د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
هل يدعو بشار الأسد بكين للحضور عسكريا وبناء قواعد استراتيجية في سوريا تكون مفتاح توغلها في منطقة الشرق الأوسط على غرار الحضور العسكري الروسي؟ أم أن الذي سيفاوض الصين على عرض من هذا النوع هو اللاعب الروسي وبشكل مباشر من دون الحاجة إلى التنسيق أو إعلام النظام في دمشق بذلك؟ وهل ترغب الصين بخدمة تقدم لها من هذا النوع تمكنها من الانتشار الأمني في سوريا لحماية مصالحها ونفوذها الاقتصادي في الشرق الأوسط؟ وكيف ستكون ردة فعل دول الجوار السوري أولا ثم أميركا والعديد من العواصم الغربية ثانيا؟ وفي النهاية هل بمقدور بكين أن تلعب دورا حياديا في الملف السوري بعد الآن يسهم في فتح الطريق أمام التسويات السياسية بين أطراف النزاع بعيدا عن مواقفها وسياستها حيال النظام في دمشق منذ 13 عاما وحتى اليوم؟
للتذكير أولا ساحة التنسيق الدولي الصيني الروسي في التعامل مع الملف السوري بعد اندلاع الثورة، ومكان الاصطفاف وراء بشار الأسد هو قاعة مجلس الأمن في نيويورك. وأول موعد في المواجهة هو مطلع أيلول 2011، عندما أعلنت بكين وموسكو عن رفضهما لأي تدخل خارجي في سوريا، مع تأكيدهما بالمقابل على ضرورة وقف أعمال العنف واتخاذ الخطوات العاجلة لتحقيق التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الحوار الوطني ومبادرات الإصلاح برعاية الحكومة السورية وبأسرع ما يكون.
أما مطلع شباط 2012 فيعتبر التاريخ واليوم الفاصل والأهم ربما في سياسة الصين وروسيا السورية عندما أحبطا معا في مجلس الأمن الدولي عبر اللجوء إلى حق النقض، مشروع قرار يدعو بشار الاسد للتنحي في أعقاب قصف قوات النظام مدينة حمص. يعرب مندوب المغرب في الجلسة عن عميق أسفه وخيبة أمله إزاء موقف البلدين ويعلن تمسك العواصم العربية بالخطة. يرد بشار الجعفري "الدول التي تحرم النساء من حضور مباراة لكرة القدم ليس لها الحق في الترويج للديمقراطية في سوريا".
المشكلة هي ليست الفيتو الروسي الصيني ضد مشروع القرار ودعم 13 دولة للاقتراح الذي كان يقف إلى جانب خطة للجامعة العربية، يتنازل بموجها الأسد عن السلطة وتبدأ عملية تحول ديمقراطي. أو في ثبات الصين على مواقفها السورية. بل في تشرذم المواقف العربية التي كانت تطالب بتغيير النظام وانطلاق المرحلة الانتقالية في سوريا. هل سنصل اليوم إلى النتيجة نفسها التي وصلنا إليها قبل 11 عاما لو تكرر السيناريو مجددا تحت سقف قاعة مجلس الأمن؟ هو رابع المستحيلات. هل يمكن القول بالمقابل إنه تم إهدار فرص صينية باتجاه المشهد السوري كان من الممكن وقتها الانفتاح عليها والبناء على أسسها وهي تدعو لاحترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، ودعم الحل السياسي التصالحي وتسريع عملية إعادة الإعمار، وهي اليوم بين أولويات العديد من العواصم العربية والإقليمية؟ وهل التحول المهم في سياسة الصين السورية في التنسيق مع الغرب تحت سقف مجلس الأمن لناحية دعم القرار رقم 2165 في حزيران 2014 الداعي لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى المحتاجين، بغضّ النظر عن موقف النظام في دمشق، كان فرصة مهدورة حيال موقف بكين هذا؟
لم نتعامل مع الرسالة الصينية كما ينبغي وقتها وبقي الرهان على تركيا وبعض العواصم العربية والغربية لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ودعم مطلب التغيير في سوريا، فوجدنا بكين ترسل في تموز 2021 وزير خارجيتها وانغ يي إلى دمشق، لتكون الزيارة الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ اندلاع الثورة في سوريا.
لماذا تهتم الصين بالملف السوري؟
بسبب مصالحها التجارية ومشروع طريق الحرير، الذي بات يلتقي مع المشروع العراقي الاستراتيجي في منطقة الفاو. وضرورة حماية خطوط الطاقة والمعابر التجارية بين الجغرافيا الآسيوية والأفريقية والأوروبية والتحكم بطرق الملاحة الدولية وهي كلها ملفات استراتيجية بطابع إقليمي.
من هنا تحتاج بكين إلى الجغرافيا السورية لتكون مركز انطلاق وتموضع سياسي اقتصادي لها في الشرق الأوسط. لكن الذي يقوي موقفها أكثر هو منظومة العلاقات التي بنتها مع دول الجوار السوري بكاملها والتي تحولت إلى مفتاح انتشار لتموضع يزيح النفوذ الغربي بشكل متدرج ومبرمج وليحل هو مكانه. وهنا يبرز التحرك الصيني الجديد باتجاه سوريا والإعلان عن دخول سباق النفوذ الإقليمي عبر النظام في دمشق وبالشراكة مع موسكو وطهران. ما أعقبه كان قبل شهور من خلال توقيع بكين وطهران لاتفاقية شراكة استراتيجية، يراد منها أن تكون متعددة الأهداف والجوانب لتشمل أكثر من لاعب في المنطقة. كيف ستتعامل قوى المعارضة السورية مع التحرك الصيني باتجاه الملف السوري، خصوصا أن بكين تريد مجددا الدخول على خط الوساطة في سوريا عبر كسب الدعم العربي والتركي والإيراني والروسي لها؟ أم ما زال الوقت مبكرا حسب البعض للحديث عن ذلك نتيجة الصمود الأميركي الأوروبي في شرق الفرات؟
عند بحث مسألة قدرات الصين الجديدة في الشرق الأوسط وبالتالي في سوريا، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار انشغال روسيا والغرب بأكثر من ملف إقليمي ودولي وامتلاك بكين لقدرات وفرص ملء هذا الفراغ، ومنظومة العلاقات والعقود والاتفاقيات الاستراتيجية التي وقعتها مع دول المنطقة في الأعوام الأخيرة.
من الصعب جدا تبني مقولة إن الصين تسعى من خلال تعزيز دورها في سوريا إلى محاولة أخذ مكان روسيا أو إيران أو تركيا هناك. لكن ما ستفعله بكين هو حماية مصالحها التجارية وتسريع مبادرة الحزام والطريق، وتأمين طرق نقل بضائعها واحتياجاتها البرية والبحرية عبر معابر وموانئ المنطقة. كانت سوريا بين الساحات النادرة التي تعارضت واصطدمت فيها المصالح الصينية الإقليمية. المشهد يختلف اليوم لناحية العلاقات الصينية مع الكثير من دول المنطقة. فهل يفتح التقارب الصيني العربي والصيني التركي وربما الصيني الإسرائيلي الأبواب أمام دور جديد لبكين باتجاه الحلحلة في سوريا؟
التعامل بواقعية مع الوضع الصيني الجديد ينبغي أن يكون إذن بين الأولويات خلال مناقشة مسار ومستقبل ملف الأزمة السورية. لو لم تكن بكين مهتمة بحماية مصالحها في الشرق الأوسط عبر لعب الورقة السورية لما كانت لجأت إلى التمسك بهذه الورقة على هذا النحو واستخدام حق النقض لصالح النظام 10 مرات كما يردد البعض، ولما كانت ذهبت وراء عقد عشرات الاتفاقيات استراتيجية البعد مع دول المنطقة. من ينتظر من بكين أي تراجع أو تغيير في سياستها السورية لإرضائه يكون كالذي ينتظر الفرج وسط المحيط لتعبر سفينة وتنتشله من ورطته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس