إسماعيل ياشا - عربي 21
أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، فجر الاثنين، انطلاق عملية "المخلب-القفل" للجيش التركي في شمال العراق ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، بمشاركة القوات الجوية والبرية. وجاءت هذه العملية بعد عمليات المخلب الأربع التي قامت بها القوات التركية في شمال العراق منذ مايو/ أيار 2019، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تطهير منطقة "زاب" من الإرهابيين، لتكتمل المنطقة العازلة على الحدود وتحول دون تسلل الإرهابيين من شمال العراق إلى الأراضي التركية.
القوات التركية قامت في السنوات الأخيرة بتضييق الخناق على المنظمة الإرهابية في الأراضي التركية، ما أدَّى إلى فقدان الإرهابيين قدراتهم على التحرك داخل الحدود، إلا أن إنهاء خطر الإرهاب الانفصالي يتطلب القضاء على أوكاره في شمال سوريا وشمال العراق. ومن المؤكد أن هذه العملية الأخيرة ستقرِّب تركيا من الوصول إلى هدفها النهائي في شمال العراق، وستكسر "الأقفال التي تغلق طريق الجيش التركي وتمنعه من الوصول إلى جبال قنديل" ليهدم معسكرات حزب العمال الكردستاني على رؤوس قادة المنظمة الإرهابية.
الظروف الدولية والإقليمية مواتية للقيام بمثل هذه العملية، في ظل انشغال روسيا بعمليتها العسكرية في أوكرانيا، واكتشاف الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جديد أهمية تركيا ودورها الاستراتيجي في حلف شمال الأطلسي "الناتو". وهناك دول أوروبية، مثل السويد وفنلندا، ترغب في الانضمام إلى الحلف، إلا أنها بحاجة إلى موافقة أنقرة على هذا الانضمام.
العملية العسكرية الواسعة التي تشارك فيها مروحيات "آتاك" الهجومية والمسيرات المسلحة، بالإضافة إلى الطائرات الحربية، جاءت بعد اللقاءات التي جمعت المسؤولين الأتراك والأكراد. وكان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان استقبل يوم الجمعة رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، في مكتبه بإسطنبول، وكان رئيس الاستخبارات الوطنية التركي، حاقان فيدان حاضرا في ذاك اللقاء، ما يؤكد أن الجيش التركي يقوم بهذه العملية بعلم حكومة الإقليم وموافقتها والتنسيق معها.
العلاقات بين أنقرة وأربيل تشهد في الأيام الأخيرة تقاربا لافتا يهدف إلى التعاون في مجال الطاقة في إطار المصالح المشتركة. وتسعى أربيل إلى تصدير الغاز الطبيعي من الإقليم إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب التي تمر من الأراضي التركية، في ظل حاجة الدول الأوروبية إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي. ومن المؤكد أن مثل هذه المشاريع لا يمكن إنجازها في منطقة تسيطر عليها المنظمة الإرهبية، وتفتقر إلى الأمن والأمان.
عملية "المخلب ـ القفل" وكذلك العمليات العسكرية السابقة التي قام بها الجيش التركي كلها لصالح العراق وإقليم كردستان. ويشدد مسؤولون عراقيون بين الحين والآخر على رفضهم لاستخدام الأراضي العراقية للهجوم على جيران بلادهم. كما أن المنظمة الإرهابية تهدد أمن إقليم كردستان واستقراره، ولا تتردد في الاشتباك مع قوات البيشمركة الكردية والموالين للحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب بارزني). ويذكر الكاتب التركي، فاروق آقتاش، المتابع لشؤون شمال العراق عن كثب، في مقاله بصحيفة "يني بيرليك"، أن هناك أنباء تشير إلى انزعاج الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب طالباني) من أنشطة المنظمة الإرهابية في منطقة السليمانية، وأن وفدا من الحزب قام بزيارة تركيا مؤخرا لإجراء مباحثات مع مسؤولين أتراك.
إيران مستاءة من التقارب بين تركيا وأكراد العراق عموما، ومن مشروع نقل الغاز من الإقليم إلى أوروبا على وجه الخصوص. وبالتالي، يمكن قراءة الانتقادات الموجهة إلى أنقرة من أطراف عراقية موالية لطهران في هذا الإطار، كما أن اتهام تركيا بخرق سيادة العراق باطل ولا معنى له، لأن سيادة بغداد في منطقة العملية مفقودة، ولا يمكن الحديث عن سيادة عراقية في منطقة تسيطر عليها المنظمة الإرهابية. ولو كانت بغداد تفرض سيادتها وتبسط سيطرتها على تلك المنطقة لما اضطر الجيش التركي لإطلاق عمليات عسكرية، بل كانت المشكلة يمكن حلها عبر مباحثات وتفاهمات دبلوماسية.
داخليا، تحظى العملية التي أطلقها الجيش التركي بتأييد شعبي واسع، الأمر الذي جعل رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، يضطر لمباركة العملية، على الرغم من تصويت حزبه في البرلمان ضد مذكرة تفويض الجيش التركي للقيام بمثل هذه العمليات في العراق وسوريا، علما أن الجيش التركي لم يكن بإمكانه إطلاق هذه العملية لو لم يوافق البرلمان على تلك المذكرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وكان حزب الشعب الجمهوري رفض التصويت قبل ستة أشهر لصالح المذكرة كيلا يغضب حليفه، حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي لحزب العمال الكردستاني. ومن المؤكد أن تصريحات كيليتشدار أوغلو المؤيدة للعملية العسكرية ستزعج قادة هذا الأخير ومؤيديه، إلا أن المتوقع أن يتفهم هؤلاء دوافع حليفهم الانتخابية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس