أحمد البرعي - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس
في الثاني عشر من فبراير/ شباط صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للصحفيين بأن الجيش التركي سيضغط على معقل تنظيم داعش في الرقة، وقال إن معركة الباب انتهت، وستكون مدينة منبج الهدف القادم. وقد نجح الجيش التركي والجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة في السيطرة الكاملة على مدينة الباب الاستراتيجية في شمال سوريا.
في البداية أطلقت تركيا عملية درع الفرات لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:
* تطهير منطقة شمال سوريا من تنظيم داعش الدموي الذي لم ينفذ هجمات وحشية في سوريا فحسب، بل في داخل تركيا أيضا.
** إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية.
*** منع وحدات حماية الشعب الكردية من إقامة منطقة حكم ذاتي على حدود تركيا.
تنظر تركيا إلى وحدات الحماية الشعبية على أنها ميليشيات عدوانية خارجة عن القانون ومنشقة عن حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن حركة تمرد مسلح على تركيا منذ ثلاثة عقود.
ولتحقيق هذه الأهداف لم تكن استعادة السيطرة على الباب كافية؛ ولهذا أعلن أردوغان أن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ستقيم منطقة آمنة مساحتها 5000 كم، ولتحقيق ذلك تحتاج تركيا إلى أن تتوغل في الرقة ومنبج.
فيما يتعلق بتركيا تعد منبج الهدف الحتمي القادم لسببين رئيسين: الأول أن منبج احتلتها قوات سوريا الديمقراطي "قسد" العام الماضي، وهي ميليشات تدعمها الولايات المتحدة، لكن تركيا تصنفها بوصفها جماعة إرهابية منبثقة عن حزب العمال الكردستاني المحظور.
السبب الثاني أن دعم إدارة أوباما للميليشيات الكردية وزعمها أن هذه الميليشيات أكثر قوة وفعالية في قتال داعش كان تجاهلا واضحا للمخاوف التركية، وهدد علاقات الولايات المتحدة الاستراتيجية بحليفتها الرئيسة في المنطقة. وعلى ذلك كانت منبج أول اختبار حقيقي للتغيير المزعوم في سياسة واشنطن في سوريا في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عقيدة ترامب
على الرغم من أن نقاد ترامب يقولون إنه قد يغير رأيه في الكثير من القضايا، فيبدو أنه ثابت على موقفه من سياسته في الشرق الأوسط، فسياسته، أو على الأقل ما يتردد أنه سيفعله، تميل إلى تجنب التورط المباشر في المستنقع الذي امتد ليصبح حربا بالوكالة في المنطقة.
ومن ناحية أخرى يعتقد ترامب أن استثمار إدارة أوباما في دعم الجيش السوري الحر المعتدل كان إسرافا، حيث قال بعد وقت قصير من انتخابه "ليس لدينا فكرة من هم هؤلاء" ، ويرى أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة بدلا من دعم المعارضة المعتدلة التي تقاتل بشار الأسد أن توجه كل جهودها لقتال داعش وهزيمته. لكن السؤال هو كيف؟.
خلال حملته الانتخابية تعهد ترامب مرارا بأن تكون أولويته الرئيسة هزيمة داعش، وعندما تولى منصبه قال إنه طلب من مستشاريه للأمن القومي وضع خريطة طريق في غضون شهر لهزيمة التنظيم، وشدد على أنه يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ في الانتصار في الحروب مرة أخرى، وفي هذا الأسبوع اقترح زيادة ميزانية الدفاع بمقدار 54 مليار دولار.
يُجمع الخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون على أنه يجب على ترامب من أجل هزيمة داعش أن يختار حليفا إقليميا من بين تركيا أوقوات سوريا الديمقراطية "قسد" أو روسيا أو حتى النظام السوري. وقد وضعت تركيا شروطا مسبقة لأي تعاون إقليمي مع ترامب، من بينها أن توقف إدراة الرئيس الجديد دعم الميليشيات الكردية السورية التي نشرت أخيرا صورة لعربة مدرعة زعمت أنها حصلت عليها من إدراة ترامب، لكن واشنطن نفت ذلك.
كما تشكك تركيا في خطة ترامب لإنشاء مناطق آمنة في سوريا. وتقول أنقرة إنها لم تُستَشَر حول المناطق الآمنة، بينما نصحت موسكو واشنطن بعدم تصعيد الوضع في سوريا.
ماذا بعد الباب
ستكون الأيام القادمة حاسمة في تحديد مستقبل العلاقات الأمريكية التركية. وفي هذه الأثناء تواصل تركيا عملياتها عبر الحدود، وستحتاج من أجل تأمين عملية درع الفرات إلى استعادة مدينة منبج من قوات سوريا الديمقراطية. قد تواجه القوات التركية تحديات حقيقية، فقوات الأسد تتحرك بسرعة نحو الجنوب الشرقي لريف الباب لوقف تقدم الجيش التركي والقوات المدعومة من تركيا.
في يوم الخميس الماضي وافق المجلس العسكري لمنبج الذي يعد جزءا من قوات سوريا الديمقراطية على تسليم مناطق غرب المدينة إلى القوات الحكومية السورية، ومن ثم فمن الممكن أن تنسحب ميليشيات قسد من المدينة وتتركها لقوات الأسد، وهو أسوأ سيناريو تحرص تركيا على تجنبه؛ لأنه سيرهقها عسكريا، ويدق إسفينا قويا بين أنقرة وموسكو.
من ناحية أخرى تنشغل تركيا بالجبهة الداخلية، وتستعد لإجراء الاستفتاء على تغيير الدستور المقرر في السادس عشر من أبريل/ نيسان القادم، ولذلك فإن أنقرة ليست معنية بأي تصعيد غير محسوب في سوريا يمكن أن يلقي ظلاله القاتمة على الإصلاحات الدستورية.
إذا قررت أنقرة أن تواصل هجومها، وتطرد قسد من منبج دون موافقة الولايات المتحدة، فإن سيناريو عملية جرابلس التي كانت فيها تركيا والولايات المتحدة على طرفي النقيض قد تتكرر، وقد يؤدي تقدم أنقرة على الأرض إلى رد فعل غير مرغوب فيه من حليفها الأمريكي، مثلما حدث في بداية عملية درع الفرات.
هل يدعم ترامب قسد أو الأسد
بالنسبة إلى ترامب فإن الأيام القادمة ستحدد طبيعة العلاقة مع تركيا، وقد يقرر الاستمرار في دعم الميليشيات الكردية، وإذا حدث ذلك، فقد يؤدي التوتر إلى خلاف دبلوماسي وسياسي بين أنقرة وواشنطن.
خلال الأيام القليلة الماضية شنت ميليشيات قسد هجمات استباقية على مدينة الرقة بهدف استعادة بلدات وقرى شرقي المدينة، في محاولة واضحة لتقديم أوراق اعتمادها للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وعلى الفور ردت قوات التحالف على هذا الغزل بقصف العديد من الجسور على نهر الفرات في دعم لهجمات قسد.
الخيار الأخير المحتمل أمام ترامب هو التحالف مع الأسد. كانت مساعي الأسد للتقرب من ترامب واضحة للعيان، فقد قال إن ترامب يمكن أن يكون حليفا طبيعيا، وأن تعهده بمحاربة الإرهاب يعد واعدا. ومن جانبه أكد ترامب نفسه أن وجود قادة مثل القذافي وصدام حسين والأسد أفضل بكثير من الفوضى والفراغ اللذين خلقهما الإطاحة بهم، كما أبدى ترامب إعجابه الشديد علنا بفكرة تطبيع العلاقات مع سوريا مع ضرورة قيام الأسد بإصلاحات ظاهرية.
في عقيدة ترامب من الممكن تبييض وجه الأسد، واتخاذه شريكا إقليميا، فما دام قادرا على تقديم نفسه على أنه ديكتاتور قوي قادر على هزيمة داعش والحفاظ على قدر من الاستقرار، فإن ترامب ليس لديه مشكلة في التنسيق معه.
تقف العلاقات الأمريكية التركية على حافة أزمة، وبات واضحا احتمال تأجج الخلاف بينهما، إلا إذا تمكنت تركيا والولايات المتحدة وروسيا من التوصل إلى صفقة تخفف التوتر وتلبي التطلعات الاستراتيجية والإقليمية لكل طرف.
ومما يدعو للأسف حقا أن الربيع السوري لم يكن قادرا على إيجاد نخبة تمثله تلبي التطلعات الشعبية، وتقدر تضحيات الشعب البطولية في ملحمة من أعظم ملاحم التاريخ الحديث. وعاجلا أو آجلا سيقر أعداء الشعب والسوري وأصدقاؤه بحقه في أن يكون هو وحده من يقرر مستقبل سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس