د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

كان الشعب الجزائري عصياً على مناهج المستعمرين، واستخدمت فرنسا كل الوسائل لإذابة الهوية الإسلامية، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً. لقد كتب أحد المسلمين الجزائريين، رسالة إلى الحاكم العام ذات يوم، وهو يعبر عن الشعور الحقيقي لأغلبية الجزائريين حيث قال: إننا نفضل أن نحرق نحن وأطفالنا على أن نصير فرنسيين.

وفي الحقيقة أن الجنرال شانزي الذي تم تعيينه حاكماً على الجزائر سنة (1873م) قد حذر السكان الأوروبيين من غضب وثورة أبناء البلد الأصليين ؛ إذ طلب منهم أن لا يتوسعوا في احتلال أراضي الجزائريين، وقرر أن يعمل على احتفاظ كل فرد بحقه في الملكية، حتى لا يتذمر الناس ويثوروا ويخلقوا الفوضى، لكن الفرنسيين والأوروبيين المقيمين في الجزائر تمكنوا سنة (1887م) من الحصول على قانون يسمح لهم بتقسيم أراضي الأعراش وبيعها لهم بعد تحقيق جزئي تقوم به السلطات المحلية.

وفي بداية القرن العشرين تغير أسلوب النضال، حيث بدأ رجال النخبة في الجزائر يتحركون ويتحالفون ضد إدارة الاحتلال ودسائسها في بلدهم، وذلك على المستوى الوطني، ويرجع الفضل في هذا التنظيم السياسي إلى رجال النخبة ؛ الذين تعلموا في المدارس الفرنسية، وأصبحوا يحسون ويشعرون بانعدام المساواة بين الجزائريين والأوروبيين، وعدم وجود أي تمثيل سياسي لأبناء البلد الأصليين في المجالس المحلية المنتخبة، ولهذا فإن المناضلين بدؤوا في مطلع القرن العشرين ينتهجون سياسة جديدة، ترتكز ليس على مقاومة الغزاة الأجانب بالسلاح فقط، ولكن ترتكز أيضاً على الاتصال والقيام بضغوطات متوالية على حكومة باريس، لإنصاف الجزائريين وتمكينهم من الحصول على مقاعد في البرلمان الفرنسي، والسماح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية والاعتراف بالشخصية الوطنية.

ومنذ (1892م) بدأت حركة الشباب الجزائري تقوم بالاتصالات مع المسؤولين الفرنسيين، وتنقل إليهم هموم المواطن الجزائري، وتقترح عليهم ما ينبغي عمله لإنصافه.

وفي واقع الأمر يمكن أن يقال بأن قادة حركة الشبان الجزائريين كانوا يقومون بنشاط هائل في الميدان الثقافي، وفي المدن الكبرى بالذات ؛ لأنهم كانوا يجيدون اللغة الفرنسية ويختلطون بالمفكرين الفرنسيين، ويدافعون عن مبادئ تتمثل في التقدم والرقي، وحصول الجزائريين على حقوقهم السياسية والاقتصادية.

وفي عام (1904م) أنشؤوا جريدة المشعل، وحاولوا من خلالها نشر أفكارهم، وإظهار التعلق بالشخصية الجزائرية، وذلك مثل حرصهم على التمسك بالقيم الإسلامية والتقاليد الجزائرية، ولكن مواقفهم السياسية، ومعارضتهم العلنية للسياسة الفرنسية ظهرت بوضوح في عام (1908م)، حين صدر مرسوم بتاريخ (17 جويلية 1908م) ينص على إحصاء الشبان الجزائريين الذين بلغوا سن الثامنة عشرة، وذلك بقصد تجنيدهم في الجيش الفرنسي، وقد أثار هذا القرار غيظ وتذمر الجزائريين المسلمين ؛ الذين دأبت السلطات الفرنسية على احتقارهم وتجريدهم من حقوقهم السياسية بدعوى أنهم مسلمون، ولا يتخلون عن دينهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ثم تأتي نفس السلطات وتفرض عليهم في نفس الوقت أن ينخرطوا في جيش هذه الدولة التي تضطهدهم في بلدهم ليدافعوا عن علمها.

وفي شهر (أكتوبر من عام 1908م) قدمت حركة الشبان الجزائريين احتجاجاً إلى الحكومة الفرنسية، على قرارها المتعلق بتجنيد الشباب الجزائري، ودعت إلى إلغائه وعدم قبوله إلا إذا حصل الجزائريون على حقوق أساسية، تتمثل في تعديل قانون الإنديجينا، وإلغاء بعض بنوده وتخفيض العقوبات الواردة فيه، ورفع نسبة التمثيل في الانتخابات المحلية، والمساواة بين المسلمين والأوروبيين.

ورفض الشعب الجزائري التجنيد الإجباري، وهاجر بعضهم إلى خارج البلاد، وأفتى العلماء بعدم جواز الدخول في جيش المحتل، والدفاع عن عَلَمهم ؛ لأن ذلك يعني تسخير الإسلام لخدمة الدولة المسيحية.

وبعثت حركة الشبان الجزائريين بوفد إلى باريس يوم (18 جوان 1912م) وذلك لمقابلة رئيس الحكومة الفرنسية، لحثه على اتخاذ إجراءات سياسية لصالح السكان المسلمين، وطالب وفد الشبان الجزائريين بمنح الجزائريين حقوقاً أساسية، مثل:

ـ إلغاء قانون الإنديجينا.

ـ المساواة في دفع الضرائب.

ـ المساواة في التمثيل السياسي في المجالس المحلية والبرلمان الفرنسي.

وحاولت حركة الشبان الجزائريين الانفتاح على عامة الشعب وطبقاتهم الفقيرة، من الفلاحين وغير المتعلمين، فحرصت القيادة في حركة الشبان الجزائريين على مطالبة فرنسا بتعليم اللغة العربية في المدارس بالإضافة إلى الفرنسية، واحترام الأعياد والشعائر الإسلامية، كما أعلنوا عن تأييدهم للعثمانيين «بصفتهم مسلمين» في حربهم ضد إيطاليا التي احتلت ليبيا، وضد الأوروبيين الذين تامروا على تركيا في البلقان وهزموها، وقد نتج عن تأييدهم لتركيا الإسلامية ودفاعهم عن القيم الإسلامية في الجزائر تأييد شعبي لهذا الموقف، سواء في داخل الجزائر أو خارجها، حيث هب المسلمون في أنحاء العالم الإسلامي للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وطالبوا بأن يتصدى المسلمون للغربيين الذين يتعاونون فيما بينهم للقضاء على الإسلام من خلال قضائهم على تركيا.

واستغل أعضاء حركة الشبان الجزائريين التأييد الشعبي، لتدعيم مكانتهم في داخل الجزائر وخارجها، فقاموا بحملة قوية في جريدة «الحق» ضد الإدارة الفرنسية في الجزائر، وطالبوا في مقالاتهم بإنشاء بنك إسلامي، وإعطاء قروض للفلاحين والتجار ، وإعطاء ضمانات للفلاحين بأن لا يهجّروا من تحريض للسكان الجزائريين على الثورة ضد الأوروبيين في الجزائر، وتم محاربة جهود حركة الشبان الجزائريين من قبل المستوطنين، وقال رئيس بلدية الجزائر ينبغي منع الجزائريين من الحصول على أي تمثيل سياسي ؛ لأن قبولهم في أية هيئة انتخابية يعني خلق وتدعيم حركة وطنية من الشبان ضد الاحتلال الفرنسي.

لا شك أن للشباب دورا محورياً جداً على جميع الأصعدة في دحر المستعمر الفرنسي ، والشباب صنّاع الأمل، وبناة المستقل، ووقود الحضارات، وعليهم اعتمدت الأمم في نهوضهم الحضاري، لما يتمتعون به من طاقات فكرية وجسمية وروحية، لذا إذا أضاعت أيّ أمّة المرحلةَ الشبابية وأهملت هذه الفئة المييزة دون استثمارها والاستفادة منها وتطوريها والارتقاء بها، فإن ذلك سيؤدي إلى تلاشي تلك الأمة وأفول نجم تقدمها وتدهور حضارتها.


المراجع:

الحركة السنوسية، د. علي محمد الصلابي.
كفاح الشعب الجزائري ضد المحتل الفرنسي، علي محمد الصلابي.

عن الكاتب

د. علي محمد الصلّابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس