د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
يعتبر عماد الدين زنكي من الشخصيات التاريخية الإسلامية المميزة، فقد كان قائدا عادلا مجاهدا وبطلا مغوارا، لذلك فهو من القدوات المهمة في تاريخنا الإسلامي المجيد:
أولا: عدل عماد الدين زنكي
حرص عماد الدين زنكي على نشر العدل بين رعيته، فقد أوصى عُمَّاله بأهل حران، ونهى عن الكلف والسخر والتثقيل على الرعية، هذا ما حكاه أهل حران، وأما فلاَّحو حلب فإنهم يذكرون ضد ذلك؛ لأنه كان يلزم الناس ويجمع الرجال للقتال والحصار، وكان من أحسن الملوك سيرة وأكثرها حزماً وضبطاً للأمور، وكانت رعيته في أمنٍ شامل، يعجز القوي من ظلم الضعيف.( أبو زيد، 1972، ص 162)
ومما رواه أبو شامة: أن الشهيد كان بجزيرة في الشتاء، فدخل الأمير عز الدين أبو بكر الدبيسي وهو من أكابر أمرائه، ومن ذوي الرأي عنده، ونزل بدار يهودي، وأخرجه منها، فاشتكى اليهودي، والشهيد راكب، وبجانبه عز الدين أبو بكر الدبيسي، ليس فوقه أحد، فلما سمع أتابك الخبر، نظر إلى أبي بكر الدبيسي نظرة غضب، ولم يكلمه كلمة واحدة، فتأخر القهقرى، ودخل البلد، فأخرج خيامه، وأمر بنصبها خارج البلد، ولم تكن الأرض تحتمل نصب الخيام، فوضعوا عليها التبن، وخرج إليها من ساعته.( المقدسي، 1997، ج1 ص157)
وكان ينهى أصحابه عن اقتناء الأراضي، والاكتفاء بالإقطاعات؛ لأن الأملاك متى صارت لأصحاب السلطان، ظلموا الرعية، وتعدوا عليهم، وغصبوهم أملاكهم، ولحسن سيرته قصده الناس يتخذون بلاده داراً للإقامة. ومن عدله: أنه لما فتح المعرَّة وأخذها من الفرنج جاءه الناس يطلبون أملاكهم، وكان عماد الدين حنفي المذهب ومن مَذهب أبي حنيفة ـ أن الكفار إذا استولوا على بلد؛ وفيه أملاك المسلمين خرجت تلك الأموال عن أصحابها لصيرورة البلد دار حرب، فإذا عاد البلد بعد ذلك إلى المسلمين كانت تلك الأملاك لبيت المال ـ ولما طلب الناس منه أملاكهم استفتى عماد الدين الفقهاء، فأفتوه بما يقتضيه مذهبهم، وهو أن الأملاك لبيت المال، ولا حظَّ لأصحابها فيها، فقال: «رحمه الله: إذا كان الفرنج يأخذون أملاكهم، ونحن نأخذ أملاكهم؛ فأيُّ فرق بيننا وبين الفرنج؟! كلُّ من أتى بكتاب يدل على أنه مالك لأرض؛ فليأخذها. فرد إلى الناس جميع أملاكهم، ولم يتعرَّض لشيء منها».
ثانيا: جهاد عماد الدين زنكي:
كان عماد الدين زنكي يشعر بمسؤوليته كمسلم سواء في سياسته وعلاقاته العامة أم في سلوكه الشخصي فقد كرّس حياته وطاقاته في سبيل (الجهاد) ضد الصليبيين، والجهاد من أفضل أركان العبادة، واعتبر نفسه قائد المسلمين الأول في الوقوف بوجه الخطر الصليبي معتقداً أن مركزه ـ كأقوى أمير في المنطقة ـ يحتم عليه ذلك، ولعلَّ موقفه من التحالف البيزنطي الصليبي ضد المسلمين 532هـ يوضح طبيعة نظرته في هذا المجال. (الأصفهاني، 1980،ص 186)
فعندما قرر الاستنجاد بالسلطان السلجوقي، واعترض قاضيه بأن ذلك ربما أدى إلى تمهيد الطريق أمام سيطرة السلاجقة على بلاده؛ ردَّ قائلاً: «إن هذا العدو قد طمع في البلاد، وإن أخذ حلب لم يبق بالشام إسلام، وعلى كل حال فالمسلمون أولى بها من الكفار».(الجزري، 1963،ص 62)
وكان كلما قرر التوجه لقتال الصليبيين استثار في المسلمين تعشقهم للجهاد ففي عام 524هـ على سبيل المثال ـ اتجه إلى الشام وصمم العزم على الجهاد... وإعلاء كلمة الله. وفي عام 532هـ سار إلى بعرين الخاضعة للصليبيين، وجمع عساكره وحثهم على الجهاد، وعندما عزم على فتح الرُّها عام 539هـ تبعته العساكر... عازمين على أن يؤدوا فريضة الجهاد.وقد لاقى فتحه للرُّها استبشاراً عاماً لدى المسلمين في كل مكان: فامتلأت به المحافل في الآفاق، واعتبروه نصراً حاسماً للإسلام ضد الصليبية، ومن ثم فإن مفهوم الجهاد خلع على عماد الدين زنكي صفة إسلامية في نظر المسلمين إلى الحد الذي دفع العماد الأصفهاني إلى القول: «بأنه كان قطباً يدور عليه فلك الإسلام»، كما ذكر رنسيمان أن زنكي اعتبر نفسه «حامي الإسلام» ضد الصليبيين، وتتضح نزعة زنكي الدينية في سياسته الداخلية وفي سلوكه الشخصي كذلك، وهناك العديد من الأمثلة التي تبين إلى أيِّ مدىً بلغ الحسَّ الديني لدى هذا الأمير المسؤول، فعندما قام عام 534هـ على سبيل المثال ـ بتولية هبة الله بن أبي جرادة قضاء حلب قال له: هذا الأمر قد نزعته من عنقي وقلدتك إيَّاه، فينبغي أن تتقي الله.( بن هبة الله، 1951، ص62) وكان يتصدق كل جمعة بمئة دينار جهراً، ويتصدق بما عداها من الأيام سرَّاً. كما كان يستفتي الفقهاء والقضاة قبل إقدامه على كثير من الأعمال، وقد أقام الحدود الشرعية في أنحاء بلاده.( الماني، 1968، ص 176)
ملاحظة مهمة:
هذا المقال استند بشكل كبير على كتاب " عماد الدين زنكي" لعبد الحميد الماني.
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، الدولة الزنكية، دار المعرفة، بيروت، 2007، صص 46-47
كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله، زبدة الحلب في تاريخ حلب، تحقيق سامي دهان، ط دمشق، 1370 هـ 1951 م.
ابي شامة شهاب الدين المقدسي، عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: ابراهيم الزيبق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ،1418-1997
محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني، تاريخ دولة آل سلجوق، اختصار الشيخ الإمام الفتح بن علي بن محمد البداري الأصفهاني، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1400 هـ 1980 م.
الجزري، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، تحقيق عبد القادر أحمد طليمات، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، ومكتبة المثنى، بغداد 1382 هـ 1963 م.
عبد الحميد الماني، عماد الدين زنكي، الدائرة العربية، 1387ه- 1968م
شاكر أحمد أبو زيد، الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، الجامعة اللبنانية، كلية الاداب والعلوم الإنسانية.1392ه-1972م
محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني، تاريخ دولة آل سلجوق، اختصار الشيخ الإمام الفتح بن علي بن محمد البداري الأصفهاني، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1400 هـ 1980 م.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس