ياسين أقطاي - الجزيرة
أردوغان قائد عظيم. في الدراسات الاجتماعية التي قمت بها حول القيادة في الماضي، انتهيت إلى أن القائد القوي هو أحد أقوى عناصر رأس المال الاجتماعي لأي بلد. وقد كسبت تركيا الكثير من خلال إعادة انتخاب زعيم متمرس وموثوق به مثل أردوغان، الذي حقق نجاحًا كبيرًا لبلاده على مدى 21 عامًا. القيمة التي تضيفها قيادة مثل أردوغان إلى البلاد مهمة للغاية بلا شك، خاصة في بيئة يعاني فيها العالم كله من نقص خطير في القيادة القوية، وقد قدّر الشعب التركي هذه القيمة جيدًا.
معارضو أردوغان لم يخسروا
بانتصار أردوغان، فازت كل عناصر تركيا، مثلما فازوا دائمًا. لقد غطينا هذا بمزيد من التفصيل في مقالتنا الأخيرة. لطالما استفاد الأكراد والعلويون والفئات المحرومة من المجتمع، والغجر، والمعوقون، والفقراء، والمضطهدون، وكل من لديه تفضيلات سياسية أخرى، استفادوا من الخدمات العامة التي يتلقونها من سياسات أردوغان. لا يوجد أحد لم يفز بذلك منذ 21 عامًا، وهذا واضح جدا.
لم يقدم أردوغان نوعا آخر من الوعود في هذه الانتخابات، بغض النظر عن عدم قدرة البعض على قبوله واستهدافه ومؤيديه بخطاب الكراهية، فقد فتح ذراعيه للجميع دون تمييز، وسيستمر في فتحها.
فازت تركيا بإثبات ديمقراطيتها أمام العالم بأسره، من خلال تقديم هذا العرض الجيد. فبين جولتي نتائج الانتخابات، وصل كل صوت تقريبا إلى صاحبه بدقّة "مليمترية". معدلات المشاركة في الجولتين متقاربة جدا، ومقارنة نتائجهما لا تظهر توزيعا عشوائيا للأصوات، بل تظهر دقة بالغة. بعبارة أخرى، يُظهر هذا مدى إصرار الناخبين ووعيهم بما يريدونه، كما يظهر مدى نزاهة نظام فرز الأصوات.
على سبيل المثال، كان هناك تحول كبير في التصويت بين الأكراد، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح. في الجولة الأولى، شعر بعضهم بتهديد خطير، ولا سيما في المناطق الريفية، من احتمال فوز كليجدار أوغلو، وعندما أصبح واضحًا أنه لم يكن قريبًا من الفوز كما كان يُعتقد، شعر نسبة كبيرة من المصوتين الأكراد من التحرر من هذا التهديد وغيّروا اختيارهم في الجولة الثانية. وقد لعب عدد من هذه الأصوات دورا جادا في تشكيل النتيجة بصورتها الأخيرة.
بالطبع، ستخضع هذه النتائج لمزيد من التحليل التفصيلي لبلورة رؤية جديدة عن تركيا وتوجهاتها السياسية.
في النهاية، انتصر أردوغان، ففازت معه تركيا بكل ألوانها وعناصرها، بمن شارك في التصويت ومن لم يصوت، وإلى جانب هؤلاء، انتصر كل المضطهدين في العالم.
نصر مبارك للجميع.
مع انتهاء الانتخابات الرئاسية مساء الأحد 28 مايو/أيار 2023، تجاوزت الديمقراطية التركية عتبة جديدة في تاريخها، وعبّرت عن مستوى مرتفع من النضج الديمقراطي. فمرة أخرى ومع نسبة إقبال تتجاوز 85%، أظهر الشعب التركي أنه الفاعل الحاسم في السياسة بنشاطه ومشاركته النادرة في العالم.
تمّ فرز الأصوات التي أدلى بها ما يقرب من 55 مليون مواطن في 3 ساعات فقط بعد غلق صناديق الاقتراع، ورفعت النتائج على النظام الإلكتروني بكل شفافية أمام أعين العالم، وبحضور جميع الأطراف وتحت إشراف رقابة دولية، مما يجعلها تستعصي على التشكيك في نزاهتها.
هذه صورة تثير الإعجاب والفخر من منظور الديمقراطية التركية، فأردوغان -الذي يسمونه دكتاتورا- لم يحرز النصاب الكافي للفوز في الجولة الأولى، بنقص يقلّ عن 0.5%، فواصل لأسبوعين تاليين تقديم نفسه للجماهير في محاولة لزيادة معدل التصويت له من خلال الوسائل الديمقراطية في الجولة الثانية من الاقتراع.
أحد كتاب النيوزويك الأميركية وصف هذا المشهد بشكل جيد، عندما قال إنه لا يوجد دكتاتور في العالم يجب عليه القيام بذلك. حسنًا، فالدكتاتوريون لا يدخلون جولة تصويت ثانية، ولا يقلقون بشأن نتائج الانتخابات، ولا يجعلونك تترقب النتائج، فهي محددة سلفا. لكن ها هو العالم كله عاش الترقب ليلة أمس، منذ فتح لجان الاقتراع في الصباح وحتى انتهاء فرز البطاقة الأخيرة، ومع ذلك، اعتبارًا من يوم أمس، كانت تركيا بأكملها والعالم بأسره ينتظرون نتائج الانتخابات بفارغ الصبر والقلق من أن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حتى تم فرز بطاقة التصويت الأخيرة.
في النهاية انتصر أردوغان. أو بالأحرى، انتصر مرة أخرى. فهو لم يذق طعم الهزيمة قط في صندوق الاقتراع، ولم يصمد أحد في منافسته، حتى عندما اجتمع معارضوه على طاولة الستة (أو السبعة أو الثمانية) وتحالفوا على مواجهته، فقد استطاع هزيمة هذا التحالف الذي وحّد جميع العناصر السياسية والمعادية للسياسة الوطنية والدولية والقانونية وغير القانونية في "نهائي أسطوري".
هذا الانتصار يذكر بنجاحه عام 2002، عندما استطاع حزبه الذي لم يُمنَح أبدا فرصة وكان محظورا سياسيا، أن يترك جميع الأحزاب دون العتبة الانتخابية التي تتيح لهم دخول البرلمان، وحصل على أغلبية لم يسبق لها مثيل منذ سنوات عديدة. لكل انتخابات قصة، وسياق مختلف، ولكن أردوغان كان هو الفائز دائما.
ابتهاج في العالم الإسلامي
في خطبه خلال الحملة، كرر أردوغان أن نصره لن يكون هزيمة للآخرين، ولم يكن هذا مجرد خطاب دعائي، فلطالما كانت انتصاراته انتصارات لتركيا كلها وللعالم الإسلامي بأسره وللمضطهدين.
ولإظهار أن ما أقوله ليس مبالغة، دعني أتحدث عن حدث أعيشه الآن: فاعتبارًا من الساعة 19:00، عندما جلست لكتابة مقالتي هذه، لم تتوقف مكالمات التهنئة من أنحاء العالم الإسلامي. اتصل بي مهنئون من اليمن وتونس والعراق والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت ومصر والسودان وباكستان وأفغانستان وجزر المالديف والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا وسوريا وفلسطين وصربيا والبوسنة وإريتريا ولبنان، يعبّرون جميعًا عن فرحتهم بعاطفة لا توصف، شاكرين الله.
لمدة أسبوعين، تابعت مجموعات من هذه البلدان تحتشد لصلاة التهجد كل ليلة من أجل نجاح أردوغان. هؤلاء الأشخاص، الذين يشعرون أن مصيرهم مرتبط بمصير أردوغان وتركيا، يشاركون الآن بهواتفهم في كتابة مقالي، حيث أتلقى مكالمتين على الأقل خلال كل جملة أكتبها بشكل لائق إلى حد ما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس