برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
بينما ينشغل الرأي العام العالمي بمسألة ما إذا كانت ستندلع حرب في فبراير/شباط المقبل بين روسيا وأوكرانيا، فإن تركيا تكثف جهودها للتطبيع مع إسرائيل وأرمينيا بعد الإمارات العربية المتحدة.
وكما هو معلوم للجميع، فإن أنقرة انتهجت خلال العام المنصرم 2021، سياسة فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليونان وأرمينيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من تراجع حدة التوترات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليونان، إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوات إيجابية بعد لتحسين العلاقات الثنائية بين تركيا والأطراف المذكورة، لكن بالمقابل تبدو عملية التطبيع مع دول الشرق الأوسط والقوقاز أكثر سرعة ونشاطا.
ومما لا شك فيه أن أسرع عملية تطبيع تتم مع الإمارات العربية المتحدة. حيث سيقوم الرئيس أردوغان بزيارة إلى الإمارات يوم 14 فبراير. ومع تعيين ممثلين خاصين مشتركين مع أرمينيا، من المتوقع أن يحضر وزير الخارجية الأرميني إلى منتدى أنطاليا في مارس/آذار المقبل.
وكذلك قال الرئيس أردوغان قبل ثلاثة أيام، إنه مع وصول الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في النصف الأول من فبراير، يمكن أن تبدأ حقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
وإنه لمن المثير للاهتمام أن هذا التصريح جاء بعد أن سحبت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لمشروع "إيست ميد" الهادف لنقل غاز شرق المتوسط إلى القارة الأوروبية بمعزل عن تركيا. وكأن واشنطن اتخذت هذا القرار لتسهل على تل أبيب فتح صفحة جديدة مع أنقرة. وهكذا، ستكون تل أبيب قادرة على التفاوض بشأن التعاون في مجال الطاقة مع أنقرة دون إزعاج أثينا.
ولن تكون مفاجأة إذا تم اتخاذ خطوات جديدة مع المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب.
لماذا تصر تركيا على التطبيع؟
هناك من يقرأ مساعي تركيا للتطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات على أنها "ضعف اقتصادي أو سياسي"، حتى أن بعض الأطراف الداخلية في تركيا تدعي بأن حزب العدالة والتنمية تخلى أخيرا عن سياسته الخارجية المبنية على أسس أيديولوجية، بل وتقول بأن الحزب تأخر كثيرا في التخلي عن هذه السياسة.
من المعروف للجميع أن السياسة الخارجية التركية كان المبنية على المبادئ والديمقراطية وحقوق الإنسان، حظيت باستياء مع قِبل بعض الدول الاقليمية والعالمية. وكانت هذه السياسة من أحد أسباب تدهور العلاقات مع مصر وإسرائيل، لكن وصف السياسة الخارجية بأنها كانت أيديولوجية، لم يكن سوى غطاء للتستر على الحملة ضد تركيا.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت تلجأ أحيانا إلى التصعيد وتستخدم القوة الصارمة لضمان مصالحها الوطنية، إلا أنها كانت دائمًا تفضل الأرضية "العقلانية" لتعزيز الحل العادل.
فلماذا تصر تركيا على التطبيع هذه الأيام؟ ولماذا تهتم الإمارات وإسرائيل وأرمينيا ودول أخرى بالتطبيع مع تركيا؟ يمكننا تلخيص الإجابات على هذه الأسئلة تحت عنوانين رئيسيين.
الأول هو أن القوى الاقليمية قامت مؤخرا بمراجعة سياساتهم بسبب النظام الإقليمي والعالمي المتغير. حيث أن تأثير فيروس كورونا برز على النظام الدولي على شكل تسارع لمنافسة القوى العظمى وتغيرات في سلاسل التوريد والاعتماد على الذات.
ومن المؤكد أن اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين وتغيّر سياسة إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط والتحركات الروسية الجديدة وجهود التطبيع التي تقوم بها الجهات الفاعلة في المنطقة (إيران - الخليج ، وإسرائيل - العرب) ماهي إلا انعكاسات لحالة الغموض وتغيير مليء بالمخاطر.
ثانيًا ، تريد تركيا تعزيز المكاسب التي حققتها باستخدام التوتر والقوة الخشنة. فمن المعروف للجميع أن هدف أنقرة كان ضمان السلام والاستقرار حتى حين لجأت إلى القوة الخشنة. سيما أن أنقرة وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إليها، لم تقم بأي حملة ضد البلدان التي كانت تستهدفها. بل دافعت عن مصالحه الوطنية وفق مبدأ الإنصاف، ولم تسمح للتوتر بالتأثير على التجارة، ولهذا لم يكن بالإمكان البحث عن تطبيع العلاقات قبل نحو سنة أو سنتين، فإن بحثت تركيا عن التطبيع في تلك الفترة، عندها كانت ستعبر عن ضعفها، أما الأن فهي في موقف قوي.
فبعد صد التحركات الخليجية المناهضة لتركيا وإظهار قوة أنقرة على الأرض، يمكن لتركيا الآن فتح صفحة جديدة مع الخليج. فتركيا التي تقوم بعمليات التنقيب في شرق البحر الأبيض المتوسط والتي غيّرت التوازن عبر توقيع الاتفاقات مع ليبيا، يمكنها الآن تطبيع علاقاتها مع مصر بشكل أكثر فاعلية.
تركيا التي ساهمت بشكل فعّال في انتصار الجيش الأذربيجاني على القوات الأرمينية في اقليم قره باخ، يمكنها الآن التوقيع على تطبيع متوازن مع أرمينيا. وكذلك وبعد أن نفذت ثلاث عمليات ناجحة في سوريا، يمكن أن تكون تركيا فعالة على طاولة الشرق الأوسط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس