ترك برس
شهدت العلاقات التركية الروسية، زخماً وتطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع وجود تحديات تعيق اكتسابها المزيد من العمق والثقة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول ماهية هذه العلاقة.
الملف السوري كان من أبرز محطات العلاقات بين أنقرة وموسكو والتي تراوحت بسببها بين الصعود والتوتر، إلا أنها كانت في الوقت ذاته، عاملاً رئيسياً في توجيه الأحداث على الساحة السورية بشكل عام، ومناطق الشمال السوري بشكل خاص.
وتتداخل المصالح الروسية التركية في ملفات إقليمية ودولية متعددة، من بينها الملفان السوري والليبي، فضلا عن الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وصولا إلى التطورات المتعلقة بملفي أوكرانيا وبولندا، كما يسير الطرفان أيضا في صفقة لشراء منظومة الصواريخ الروسية "إس 400".
وهناك تقاطع اقتصادي واسع أيضا، يتعلق جزء كبير منه باتفاق مشروع خط الغاز الطبيعي "السيل التركي"، لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، وهو الذي يركّز عليه الساسة الأتراك والروس تركيزا كبيرا، ويتداول ذكره كثيرا أردوغان وبوتين.
ويرى بدر ملا رشيد الباحث في الشؤون الكُردية لدى مركز "عمران" للأبحاث، أن هناك صعوبة في تأطير العلاقة التركية الروسية، فهي من جهة ليست علاقة عداء شاملة، ومن جهة أخرى ليست بعلاقة تحالفية أو شراكة، لذا ففي الوقت الحالي يمكن وصفها بأنها علاقة تنافسية لملء الفراغات الأمنية والعسكرية التي شكلها انهيار أنظمة تقليدية، أو لإنشاء توازنات جديدة في الجغرافية التي تغير واشنطن فيها من سياساتها، ومن ثم تحكمها سياسة عض الأصابع أحيانا، وإرخاء الحبل أحيانا أخرى.
ويستبعد الباحث أن يكون الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قد توصلا إلى حل نهائي بشأن محافظة إدلب، خلال لقائهما الأخير في سوتشي.
يُذكر أن معظم قمم الرئيسين عُقدت في روسيا، وفي مدينة سوتشي تحديدا، حيث خرجت تلك القمم باتفاقات من شأنها إنهاء توترات بين قوات النظام وفصائل المعارضة، أو بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني السوري المدعوم تركيًّا.
ويرجح ملا رشيد الاستمرار بآليات التنسيق، ومراعاة أهمية ذلك لدى الجانب التركي، بحسب ما نقله تقرير لشبكة الجزيرة القطرية.
ويقول الباحث إن "روسيا مدركة للواقع الصعب الذي تعيشه تركيا في المناطق التي سيطرت عليها في سوريا، فسيطرة أنقرة وتدخلها العسكري في سوريا بعد 2016 كانا بشكل خاص لدواع أمنية وعسكرية تتعلق بالداخل التركي، وليس بالتغيير السياسي في سوريا، وهي نقطة تستغلها روسيا عبر عقد اتفاقيات أمنية تمنحها إمكانية المراوغة في مواجهة المناطق المحررة، والإغارة عليها".
ويضيف الباحث "مع ما تواجهه أنقرة من تأزم في علاقتها مع واشنطن، تتجه إلى الدخول في صفقة صواريخ جديدة مع روسيا، وتدرك أنقرة أن كثيرا من الملفات الداخلية والإقليمية أصبحت مرتبطة إلى حد لا يسمح لها ولواشنطن بالعودة لحالة الشراكة المعتادة، وهو ما سيدفع باتجاه استمرار تركيا في إيجاد توازن في العلاقة مع روسيا".
وكان الطرفان الروسي والتركي قد توصلا إلى اتفاق موسكو في مارس/آذار 2020، ونص على وقف إطلاق النار وإنشاء ممر آمن، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي (إم 4)، تبدأ من بلدة الترنبة (شرق إدلب) حتى عين الحور (غرب) آخر منطقة تحت سيطرة فصائل المعارضة.
لكن هذا الاتفاق يتعرض لخروق متواصلة، وقصف من قبل النظام السوري وروسيا يتركز على مناطق جبل الزاوية (جنوب إم 4).
ومؤخراً، صعّدت طائرات روسية من قصفها لمناطق في إدلب (شمال غربي سوريا) قبل قمة بوتين أردوغان، الأمر الذي قد يتسبب في موجة جديدة من اللاجئين السوريين، وتتخوّف تركيا من تدفق مزيد من اللاجئين نحو حدودها.
وتعوّل روسيا على الحساسية التركية من ملف اللاجئين السوريين، وكذلك على التوجه التركي الجديد نحو تحسين العلاقات المتوترة مع دول عدة في المنطقة (الإمارات، مصر، السعودية)، لدفع أنقرة إلى تليين مواقفها من نظام الأسد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!