مكان يعتبره الاطلسي حديقته الخلفية مثل اوكرانيا وأفغانستان.
كما ان الأمين العام للحلف يقول إن الناتو "اتخذ قرارا بوقف كافة أشكال التعاون الفعلي مع روسيا، الربيع الماضي، على خلفية ممارساتها العدوانية في القرم، وضمها لها بشكل غير مشروع وغير قانوني، وقرر ابقاء الأقنية مفتوحة للتواصل السياسي"، مؤكدا أنه "لا يوجد تناقض بين دفاع قوي، وحوار سياسي، فموقفنا لم يتغير".
لكنه يعرف كذلك ان تعزيز قدرات الناتو في الرد على الاعتداءات المحتلة عبر قوة التدخل السريع التي ستتكون من 5 آلاف عسكري، على أهبة الاستعداد لمواجهة أي اعتداء في أي لحظة لن تكون سوى رمزية وغير كافية لردع روسيا وحلفائها الجدد وإقناعهم بالعدول عن اي تحرك او نشاط عسكري على مرأى ومسمع الاطلسي وعلى مرمى حجر من تواجد قواته.
الاختبار الاول كان للأطلسي في افغانستان وهو بعد مرور سنوات على تواجده المباشر ودعمه لهذا البلد في مواجهة التمدد الروسي نرى ان النتيجة لم تكن مرضية كثيرا وهو ما دفع الحلف لاتخاذ قرار المضي في سياساته ودعمه المباشر للحكومة الافغانية وتأجيل قرار تغيير سياساته حيال كابول. وكانت النتيجة الاتفاق بين قادة الحلف الاطلسي وافغانستان على اطار لتواجد عسكري مدني مستقبلي مشترك في افغانستان عند انتهاء مهمة الحلف الحالية في البلد المضطرب، بحسب ما قال الامين العام للحلف ستولتنبرغ.
انقرة سعت مرة اخرى لتبديد مخاوف حلفائها وازالة علامات الاستفهام الكثيرة حول مواقفها وسياساتها الامنية والدفاعية سواء من خلال صفقة الدفاع الصاروخي البعيد المدى التي لم تحسم لمن ستكون بعد أو ما يردد في الاعلام حول علاقة انقرة بتنظيم الدولة الإسلامية، وهل تركيا لا تزال تريد أن تكون جزءًا من التحالف في ظل تباعد المواقف بينهما حول ملف الازمة السورية مثلا.
وتكرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة بإعجابه بمنظمة شنغهاي للتعاون.
الواضح على ضوء التسريبات بعد الاجتماعات انه لا يزال هناك خلاف حول الطريقة الصحيحة للتعامل مع داعش والملف السوري ومسألة الاولويات حيال الملفين فهي متمسكة بطرح أنّه من دون إزالة نظام الأسد، لا يمكن تحقيق أي تطور في الحرب على داعش وان الحلف في غالبيته وعلى راْسه اميركا يقول العكس.
لكن هناك من يقول في تركيا انه رغم كل التباعد والانتقادات التي توجهها القيادات السياسية التركية للحلف وقراراته بين الحين والآخر فان الاتراك يتمسكون بخيار البقاء داخل الحلف وبنسب كبيرة.
كما ان الغرب المحبط حيال مواقف تركيا في بعض الملفات والقضايا متمسك بها لأكثر من سبب يتقدمه موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يشير الى ان أنقرة ستظل جزءًا من حلف الناتو وأن العلاقات الأمنية ستبقى قوية، من الناحية الجغرافية، تقع تركيا في قلب كل الأزمات التي يهتم بها الغرب، ولذلك لا يمكن استبعاد دورها واهميتها.
حلف شمال الاطلسي الذي استطاع اولا الوقوف على قدميه بعد تفكك وزوال خصمه اللدود حلف وأرجو نجح ايضا في توسيع انتشاره باتجاه أكثر من منطقة وعلى أكثر من جبهة كما نجح ايضا في استيعاب دول اعضاء جديدة كانت حتى الامس القريب شيوعية الميول اشتراكية الهوى سوفياتية التوجه. كما استطاع الدفاع عن استراتيجيات أمنية وعسكرية جديدة أبقته دائم الحراك تجاوزت " الخطر الروسي " اليوم الى الخطر الصيني ايضا وإعلان الحرب على ملفات حساسة مثل الارهاب والتشدد والتطرف لكن روسيا الجديدة كانت له بالمرصاد منذ العام 1992 وبعد انشاء حلف مينسك الجديد السريع والملح لحماية نفوذها الاقليمية والدولية وها هي اليوم تنازعه على أكثر من جبهة لتلتهم بالخيار الوحيد التفاهم الاميركي معها في القضايا الاقليمية والدولية التي تعنيها مباشرة دون اية تنازلات او تراجعات.
موسكو اثبتت قوتها بي ملفات سوريا وافغانستان وحتى العراق ولبنان والبلقان والقوقاز وسواحل البحر الأسود وهي اخترقت مؤخراً صفوف الحلف في عقر داره مع اوكرانيا.
الحلف قد يكون سعد كلاميا واعلاميا شد روسيا من قمة أنطاليا التركية لكنه يعرف ان لا خيار له سوى جلوس واشنطن وموسكو لمناقشة تفاصيل كل الملفات الصغيرة والكبيرة وأخذ ما تقوله بعين الاعتبار.
قوة التدخل السريع الجديدة ومشاركة تركيا الفاعلة فيها ورفع مستوى التنسيق العسكري لا تعني روسيا إطلاقا وهي لا ترى فيها اي تهديد او تحد لمصالحها التي نواتها استراتيجيا في الاعوام الاخيرة مع إيران والصين وكوبا وتفاهم دول اسيا.
رغم ان وزير الخارجية الاميركي كيري يحمل موسكو مسؤولية التوتر في أكثر من ملف اقليمي ودولي ويحذرها باستمرار فهو يعرف ايضا ان مهام ودور الاطلسي الجديد مرتبط مباشرة بما ستقوله موسكو وبكين إذا لم ندخل في التفاصيل ونقحم مواقع ومواقف لاعبين إقليميين ايضا مثل اسرائيل ودول الخليج وإيران ومصر في لعبة المصالح والتوازنات الجديدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس