ترك برس
قال الكاتب والباحث علي باكير، إن زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى أنقرة، ستساعد على تحديد الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات بين البلدين.
جاء ذلك في مقال له على موقع "عربي 21"، سلط الضوء عبره على زيارة ولي العهد السعودي لأنقرة، غداً الأربعاء، في إطار جولة أوسع تشمل كلا من مصر والأردن، وتعدّ الأولى من نوعها لولي العهد السعودي إلى أنقرة بعد جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في العام 2018، التي كانت قد أدّت إلى تدهور كبير في العلاقات بين البلدين.
وأضاف أن زيارة محمد بن سلمان المنتظرة "تأتي في سياق جهود تطبيع العلاقات بين البلدين، وهي الجهود التي تكثّفت بعيد اتفاق العلا بين الرياض والدوحة بداية عام 2021. وأنهى الاتفاق المذكور الحصار الذي فرضته السعودية مع ثلاث دول أخرى على قطر عام 2017، بعد أن فشل في تحقيق أهدافه. كما سمح اتفاق العلا بإنهاء الأزمة الخليجية وإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية وتحقيق مصالحات بينية وإقليمية واسعة."
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
وبالرغم من التقدم الذي تحقّق بين تركيا والسعودية بعد أكثر من سنة من جهود التقارب، إلا أنّ الخرق الحقيقي في جهود التطبيع بين الجانبين حصل في نيسان/ أبريل الماضي، عندما زار الرئيس أردوغان السعودية آنذاك للمرة الأولى منذ العام 2017، والتقى خلال الزيارة كلا من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان. لكن مخرجات الزيارة طرحت تساؤلات حول مدى جدّية الجانب السعودي، لا سيما مع المهاترات التي سادت بعض وسائل الإعلام السعودي حول الزيارة.
وكان لافتا أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى السعودية، خلت من أي بيان ختامي أو صحفي مشترك، كما أنّها لم تشهد توقيع أي اتفاقية أو مذكرة تفاهم، وهو ما قرأه البعض بشكل سلبي. فضلا عن ذلك، فقد أجّل ولي العهد السعودي زيارته المرتقبة إلى أنقرة مرّتين دون سبب واضح، مع أنّ بعض التقارير أشارت إلى أنّ وراء التأجيل أسبابا شخصية، منها ما يتعلق بصحّة الملك سلمان. ويُنظر إلى زيارة ولي العهد المنتظرة على أنّها بمنزلة اختبار لنوايا السعودية الحقيقيّة، كما ينتظر كثير من المراقبين هذه الزيارة لتقييم جهود التقارب بين البلدين، وعمّا إذا كان سيحمل محمد بن سلمان معه ما يشي بوجود جدّية في جهود التطبيع.
من ناحيته، يؤكد الجانب التركي نيّته فتح صفحة جديدة وتعميق التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والدفاعية والأمنية والثقافية والسياحية مع اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط. وتتطابق هذه التوجهات مع سياسة خفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، التي أدّت إلى إطلاق جهود تطبيع العلاقات بين عدد كبير من اللاعبين الاقليميين مؤخرا. في المقابل، لا تبدو السياسة الخارجية الإقليمية للمملكة العربية السعودية واضحة حتى الآن، وذلك بخلاف لاعبين آخرين.
من هذا المنطلق، فإنّ شكل الزيارة التي يعتزم ولي العهد السعودي القيام بها إلى تركيا، وما سيرافقها من تصريحات وتعليقات وربما مذكرات تفاهم واتفاقيات، سيساعدنا على تحديد الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة. علاوة على ذلك، ستوفّر هذه المعطيات مؤشرات حول إذا ما كانت الرياض جادة فعلا في فتح صفحة جديدة أم لا، وستسلط الضوء على أولويات المملكة في الملفات المشتركة مع أنقرة خلال المرحلة المقبلة، سواء في القضايا ذات الطابع الثنائي أو في القضايا ذات الطابع الإقليمي.
الانطباع الأوّلي بخصوص ما هو متوافر حتى الآن عن التقارب في العلاقات التركية- السعودية يطغى عليه الحذر. لذلك، من المهم في هذا السياق أن يكون هناك تقييم موضوعي، وألا يسيطر الجانب العاطفي على الجانب العقلاني في تقييم التقدّم الحاصل في التطبيع بين الطرفين. هناك مصلحة مشتركة من دون شك لتركيا والمملكة العربية السعودية في حصول تعاون بين البلدين في مختلف المجالات، تعاون من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي أيضا على عدد كبير من دول المنطقة، خاصة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنيّة الجسيمة التي تعصف الآن بمنطقة الشرق الأوسط.
كان من اللافت أيضا، أن يتم الحديث عن اهتمام المملكة العربية السعودية بالمسيّرة القتالية التركية فائقة القدرات من طراز "أكينجي"، وذلك بموازاة الإعلان عن قرب زيارة ولي العهد السعودي إلى أنقرة. إلا أنّ موضوع التعاون الدفاعي التركي- السعودي يحتاج ربما إلى نقاش منفصل لاحقا، ذلك أنّ البيع المحتمل لهذه المسيّرة القتالية الاستراتيجية إلى الرياض، لا ينسجم حاليا مع مستوى العلاقات بين البلدين، فضلا عن تجارب التعاون الدفاعي السابقة التي انتهت معظمها بخيبات أمل؛ نظرا إمّا لتردّد الجانب السعودي أو لإلغائه الصفقات الكبيرة بسبب مناكفات سياسية.
تجدر الإشارة إلى أنّ العلاقات التركية- السعودية تحظى الآن بمتابعة كبيرة واهتمام بالغ من قبل عدد من اللاعبين الإقليميين في المنطقة، كإيران على سبيل المثال، وذلك نظرا لما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات في حال نجح قطار التطبيع في وضع العلاقات بين الطرفين على السكّة الصحيحة. الجانب الإيراني كان قد عبّر بشكل سلبي عن موقفه من التطورات الإيجابية للعلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أنّ نجاح هذه العلاقة، من شأنه أن يشكل خطرا على النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن إلى أي مدى من الممكن لذلك أن يحصل؛ سيعتمد بالدرجة الأولى على نوايا السعودية وأجندتها تجاه تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!