حسين أبو سرحان - ترك برس
لا شك أن نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية في تركيا كانت صادمة لمعارضي حزب العدالة والتنمية برغم توقعهم لتلك النتائج مُسبقاَ. لذا حاول رئيسا الحزبين المعارضين وبطانتهما خلال الأيام الماضية خَلْقَ مبرراتٍ وحُججَ لتخفيف آثار تلك الصدمةِ على جماهيرهم، لكنهم على ما يبدو فشلوا في ذلك، فأن يصف أحدهم ما يحصل بأنه "سِحْر" أمرٌ غير مألوف.
المعارضة في تركيا في الانتخابات الأخيرة تكوّنت من اتحاد أربعة عشر حزبٍ، ليقدموا بعد ذلك مُرشحاَ مشتركاَ لمنافسة أردوغان في انتخابات رئاسة الجمهورية. حصلت الانتخابات وتعرّضت المعارضة لهزيمةٍ نكراء شهد لها القاصي والداني. لكنّهم مع ذلك لم يَتقبّلوا النتيجة حتى اللحظة، فخرج منهم من يقول: "48% من الشعب التركي يعارض أردوغان"، وقال آخر: "المعارضة هي مَنْ انتصرت لأن نسبة التصويت لأردوغان كانت 51.79% أقل مِن النسبة المتوقعة وهي 57%". يُمكننا تَقبّلَ كلّ ذلك ضمن إطار "ردة فعل" لهذه الهزيمة النكراء. لكن ما كتبه "أرصلان تَكِن" الكاتب المعارض في صحيفة "العصر الجديد yeni çağ" كان أمراَ مغايراً تماماً.
خلال مطالعتي أمس لبعض المقالات التي نُشِرتْ في الصحف التركية، لَمحْتُ مقالةً بعنوان "المهدي المنتظر"، عنوانٌ غريب شوّقني لمعرفة محتواها. الكاتب افتتح مقالته بقوله: "إننا نحن – أي الشعب - من أوصل أردوغان إلى هذه المكانة، فعندما يحصل هذا الرجل على عشرين مليون صوت فهذا يعني أن عائلاتٍ بأكملها صوتت له". ثم انتقل بعد ذلك إلى انتقاد حزبي المعارضة مذكراَ إياهم بقرب موعد الانتخابات العامة القادمة والتي تبقّى عليها عشرة أشهر فقط، وهي "فترة زمنية قصيرة جداَ لتلافي أخطاء الحزبين" حسب رأي الكاتب.
حاول "أرصلان تَكِن" بعد ذلك إيضاح أسباب هيمنة أردوغان وحزبه على الانتخابات منذ أكثر من اثني عشرَ عاماً، مبرّراً ذلك بصورة مختلفة عن كل آراء المعارضة الأخرى، لذا سأقتبس من مقالته بالنص، يقول: "الشعب يُصوّتُ الآن لشخصٍ ارتبط به، هذا الشخص بالنسبة لهم هو "المُهيمِن"، سُمّيَ في التاريخ "المهدي" أو"الشيخ"..هو شخص مُخْتلف. يَعتبرون حتى "تلمّسَه عبادة"، الشعب يُصوّت له لأنهم يعتقدون أنه وصل إلى درجة الألوهية، وهذا الشخص قبِل ضِمنياً أن يكون بتلك المكانة "كالمهدي المنتظر" برغم عِلمه بأن ذلك شِرْك".
لم يَصِلُ "جنون" المعارضة إلى هذا الحد، بل تَعدّاه إلى أبعد من ذلك بكثير، وهذا ما أثبته كاتب هذه المقالة عندما أضاف: " لقد سُحِرَ الشعب قبل أعوام... وما زال مَسْحوراً بكلام خريجي المدارس الدينية، مسحوراً بكلام المحجبات، مُسَيطرٌ عليه بهذا الجريان الإسلامي، فكلّ الأحداث الماضية التي حصلت ما كانت إلا نتيجةَ لهذا الجهل". وبذلك أصبح هذا الكاتب "رائداً" في وَصْفِ الشعب التركيّ بـ"الشعب المسحور"، فلم يَسْبقه إلى ذلك أحدٌ قط.
نعم، الشعب التركي مَسْحور، ومنذ أكثر من عشرين سنة. سُحِرَ الشعبُ التركي عندما حوّل أردوغان خليج إسطنبول من مكبّ نفاياتٍ إلى مَعْلمٍ سياحيّ كبير، سُحِر منذ تحويله إسطنبول وتركيا إلى قبلة السياحة في الشرق الأوسط بل وفي العالم أجمع، سُحِرَ الشعبُ بالخدمات الأساسية والترفيهية التي قدّمها لهم حزب العدالة والتنمية مُنذ لحظة وصوله إلى الحُكم وحتى الآن، سُحِرَ الشعب بالسياسات الجديدة للخارجية التركية التي قادت تركيا من دولةٍ تابعةٍ إلى دولةٍ فاعلةٍ وقويةٍ في المنطقة.
مَفْعولُ السحر هذا لن يكون للأبد، بل سينتهي متى انتهى فِعْلُ السّاحر، وفِعْل السّاحرِ هنا أمرٌ بسيطٌ وواضح، لا لُبسَ فيه ولا غُموض، حتى إنّ باستطاعة كلّ حزبٍ القيام به متى أراد، فِعْل الساحر هنا يتلّخصُ بكلمتين: "خِدْمَةُ الشّعْب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس