ترك برس
تباينت وجهات نظر خبراء ومحللين بشأن أبعاد الجهود التي تبذلها تركيا وأرمينيا من أجل تطبيع العلاقات بينهما في ظل الملفات الشائكة.
ووصفت صحيفة العربي الجديد تبادل تركيا وأرمينيا تعيين المبعوثين الخاصين، بأنه أحدث تطوّر ضمن خطوات بناء الثقة بين البلدين تمهيداً لتطبيع العلاقات، خصوصاً من بوابة الاقتصاد.
لكن حدود التطبيع تبقى - وفق تقرير الصحيفة - مرهونة بما ستسفر عنه الاجتماعات المنتظرة بين ممثلين عن الطرفين، بدءاً من شهر يناير/كانون الثاني الحالي.
وبشكل مفاجئ، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، عن قرار بلاده تعيين مبعوث خاص لها في أرمينيا وبدء رحلات طيران غير منتظمة "تشارتر" بين إسطنبول والعاصمة الأرمينية يريفان، وذلك في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي خلال مناقشات الموازنة في البرلمان.
وأعلن الوزير التركي بعدها بيومين تعيين سفير أنقرة السابق في واشنطن، سردار قليج، ممثلاً خاصاً في أرمينيا، ليتبع ذلك بإعلان آخر، بأن تركيا اتخذت خطوات لبناء الثقة في إطار العلاقات التركية الأرمينية، بهدف استقرار المنطقة.
وقال جاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي قبل أيام، "قمنا بتعيين ممثلينا الخاصين بشكل متبادل من أجل البدء بمحادثات مباشرة".
وأعلن جاووش أوغلو، في مقابلة مع قناة "24" التركية الخميس الماضي، أنه "لم يجر بعد تحديد موعد الاجتماع، لكن من المخطط أن ينعقد في يناير" الحالي.
وأشار إلى وجود رغبة لعقد الاجتماع الأول في بلد آخر، مضيفاً: "ما نفهمه هو أن روسيا تريد استضافة الاجتماع، وكذلك أرمينيا ترغب في أن يكون الاجتماع الأول في موسكو وفق ما لمسناه منها".
وأعلن أن "أنقرة لا مشكلة لديها إن عقد الاجتماع في روسيا أو بلد آخر، لكن نظراً إلى أن الجانب الروسي يبذل جهداً في هذا الصدد، فقد نظرت تركيا بإيجابية لعقده في موسكو".
وأكّد أن "الممثلين الخاصين سيتبادلان الآراء في الاجتماع الأول حول خريطة طريق بشأن الخطوات التي يمكن اتخاذها، بما في ذلك خطوات بناء الثقة بين البلدين".
وأضاف: "بعد ذلك، يجب أن تستمر هذه المحادثات عبر الاتصالات الهاتفية ومؤتمرات الفيديو".
وجاء ذلك عقب إعلان وزارة الخارجية الأرمينية في 18 من الشهر الماضي، تعيين روبين روبينيان، نائب رئيس البرلمان، ممثلاً خاصاً في تركيا، وفق ما ذكر المتحدث باسم الوزارة، فان أونانيان، في منشور على "فيسبوك"، وذلك في إطار عملية الحوار بين أرمينيا وتركيا.
وعلى الرغم من أن تركيا أكدت عبر وزير الخارجية أن خطوات التطبيع ستكون بالتنسيق مع أذربيجان، فإن الخطوات التركية الأرمينية لاقت ترحيباً دولياً من قبل أميركا وفرنسا وروسيا، وهي دول تعتبر معنية بشكل مباشر بهذا الملف، نتيجة دعمها لأرمينيا.
ودخلت العلاقات بين تركيا وأرمينيا مرحلة جديدة تماماً بعد الحرب بين الأخيرة وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ في العام 2020، والتي استمرت 44 يوماً.
وإن كان التفاؤل يسود على مواقف أنقرة ويريفان في ظلّ دعم دولي لردم الخلافات بين الطرفين، إلا أنه ثمة شكوك حول حقيقة وجود فرص لتطبيع العلاقات وتحسينها، خصوصاً أن هناك خلافات تاريخية واتهامات من قبل أرمينيا ضد العثمانيين حول ارتكاب "جرائم إبادة" بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى.
وهذه المسألة (جرائم الإبادة) تعترف بها دول غربية عديدة وآخرها الولايات المتحدة عبر الرئيس جو بايدن، وذلك في إبريل/نيسان الماضي، وهو ما ترفضه الدولة التركية، التي تعتبر نفسها وريثة الدولة العثمانية، خشية تحميلها تبعات الاعتراف بذلك وما يلحقه من مطالب ربما تتعلق بالتعويضات المالية.
كما أن تركيا دعمت أذربيجان بشكل غير محدود بوجه أرمينيا في النزاع الأخير في ناغورنو كاراباخ في 2020، عبر تدريب الجيش الأذربيجاني ودعمه، وبيعه طائرات من دون طيار من طراز "بيرقدار تي بي2" التي كان لها دور في حسم المعركة.
وعلى الرغم من أن تركيا تبرر موقفها في هذا الإطار، بأن أذربيجان دولة من العالم التركي وأراضيها محتلة، وتقدم مشاريع اقتصادية تعود بالفائدة لدول المنطقة، إلا أن ثمة أحاديث في تركيا عن أهداف لأنقرة تتعلق بفتح ممرات وطرق تجارية عبر أذربيجان إلى منطقة القوقاز ووسط آسيا، من خلال الحصول على معبر زنغزور الرابط بين أذربيجان وإقليم ناهتشيفان (التابع لأذربيجان، ولكنه منفصل جغرافياً عنها)، وبالتالي شرق تركيا.
المساعي التركية لتطبيع العلاقات مع أرمينيا ليست الأولى، إذ سعت أنقرة في العام 2009 إلى تحقيق ذلك، عبر حملات دبلوماسية شملت حل قضية إقليم ناغورنو كاراباخ بوسائل سلمية.
ولكن تلك الجهود لم تنجح في النهاية، والتي جاءت بوساطة أميركية، وشملت زيارات متبادلة للرئيس الأرميني حينها، سيرج سركيسيان، والرئيس التركي آنذاك، عبد الله غل، كل منهما لبلد الآخر، وتنظيم مباريات كرة قدم جمعت منتخبي البلدين في كل من تركيا وأرمينيا.
ونقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر مطلعة بأن "هناك مساعي لعقد أول اجتماع لمجموعة عمل مشتركة يتم إعدادها بين البلدين، بحلول 20 يناير/كانون الثاني الحالي، وسط توقعات بأن تتحسن العلاقات، ويتم قطع مسافة جيدة في إطارها بحلول مايو/أيار المقبل".
وأوضحت المصادر أنه "سيتم ترك المسائل التاريخية حالياً جانباً، من دون التطرق لها، وتقديم مسألة المصالح المشتركة"، مشيرةً إلى أنه "في حال كانت اللقاءات مثمرة، فستكون أولى الخطوات فتح المجال أمام الطيران بحلول مارس/آذار المقبل".
وأشارت المصادر إلى أن "تطور العلاقات، سيحدّد الموقف الأرميني من فتح معبر زنغزور، وفي حال فتح هذا المعبر، سيتم التأسيس للعلاقات الاقتصادية".
في السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، الخبير في الشؤون التركية، علي باكير، في حديث للصحيفة، إنه "لا يزال من المبكر الحديث عن مستقبل العلاقة بين البلدين، إذ إن ما تحقق إلى الآن هو تعيين مبعوثين خاصين، وهي خطوة ليست عابرة ومهمة وبالاتجاه الصحيح".
وأضاف "لكن بالأخذ بعين الاعتبار حجم المشاكل والأعباء المحمّلة من التاريخ والمشاكل الجيوبوليتيكة والأمنية، فليس من السهل بمكان توقّع حصول تطور إيجابي سريع بين البلدين. غير أنه من دون أدنى شك، خطوة تعيين مبعوثين ممتازة، وهي تحتاج لأن يبنى عليها في المرحلة المقبلة".
وتابع باكير أن "الحرب التي جرت في ناغورنو كاراباخ كانت مهمة في السياق الجيوبوليتيكي، ومساعدة تركيا لأذربيجان وضعت أرمينيا أمام الأمر الواقع، مع تنحي إيران، واختيار روسيا عدم الانخراط في المعركة"، إذ ينظر للدولتين الأخيرتين على أنهما داعمتان لأرمينيا.
وأشار باكير إلى أن "هذه المعطيات دفعت أرمينيا لمواجهة الأمر الواقع، فيما ساعدت الطروحات التركية في الفترة الأخيرة في إنشاء تفاهمات بالقوقاز تسمح بانفتاح جميع اللاعبين بالمنطقة، فضلاً عن الرسائل الإيجابية التي تم بعثها للجانب الأرميني، بأن الانفتاح والتعاون وبناء أواصر الصداقة أنفع بكثير وأفيد لأرمينيا والإقليم والعلاقات متعددة الأطراف".
وعبّر باكير عن "اعتقده بأن الخطوات الإيجابية التركية تركت صداها في أرمينيا، والمواقف الدولية يمكن أن تؤثر على سير العلاقات، وبالتالي هناك مهمة صعبة تنتظر المبعوثين، ومبادرات الانفتاح والانخراط بحاجة لدعم".
وقال إن "التطرق للأمور الاقتصادية والسياسية أسهل من مناقشة التاريخ في هذه المرحلة، بسبب الخلافات العميقة في هذا الإطار ورواية كل دولة للأحداث التاريخية من زاويتها. لذلك، يجب البناء على الانفتاح السياسي والاقتصادي، والجانب التركي شدد على أن العلاقة التركية الأرمينية لن تتطور إذا لم تتحسن العلاقة الأرمينية الأذرية، وذلك لعدم تعارض الرؤى بين أنقرة وباكو".
من جهته، اعتبر الكاتب والصحافي التركي إسماعيل جوكتان، أن "تعيين مبعوثين من قبل الطرفين، يظهر تقدماً مهماً في المفاوضات، فهذه الخطوة ستفتح المجال أمام الحوار المباشر بين تركيا وأرمينيا، لأن وجود ممثل تركي في يريفان وآخر أرمني في أنقرة، سيجعل الارتباط بين العاصمتين سريعاً من دون حاجة إلى وسطاء".
وتابع جوكتان "أعتقد أن المبعوثين سيسعيان لخلق أرضية مناسبة، من أجل تحقيق اللقاء المهم للغاية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وفي حال لقائهما سيكون المستقبل أوضح".
وأشار جوكتان إلى أن "أردوغان دعا في أكثر من مناسبة الطرف الأرميني إلى الحوار وحل المشاكل المستمرة منذ عقود، وقد وجد فرصة لإظهار نواياه بعد حرب إقليم ناغورنو كاراباخ، مع دعم تركيا باشينيان بشكل علني في الانتخابات الأخيرة. وهذا أظهر لرئيس الوزراء الأرميني أن أنقرة تريد الحوار معه".
وأضاف الصحافي التركي أنه "من جهة يريفان، كانت الهزيمة في حرب كاراباخ نقطة تحوّل لسياستها الخارجية، مع عدم حصول أرمينيا على دعم من حليفتيها (روسيا وإيران) يتيح لها النصر، وهو ما دفع باشينيان لاتباع سياسة التهدئة والانفتاح، لكسر الحصار المطبق على بلاده منذ فترة طويلة، ولا سيما مع دعم تركيا وإسرائيل لأذربيجان، وعدم تحرك روسيا لدعم أرمينيا".
ورأى جوكتان أن "تركيا تريد أن تطبّع علاقاتها مع أرمينيا من أجل الوصول إلى التهدئة، وإتاحة المجال لمشاريع اقتصادية مهمة، خاصة عبر فتح ممر زنغزور. وأرمينيا أيضاً تحتاج للتطبيع مع تركيا من أجل تنويع خياراتها الاقتصادية والحفاظ على أمنها".
واعتبر المتحدث نفسه أن "جميع الأطراف أدركت عدم إمكانية حلّ أي مشكلة بقطع العلاقات وشيطنة بعضهم البعض، وهذا يعطي الأمل بخصوص فتح ملف قضية المجازر بحق الأرمن والتفاوض عليها. فتركيا دائماً كانت تدعو إلى فتح الأرشيف وإقامة محاكمات وفق الحقائق التاريخية، وهذا يحتاج من كلا الطرفين حواراً يقوده المؤرخون والمثقفون".
وختم بالقول "أعتقد أنّ آلام الماضي لا ينبغي أن تمنع المصالح الاقتصادية، لكن القوميين المتطرفين من كلا البلدين، يخلقون صعوبات أمام الحوار والوصول إلى السلام، لذلك يجب تحجيم دورهم للوصول إلى الهدف المنشود".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!