
ترك برس
أشار مقال بصحيفة يني شفق، للكاتب والسياسي التركي أيدن أونال، إلى استحالة التنبؤ بمستقبل الشرق الأوسط بسبب طبيعته المتقلبة وتشابك العوامل السياسية فيه، منتقدًا الميل إلى نظريات المؤامرة والتصريحات الجازمة حول ما سيحدث.
يعرض الكاتب كيف تعاملت حماس بمرونة سياسية مع خطة ترامب، ما أربك الحسابات الإسرائيلية والأمريكية. ثم ينتقل إلى نقد ما يسميه "رياضة جلد المسلمين"، أي ظاهرة اتهام المسلمين بالتقاعس مقارنة بالغرب، مؤكدًا أن الشعوب المسلمة تدفع الثمن الأكبر.
ويدافع أونال عن موقف تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان من حرب غزة، معتبرًا أن انتقادهم بدلاً من مواجهة الصهيونية نوع من الانحراف الأخلاقي، ومشيدًا بتصريح أردوغان بأن "حماس ليست منظمة إرهابية بل مقاومة" بوصفه موقفًا شجاعًا تقدّره غزة نفسها.
وفيما يلي نص المقال:
ما الذي سيحدث بعد الآن؟ الله أعلم. لا أقول ذلك لمجرد التذكير بمبدأ وحقيقة أن "الغيب لا يعلمه إلا الله"، بل لأنّ واقع الشرق الأوسط ذاته يبرهن على ذلك. فيستحيل الوصول إلى توقّعات دقيقة لما سيجري في الشرق الأوسط بمجرد النظر إلى الأحداث وجمع البيانات ووضع المعادلات. إذ يمكن أن يحدث أي شيء في أي لحظة. هنا لا تنجح الخطط ولا تتحقق نظريات المؤامرة. ولا يمكن وضع خطط قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل في هذه المنطقة.
كان المتوقع أن ترد حماس على خطة ترامب بـ "نعم" أو "لا"؛ لكن حماس، كلاعب شطرنج بارع، نجحت في الخروج من هذا المأزق. فقد أعلنت أنها ستطلق سراح الأسرى مقابل وقف الإبادة الجماعية وانسحاب إسرائيل، وترك إدارة غزة للفلسطينيين، أمّا بقية بنود الخطة فستُناقَش لاحقًا.
لقد جاء ردّ "حماس" هذا مُرضيًا للجميع تقريبًا، باستثناء إسرائيل، بل وحتى ترامب نفسه بدا راضيًا عنه. وقد وجّه ترامب تحذيرات لنتنياهو قائلًا له بما معناه، "كفى الآن"، لتبدأ إسرائيل بعدها بالتحضير لانسحابها. وسينعم سكان غزّة بعد عامين بشيء من الراحة أخيرًا. ولكن إلى متى ستدوم هذه الراحة؟ وإلى أي مدى ستلتزم إسرائيل بوعودها؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟ من المستحيل حقاً التنبؤ بذلك.
ما أريد قوله هو التالي: لا تطلقوا تصريحات كبيرة عن المنطقة، ولا تكونوا أسرى نظريات المؤامرة، ولا تنخدعوا بخطط الغرب ولا تظنوا أنها ستُنفّذ على أرض الواقع بكل دقة. أما ما يُقال من قبيل: لقد كُسِرت مقاومة حماس، ومُحيت فلسطين من على الخارطة، وبيعت القضية الفلسطينية، و”سيحدث كذا أو كذا” — فهو محض لغوٍ لا طائل منه. وكما قال الأقدمون: "هذه أرضٌ لا يُعلم ما يلد فجرها قبل أن يولد"، والغيب لا يعلمه إلا الله، وهو الأعلم بما هو أصلح لنا. فلنواصل دعاءنا ولنقرنه بالعمل، ونحن موقنون بقولهم: «دع الأمور لمولاك، فما يقدّره هو الخير كلّه».
رياضة جلد المسلمين
في الآونة الأخيرة، ظهرت "رياضة" جديدة تتمثل في جلد العالم الإسلامي والمسلمين بناءً على بعض التصريحات أو الاحتجاجات أو الأفعال التي تحدث في الغرب. فيُقال: "رئيس دولة غربية أطلق تصريحاً حاداً، أما قادتنا فلا يفعلون". ويُقال: "الناس في المدن الأوروبية يضربون عن العمل ويملؤون الساحات، بينما المسلمون لا يخرجون حتى إلى الشوارع". ويُقال: "لو وُزع جزء بسيط من شجاعة 'غريتا' على المسلمين لكفاهم جميعا..."
لقد أصبح اتهام المسلمين بالسلبية والكسل بل والجبن، بناءً على أمثلة متفرقة واستثنائية، موضة رائجة واتجاهاً سائداً. ولو كان من يروجون لهذا الكلام هم محبو الغرب والصهيونية وأذنابهم لتفهمنا ذلك، لكن هذا النوع من النظرة الدونية والمعقدة بدأ ينتشر حتى داخل مجتمعنا.
إنّ المسلمين ـ سواء في قضية فلسطين وغزة أو في مواجهة أنظمة القهر والاستبداد في الشرق الأوسط ـ كانوا ولا يزالون في صلب المعركة: هم أهداف وضحايا ويدفعون الثمن، وقد أدوا دورهم على أكمل وجه وما زالوا يفعلون، لقد بذلوا قصارى جهدهم. وعدم ترويجهم لمواقفهم وتصريحاتهم بوسائل براقة وصورٍ لامعة أو تقديمهم لردود فعلهم في قوالب فنية وبعبوات مزخرفة لا يعني أنهم سلبيون أو متقاعسون أو جبناء. ثم إن مقارنة أسلوب الشرق في التعبير عن معاناته بأسلوب الغرب، مقارنةٌ خاطئة؛ فنحن لا نستطيع أن نعود إلى بيوتنا بعد التظاهر وقد ارتاحت ضمائرنا، ولا نستطيع تجزئة ضمائرنا أو تقسيمها إلى أقسام. نعم نحن نعيش معظم مشاعرنا في داخلنا بصمت.
من يندفع لاتهام المسلمين بالتخاذل لمجرد أنه رأى صورةً في مدينةٍ غربية، عليه أولًا أن يعالج عقدة النقص التي في داخله. فالمسلمون صامدون، وثابتون على المبدأ، وعجزكم عن رؤية ذلك لا يُغير هذه الحقيقة.
هل تستطيعون قول هذا لأهل غزة؟
وفيما يخص قضية غزة، تتعرض تركيا والحكومة، والرئيس أردوغان على وجه الخصوص، للهجوم. صدقوني، إن الأشد دناءة من الصهيونية هو استغلال الإبادة الجماعية في غزة لتحقيق مكاسب سياسية محلية، وتبني سياسات استغلالية على حساب أهالي غزة لكسب بعض الأصوات الانتخابية. منذ البداية، هناك من يتجنبون توجيه النقد لإسرائيل أو يعجزون عن ذلك، فيوجهونه إلى الداخل.
اذهبوا وحاولوا إقناع أهل غزة بذلك. قولوا لهم: "تركيا لم تفعل شيئاً"، و"أردوغان لم يفعل شيئاً". ولكن احذروا أن يثور غضب أهل غزة عليكم فيفتكوا بكم.
وبغض النظر عن كل ما فعلته تركيا وأردوغان، من جهود مرئية وغير مرئية لأجل غزة وفلسطين، فإنه لم يجرؤ أي رجل دولة آخر على التصريح بأن "حماس ليست منظمة إرهابية، بل منظمة مقاومة". وأهل غزة أنفسهم هم أكثر من يدرك قيمة هذا التصريح ومدى شجاعته.
أهلاً بعودتك يا أرسين
حطّت طائرة تقلّ عددًا من نشطاء"أسطول الصمود" في مطار إسطنبول قبل ثلاثة أيام، لقد شعرنا بالارتياح والسرور لوصول صديقنا العزيز أرسين جليك سالماً مع جميع الركاب. كانت رحلة شاقّة حقاً، وكان واردًا في أي لحظة وقوع مجزرة إسرائيلية جديدة –على غرار ما جرى في "مافي مرمرة"– لكن بفضل الله، عادوا جميعًا سالمين، مرفوعي الرأس. والآن نتطلع بلهفة إلى إطلاق سراح باقي المعتقلين. كل فرد من نشطاء "أسطول الصمود" بطل، بارك الله فيهم جميعاً. وأهلاً وسهلاً بك بيننا مجدداً يا أرسين جليك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!