د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

اهتم عماد الدين زنكي بضبط إمارته، وكانت النظم التي سار عليها تعتبر امتداداً طبيعياً لنظم السلاجقة، وتحول الموصل من عهد ولاة السلاجقة (489 ـ 521هـ) إلى عهد الأتابكة ـ لم يؤد إلى ظهور مؤسسات إدارية جديدة بالمرَّة على المنطقة. بل إن معظم هذه المؤسسات ظلَّ موجوداً في العهد الجديد مع إجراء بعض التعديلات، واستحداث عدد قليل من المناصب التي اقتضتها الظروف السياسية، والعسكرية الجديدة، وأقام زنكي تنظيماته الإدارية، على أكتاف مجموعة الموظفين منحهم نوعاً من الاستقلال الذاتي في ممارسة شؤونهم الإدارية.

إن الوزارة في عهد زنكي ليست سوى جزء من التطور العام لهذا المنصب طيلة عصور التاريخ الإسلامي تبلور منصب الوزير مُنذ العصر العباسي الأول، وكان عمله في البداية يقتصر على تنفيذ أوامر الخليفة العباسي ؛ لذا سمي هذا النوع من الاستيزار بـ «وزارة التنفيذ» وبعد مرور فترة قصيرة ظهر نوع اخر، عندما فوض الخليفة وزيره لإدارة شؤون مملكته؛ أطلق عليه: «وزارة التفويض» واستمر هذا المنصب يتأرجح بين التنفيذ والتفويض حسب مركز الخليفة، أو السلطان الحاكم ومن أشهر وزراء عماد الدين زنكي:

أ ـ الكفرتوثي 528 ـ 536هـ: تجمع المصادر على أن أول من استوزره زنكي هو: ضياء الدين أبو سعد بهرام بن الخضر الكفرتوثي عام 528هـ ،(ابن خلكان، 1972،ج4، ص228) ويتضح من هذا أن السنوات السبع الأولى من حكم زنكي لم يكن اتخذ خلالها وزيراً، وربَّما كان نائبه في الموصل هذا الذي يقوم بمهام الوزير، مما جعل زنكي يستغني عن هذا المنصب طيلة تلك المدة، وتذكر المصادر بالقول بأن الكفرتوثي كان مشهوراً، بحسن الطريقة، والكفاية، وحب الخير، والمذهب الحميد، وقد قدم مع زنكي إلى حلب، مما يشير إلى أنَّه لم يكن مستقراً في الموصل بشكل دائم.(خليل،1982، 262)

ب ـ أبو الرضا بن صدقة 536 ـ 538هـ: بقي الكفرتوثي في منصبه كوزير طيلة اثني عشر عاماً، وتوفي في شعبان عام 536هـ، فاستوزر زنكي بعده جلال الدين أبا الرضا محمد بن صدقة، ولكنه لم يستمر في منصبه طويلاً؛ حيث عزل عام 538هـ لأسباب أوجبت ذلك ودعت إليه.(ابن القلانسي،1908، ص275)

ج ـ أبو المحاسن العجمي: يذكر ابن القلانسي: أنَّ زنكي ألقى القبض عام 531هـ على وزيره أبي المحاسن علي بن أبي طالب العجمي، واعتقله في قلعة حلب، حيث بقي هناك بسبب مصادرته للأموال، وانكسار المعاملات التي عجز عن القيام بها، وتأدية ما عليه من التزامات مالية، ولم تقدم المصادر عن ترجمة العجمي شيئاً يستحق الذكر.

س ـ جمال الدين الأصفهاني: أطنبت المصادر في وصف أخلاق جمال الدين، مركِّزة الأضواء على كرمه العجيب، تلك الأخلاق التي قربته من زنكي، وجعلته محبوباً ومشتهراً في أنحاء واسعة من العالم الإسلامي، ومنحته لقب الجود لكثرة جوده، كما دفعت أبناء زنكي ـ فيما بعد ـ إلى الاعتماد عليه في إدارة إمارتهم.

وقد أطلقت بعض المصادر عن جمال الدين الأصبهاني: وزير صاحب الموصل ،( الجزري،1963، ص118) وذكرت بعض المصادر: أن زنكي جعل جمال الدين مشرف مملكته كلها، وحكَّمه تحكيماً لا مزيد عليه. ويقول ابن الأثير: قال والدي: كنت أرى من جمال الدين الوزير في أيام زنكي من الكفاية والنظر في صغير الأمور وكبيرها والمحافظة ـ أي التحقيق ـ فيها، ما يدل على تمكنه من الكفاية، وتشير المصادر إلى أنَّ زنكي عوَّل على جمال الدين في الفترة الأخيرة من حكمه في الإشراف على ديوانه، وزاد راتبه، ومكَّنه في منصبه، ولم يحاول جمال الدين أن يستغل منصبه لجمع المال لحسابه الخاص، بل كان يأخذ ما يكفي لمعيشته ويرفع جميع ما يحصل له إلى خزانة زنكي، مما زاد من اعتماد الأخير عليه وثقته به، فمكنه من أصحاب ديوانه وهكذا كان جمال الدين يتمتع بسلطان عملية واسعة، وخاصة في مسائل الإشراف على الديوان والمسائل المالية، فقد شغل جمال الدين منصباً خطيراً، وقد أطلقت معظم المصادر على جمال الدين لقب «وزير».(خليل،1982، ص260)

ش ـ الوزير مروان بن علي بن سلامة: كان وزير عماد الدين زنكي في الموصل مروان بن علي بن سلامة الطتري نسبة إلى «طترة» من ديار بكر، وكان مروان هذا قد ورد بغداد، وتفقَّه على يد الغزالي، والشاشي، ثم عاد إلى بلده ليدبر أمور الوزارة حتَّى وفاته عام 540هـ  .(عرسان،2002، ص255)

ملاحظة مهمة: استند هذا المقال بشكل كبير في مادته المرجعية على كتاب عماد الدين زنكي للكاتب عماد الدين خليل.


مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، الدولة الزنكية، دار المعرفة، بيروت، 2007، صص 57-59

أبو يعلى حمزة بن القلانسي، ذيل تاريخ دمشق، تحقيق أميدروز طبعة بيروت،1325ه- 1908م.

شمس الدين ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر بيروت، 1391ه-1972م

الجزري، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد 1382 هـ  1963 م.

عماد الدين خليل، عماد الدين زنكي. مؤسسة الرسالة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1402هـ  1982م.

ماجد عرسان، هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس دار القلم الإمارات العربية، الطبعة الثالثة 1423هـ  2002م.

عن الكاتب

د. علي محمد الصلّابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس