أحمد البرعي - خاص ترك برس
انتهى المهرجان الانتخابي للبرلمان التركي وهدأت العاصفة وأسدل الستار على واحدة من أهم الانتخابات البرلمانية في تاريخ الجمهورية التركية. أعلنت النائج ففرح البعض وشمت آخرون، حزن أناس واحتفل آخرون. هذه هي طبيعة الديمقراطية والانتخابات الحرة إذ يخسر فريق ليفوز الآخر ويبقى جوهر العملية الديمقراطية هو احترام خيار الشعب والنزول عند إراداته، ويا لها من مفارقة صعبة الفهم وعصية على الهضم إذ يتهم رئيس الجمهورية التركية بالدكتاتورية ليل نهار، ولله درها من دكتاتورية تجرى فيها هذه الانتخابات التي شهدت بنزاهتها المعارضة قبل غيرها، إذ لم يسجل أي اخلال أو انتهاك يذكر أثناء سير العملية الانتخابية، بل وتغنت المعارضة بالفوز الساحق لهذا الدكتاتور وملأت أجواء إسطنبول الاحتفالات ومهرجانات النصر بهزيمة الدكتاتور وحزبه. يبقى التساؤل هل حقاً فشل حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات؟
لا ينكر ذي بصيرة أن الانتخابات الأخيرة لم تكن مآلاتها كما كان يخطط ويرغب حزب العدالة والتنمية رغم أنه فاز بنسبة 41% من الأصوات بفارق أكثر من 15% عن أقرب المنافسين له، ولكن الحزب كان قد رفع سقف التوقعات وبنك الأهداف إلا أن النتائج قد جاءت على غير ما كان يرغب حيث لم يستطع الوصول إلى الأغلبية المطلقة 276 عضواً لتشكيل الحكومة فضلاً عن الفوز بـ 370 عضواً لتغيير الدستور.
هل عاقب الشعب التركي أردوغان على أسلوبة القاسي والاستقطابي، كما تتهمه المعارضة؟ أم هل كان للإعلام وحملات الدعاية السوداء التي هولت من بعض القضايا الجانبية وأظهرتها على أنها قضايا فساد وإسراف وديكتاتورية الرجل الواحد تأثير في توجهات الناخب التركي؟ هل عاقب الناخب التركي حزب العدالة والتنمية على سياسته الخارجية خاصة فيما يتعلق بالقضية السورية والعراقية؟ أم هل حقاً شعر المواطن التركي أن البلاد تحتاج إلى تغيير في الوجوه الحاكمة خوفاً من التغول وصناعة الدكتاتورية؟ إن كان الجواب نعم، فلماذا لم يعاقب الشعب الحزب الحاكم ورئيسه في الانتخابات الجمهورية التي فاز بها بنسبة 52%؟
هل أخطأ حزب العدالة والتنمية عندما أصر على المضي قدماً في عملية المصالحة مع الأكراد لينهي حقبة من الاقصاء والاضطهاد والنزاع المسلح ما دفع بعض القوميين الأتراك إلى معاقبته بالتصويت للأحزاب الأخرى دونه وما دفع أيضاً المتدينين الأكراد إلى التعاطف مع الحزب ذي الأصول الكردية "حزب الشعوب الديمقراطي" وخاصة أن تجاوز نسبة الحسم الانتخابي 10% كانت عقبة حقيقية ولكنها، من وجهة نظري، كانت الدافع الرئيس الذي حشد الأصوات لحزب الشعوب الديمقراطي وخاصة من الأكراد المتدينين، إذ إن الحزب لو لم يستطع تجاوز نسبة الحسم الانتخابي فلن يكون للأكراد من يمثلهم في البرلمان التركي، هذا إضافة إلى ترهيب وترغيب الحزب نفسة "الشعوب الديمقراطي" للأكراد في المناطق الكردية وتهديدهم، كما كان يؤكد أردوغان في خطاباته.
هل أخطأ حزب العدالة والتنمية عندما ضخ الدماء الشابة وقدم الوجوه الجديدة لتحمل الراية بعد أن ارتحل المؤسسون المخضرمون من أصحاب الخبرات السياسية، وذلك استناداً إلى بنود النظام الأساسي لحزب العدالة والتنمية الذي ينص على عدم ترشح العضو لأكثر من ثلاث استحقاقات انتخابية وكان من ثمار ذلك أن فاطمة غولر 26 سنة أضحت أصغر برلمانية تركية عن حزب العدالة والتنمية؟!
في النهاية إن الحزب الذي حصد 41% من أصوات الناخبين الأتراك ممثلاً في جميع المحافظات التركية الواحدة والثمانين لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار ذلك فشلاً أو إخفاقاً كما أنه ليس من العدل والإنصاف اعتبار التراجع المرحلي في التجارب الديمقراطية الوليدة (12سنة) دليلاً على الفشل والارتكاس، فلو لم يحسب للعدالة والتنمية سوى أنه كحزب حاكم ق ضرب مثلاً في احترام آراء الناخبين والنزول عند قرارهم، وإن كان على غير ما يريده، فإن ذلك بحق هو عين النجاح وبداية الصعود ولعل القادم من الأيام يكشف عن ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس