د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
ثبت من نصوص القرآن الكريم، والسُّنَّة النَّبويَّة المطهَّرة، ومرويات عددٍ من الصحابة البدريين: أنَّ الله تعالى ألقى في قلوب الذين كفروا الرُّعب.
قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمنوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الآنفال: 12] ، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران:‑123 - 126].
وأورد البخاريُّ، ومسلمٌ، وأحمد بن حنبل، وغيرهم عدداً من الأحاديث الصَّحيحة الَّتي تشير إلى مشاركة الملائكة في معركة بدرٍ، وقيامهم بضرب المشركين، وقتلهم.(بن حميد، 1998، 1/291)
«إنَّ إمداد الله تعالى للمؤمنين بالملائكة أمر قطعيٌّ ثابتٌ، لاشكَّ فيه، وإنَّ الحكمة من هذا الإمداد تحصيل ما يكون سبباً لانتصار المسلمين، وهذا ما حصل بنزول الملائكة، فقد قاموا بكلِّ ما يمكن أن يكون سبباً لنصر المسلمين، من تبشيرهم بالنَّصر، ومن تثبيتهم بما ألقوه في قلوبهم ؛ من بواعث الأمل في نصرهم ، والنَّشاط في قتالهم، وبما أظهروه لهم من أنَّهم مُعانون من الله تعالى، وأيضاً بما قام به بعضهم من الاشتراك الفعليِّ في القتال، ولاشكَّ: أنَّ هذا الاشتراك الفعليَّ في القتال قوَّى قلوبَهم، وثبَّتهم في القتال، وهذا ما دلَّت عليه الآيات، وصرَّحت به الأحاديث النَّبوية».(زيدان، 1997، 2/131 ، 132)
وقد يسأل سائل: ما الحكمة في إمداد المسلمين بالملائكة، مع أنَّ واحداً من الملائكة كجبريل عليه السَّلام، قادرٌ - بتوفيق الله - على إبادة الكفَّار؟
وقد أجاب الأستاذ عبد الكريم زيدان على ذلك، فقال: لقد مضت سنَّة الله بتدافع الحقِّ، وأهله مع الباطل، وأهله، وأنَّ الغلبة تكون وَفْقاً لسنن الله في الغلبة، والآنتصار، وأنَّ هذا التَّدافع يقع في الأصل بين أهل الجانبين: الحقِّ والباطل، ومن ثمرات التمسُّك بالحقِّ، والقيام بمتطلَّباته أن يحصلوا على عونٍ، وتأييد من الله تعالى بأشكالٍ، وأنواعٍ متعدِّدة من التأييد، والعون، ولكن تبقى المدافعة، والتدافع يجريان وَفْقاً لسنن الله فيهما، وفي نتيجة هذا التَّدافع، فالجهة الأقوى بكلِّ معاني القوَّة اللازمة للغلبة هي الَّتي تغلب، فالإمداد بالملائكة هو بعض ثمرات إيمان تلك العصبة المجاهدة، ذلك الإمداد الَّذي تحقَّق به ما يستلزم الغلبة على العدوِّ، ولكن بقيت الغلبة موقوفةً على ما قدَّمه أولئك المؤمنون في قتالٍ، ومباشرة لأعمال القتال، وتعرُّضهم للقتل، وصمودهم، وثباتهم في الحرب، واستدامة توكُّلهم على الله، واعتمادهم عليه، وثقتهم به، وهذه معانٍ جعلها الله حسب سننه في الحياة أسباباً للغلبة، والنَّصر مع الأسباب الأخرى المادِّية؛ مثل العُدَّة، والعَدد، والاستعداد للحرب، وتعلُّم فنونها ... إلخ، ولهذا فإنَّ الإسلام يدعو المسلمين إلى أن يباشروا بأنفسهم إزهاق الباطل، وقتال المبطلين، وأن يهيئوا الأسباب المادِّيَّة، والإيمانيّة للغلبة والآنتصار، وبأيديهم - إن شاء الله تعالى - ينال المبطلون ما يستحقُّونه من العقاب،( بن حميد، 1998، 2/131 ، 132) قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 14 - 15].
إنَّ نزول الملائكة - عليهم السَّلام - من السَّموات العلا إلى الأرض؛ لنصر المؤمنين حدثٌ عظيمٌ؛ إنَّه قوَّةٌ عظمى، وثباتٌ راسخٌ للمؤمنين؛ حينما يوقنون بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان، وأنَّهم إذا حققوا أسباب النَّصر، واجتنبوا موانعه، فإنَّهم أهلٌ لمدد السَّماء، وهذا الشُّعور يعطيهم جرأةً في مقابلة الأعداء، وإن كان ذلك على سبيل المغامرة، لبُعد التكافؤ المادِّيِّ بين جيش الكفار الكبيرِ عدداً، القويِّ إعداداً، وجيش المؤمنين القليلِ عدداً، الضعيفِ إعداداً.
وهو في الوقت نفسه عاملٌ قويٌّ في تحطيم معنوية الكفَّارِ، وزعزعة يقينهم، وذلك حينما يشيع في صفوفهم احتمال تَكْرَار نزول الملائكة؛ الَّذين شاهدهم بعض الكفَّار عَيَاناً، إنَّهم مهما قدَّروا قوَّة المسلمين، وعددهم؛ فإنَّه سيبقى في وجدانهم رعبٌ مزلزِلٌ من احتمال مشاركة قوىً غير منظورةٍ، لا يعلمون عددها، ولا يقدِّرون مدى قوَّتها، وقد رافق هذا الشُّعورُ المؤمنين في كلِّ حروبهم؛ الَّتي خاضها الصَّحابة رضي الله عنهم في العهد النَّبويِّ، وفي عهد الخلفاء الرَّاشدين، كما رافق بعض المؤمنين بعد ذلك، فكان عاملاً قويّاً في انتصاراتهم المتكرِّرة الحاسمة مع أعدائهم.(الحميدي، 1997، 4/145)
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه/2004م، صص 657-660
ممجموعة مؤلفين، بإشراف صالح بن حميد، عبد الرحمن بن ملوح، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، 1418 – 1998.
عبد العزيز الحميديُّ، التَّاريخ الإسلاميُّ - مواقف وعبرٌ، دار الدَّعوة - الإسكندريَّة، الطَّبعة الأولى، 1418 هـ 1997 م.
عبد الكريم زيدان، المستفاد من قصص القرآن للدَّعوة والدُّعاة مؤسَّسة الرِّسالة، الطَّبعة الأولى 1418 هـ 1997 م.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس