علي الصاوي - خاص ترك برس
كانت العرب قديما تقول حين يتصالح خصمان لا يمكن أن يكونا يوما بحسب العقل والمنطق والتاريخ أصدقاء مهما اقتربا واتفقا " هُدنة على دَخنّ"، في إشارة إلى فساد النيات وعدم سلامة الصدر وصدق التقارب واستمراريته، وإن بدى للناس عكس ذلك، لكن تبقى جذور العداوة مختبأة تحت رماد الهدنة في انتظار من ينكثها لتُطل برأسها من جديد وتعود الخصومة سيرتها الأولى.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجرى في 14 مايو/ أيار المقبل ظهر تحالف الشعب الذي يجمع بين أحزاب المعارضة التركية على طاولة واحدة، هدفها إقصاء الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن العجيب أن تجمع الطاولة بين المتناقضات كالقومي والمحافظ واليساري والعلماني والإسلامي وهم جميعا كانوا أعداءً بالأمس، واليوم جمعهم فقط عداوة أردوغان وإسقاطه بلا أى التفاف حول مشروع انتخابي حقيقي بوصلته خدمة المواطن التركي والنسج على منوال ما بدأه أردوغان من إنجازات ما زالت مستمرة، فهل سيصمد هذا التحالف الهش ويحقق أهدافه؟
تتسم السياسية التركية بسرعة الإيقاع وعنصر المفاجأة، فلا يُفيد في فهمها بشكل نهائي تحليل سياسي، أو جزم بمن سيتقدم على من، أو من سيهزم من، نظرا لعقدة الصراع المركبة منذ نشأة تركيا الحديثة بعد سقوط الدولة العثمانية، عقدة شكلتها السياسة والإيدلوجية معا، لكن مع نمو وعى المواطن التركي واتساع الأفق السياسي وإنجازات حزب العدالة والتنمية على مدار عشرين عاما التى خلقت مواطنا واعٍ سياسيا، وصار جزءا أساسيا في حسم أى سباق انتخابي، وبات رضاه هدفا مهما للنجاح، أصبح المعيار في قراءة المشهد السياسي والتنبؤ بسير أحداثه هو مدى مخاطبة برامج الأحزاب السياسية اهتمامات واحتياجات هذا المواطن، تلك المخاطبة التى أجاد لغتها حزب العدالة والتنمية، وكانت سرّ تربّع الحزب على عرش الحكم طيلة 20 عاما وبفضلها أسس لنفسه قاعدة شعبية كبيرة ما زال يُعوّل عليها في كل سباق انتخابي.
في البدء تعاني طاولة الأحزاب الستة من غياب البرنامج الانتخابي الفعّال القادر على استقطاب الناخب التركي، كما أن الاختلافات المتباينة في تكوين أحزابها من الناحية الإيدلوجية هائلة ومؤشرا على الفشل، وخلق حالة إستشرافية ضبابية منعدمة الرؤية في مستقبل التحالف وتوقع آليات حكمه وإدارته لملفات شائكة بحاجة إلى تناغم في الأداء ووحدة الموقف السياسي، عكس ما يتسم به تحالف الجمهور بقيادة أردوغان من ثبات وانسجام إيدلوجي وموقف سياسي موحد في العديد من الملفات الداخلية والخارجية، إضافة إلى اتسام قياداته بالعقل والحكمة، وامتلاك لغة خطاب رصين وواقعي أقرب إلى وجدان الناخب التركي ومخاطبة تطلعاته.
ثانيا بيّن موقف ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد من ترشح رئيس حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو حجم شرخ الثقة الموجود بين الزعيمين، وكيف أضعف كليجدار أوغلو من زخم أكشنار الشعبي بفرضه أمر واقع لتظهر بالصورة المضطربة والمضطرة التي ظهرت بها في وسائل الإعلام وقت إعلان كليجدار أوغلو ترشحه أمام أردوغان، ما أثّر على شخصية الحزب وشخصية أكشنار نفسها وقلل ظهورها إعلاميا في الأيام الأخيرة، ما دفع بعض نواب حزب الجيد إلى الاستقالة وإبداء استياءهم مما حدث، وبالطبع أثر هذا الموقف بالسلب على الطاولة السداسية واستشرف من خلاله المواطن التركي شكل المشهد السياسي لاحقا إذا وصل التحالف إلى سدة الحكم.
يفتقد الكثير من قادة الطاولة السداسية إلى الكاريزما اللازمة وقوة الشخصية للتأثير على الناخب التركي، فحتى الآن لم يضاهي أحد الرئيس أردوغان في قوة حضوره وثباته الشخصي وإلمامه بتفاصيل ما يجري من أحداث والرد على اتهامات زعماء الطاولة بحجة قوية، مبينا عوار التحالف وضعف شخصياته المفتقرة لأدني درجات الفهم السياسي ومقومات الزعامة.
من جهة أخرى تسبب تحالف الطاولة مع حزب الشعوب الديمقراطي الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا وجماعة فتح الله جولن في الإضرار بصورة التحالف أمام الرأى العام التركي، وقال البعض إن حزب الشعب الجمهوري يشترى التحالف مع الإرهابيين بدماء الشهداء من أجل الأصوات الانتخابية، وهذا أكبر خطأ وقع فيه حزب الشعب الجمهوري ظنا منه أن قاعدته الانتخابية ستتسع بتحالفه مع الإرهابيين وتزداد حظوظه في الفوز على أردوغان، لذلك صرح الرئيس أردوغان أنه ليس من الممكن رؤية الخير ممن يسيرون في طريق واحد مع حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن وغيرهما من المنظمات الإرهابية.
حاول كليجدار أوغلو أن يحظى بدعم محرم إنجه المنشق عن حرب الشعب الجمهوري وتخليه عن ترشحه المستقل في السباق الانتخابي لكن الاجتماع باء بالفشل وأظهر حالة الضعف لكليجدار أوغلو ناسيا الأسباب التي دفعت انجه للانشقاق عن الحزب، والتى من أهم أسبابها سياسة كليجدار أوغلو الداخلية في الحزب ومحاولة تهميشه وتصعيد قيادات شبابية جديدة لضرب مكانته أقربهم أكرم إمام أوغلو، فالاثنان بينهما خلافات شخصية عميقة جدا، وقد يحرم ترشح إنجه للرئاسة كليجدار أوغلو من نسبة لا بأس بها من قاعدة أنصار الحزب التصويتية، كون محرم إنجه ينحدر من نفس الإيدلوجية السياسية للحزب.
يبدو أن سياقات الهزيمة لتحالف الطاولة تشكلت مبكرا، فلا بوصلة سياسية واضحة لها، ولا برنامج انتخابي يخاطب حاجة الأتراك، تحالف حزب الشعب الجمهوري مع أكبر عدو للشعب التركي، تصريحات متناقضة ومتخبطة لقادتها، يتعامل كليجدار أوغلو من منطق الفوقية والعزلة عن واقع مجتمعه، مغازلة الغرب بما يتفق مع رغبته فيما يريد أن تكون عليه تركيا، لذلك أرى أن آفة هزيمة التحالف ستكون من جنس رؤيته السياسية وخلطه للأوراق والخلافات العميقة بين زعماءه، فلم يجتمعوا للتفكير في خدمة الشعب التركي، بل في كيف يُسقطون أردوغان، وهذا لعمري قصور سياسي وطفولة حزبية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس