إحسان أقطاش - يني شفق
دائمًا ما كنا نشير إلى أنه إذا خسر "تحالف الأمة" المعارض في الانتخابات الرئاسية فسوف يبدأ النزاع بين هذه الأحزاب فيما بينها وبين أفراد الحزب الواحد أيضًا، وقد حدث ما توقعناه تمامًا فقد ظهر النزاع واضحًا داخل تحالف المعارضة الذي خسر الانتخابات الرئاسية.
وبالنظر إلى الوضع الراهن يبدو أن حزب الشعب الجمهوري قد تُرك وحيدًا في هزيمته الانتخابية، و لا يزال يعاني من صدمة الهزيمة أيما معاناة، حيث نأى قادة حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأخرى في "تحالف الأمة" المعارض بأنفسهم عن الفشل في الانتخابات وحاولوا إلقاء اللوم بالكامل على زعيم حزب الشعب الجمهوري "كمال كليجدار أوغلو".
وفي الوقت نفسه التزم كل من الأحزاب المنشأة حديثًا وحزب "السعادة" الصمت، فهذه الأحزاب عالقة في معضلة بين العدد الكبير من النواب الذي حصلت عليه مقابل تحالفهم مع حزب الشعب الجمهوري وقاعدة الناخبين التي خسروها، وهم الآن يفكرون فيما يجب عليهم فعله بعد ذلك.
ومن بين أحزاب المعارضة كان الوضع الأصعب من نصيب حزب "الجيد" الذي يحاول تحديد موقف جديد له، تَشكل حزب "الجيد" من أعضاء حزب الحركة القومية الذين انفصلوا عنه، واليوم وبعد أن ترك كبار الكادر المؤسس الحزب إلا أنه لا توجد فرصة للهروب من هويته القومية.
لقد كان حزب "الجيد" يعاني صعوبة كبرة في تحديد منهجه السياسي منذ يوم تأسيسه؛ هل سيكون هذا الحزب حزبًا كماليًا أم حزبًا قوميًا أم سيكون حزبًا يجمع بينهما معًا؟ ولازالت الحيرة في حزب "الجيد" حول هذه القضية مستمرة.
إن المشكلة الأهم التي يواجهها حزب "الجيد" في هذا السياق هي أنه ومنذ تأسيسه لايزال يبدو كحزب تابع لحزب الشعب الجمهوري، إن سياسات حزب الشعب الجمهوري "معدية" على حد تعبير "غوستاف لوبون"، فقد حاولت زعيمة حزب "الجيد" "ميرال أكشنار" ترك طاولة التحالف إلا أنها اضطرت للعودة نتيجة للضغوط، وهذا يكشف المنهج السياسي لحزب الشعب الجمهوري حيث يبيح لنفسه في ممارسة العملية السياسية استخدام جميع الوسائل كممارسة الضغط النفسي والتهديدات السياسية، وحزب "الجيد" شاهد على ذلك فقد عاين هذا من خلال تجربته شخصيًا.
أدى إنشاء تحالف "الطاولة السداسية" المعارض إلى استسلام حزب "الجيد" وحزب السعادة والأحزاب الأخرى المنشأة حديثًا للعملية السياسية التي فرضها حزب الشعب الجمهوري ومنعهم من تطوير سياساتهم الخاصة وكان كل حزب يملك إمكانية الحصول على عدد مهم من الأصوات، لكن فشل تحالف المعارضة في إنتاج السياسة كلف جميع أحزاب المعارضة هذه الأصوات وخاصة حزب "الجيد".
يمكننا تقييم الموقف السياسي لحزب "الجيد" في الأيام الأخيرة بناء على أمرين: الأول هو المؤتمر العام لحزب "الجيد" الذي تم تنظيمه بعد الانتخابات، وقد تابعتُ خطاب "أكشنار" بدقة من البداية إلى النهاية، لم تتطرق "أكشنار" في هذا الخطاب إلى الحديث عن رؤية حزب "الجيد" للمستقبل في السياسة الخارجية والداخلية لتركيا ولا بجملة واحدة.
أما الأمر الثاني فهو اجتماع حزب "الجيد" في مدينة "أفيون"، وقد جذب هذا الاجتماع اهتمام الرأي العام وبدأ تناقل الأسئلة حوله مثل ما إذا كان حزب "الجيد" سيختار موقفه المستقل ويحدد سياسته الخاصة، وعندما انتهى الاجتماع كان الجميع قد أصيب بخيبة أمل مختلطة بالمفاجأة حيث لم يبرز أي خطاب سياسي جديد من الاجتماع، وبتنا مقتنعين أنه لم يتغير شيء في موقف حزب "الجيد"!
ربما كان على حزب "الجيد" أن يقول شيئًا واحدًا فقط منذ في البداية: " لقد انفصلنا عن" تحالف الأمة" وسنشارك في الانتخابات كحزب "الجيد" بشكل مستقل"، لقد وجه المسؤولون في حزب "الجيد" انتقادات حادة وألقوا باللوم في هذه الهزيمة على حزب الشعب الجمهوري ورئيسه "كليجدار أوغلو" وحدهما محاولين أن ينأوا بأنفسهم عن عار الهزيمة.
وكان أكثر ما يثير الانتباه في التصريحات التي أدلت بها "أكشنار" موقفها الجيد تجاه "أكرم إمام أوغلو" و"منصور يافاش" بينما كانت تمطر حزب الشعب الجمهوري بسيل من الانتقادات اللاذعة، يبدو أن "أكشنار" هي أحد أطراف الحملة الموجهة ضد "كليجدار أوغلو".
كما يبدو أن "أكشنار" لا تريد الابتعاد عن المشاركة في سياسة بلدية إسطنبول الكبرى وبلدية أنقرة الكبرى مهما كانت الظروف، حيث يشارك حزب "الجيد" "إمام أوغلو" في إدارة بلدية إسطنبول الكبرى على الرغم من فوز حزب الشعب الجمهوري بها كما تواصل فرق حزب "الجيد" السيطرة على الإدارة المحلية في أنقرة.
وبدلًا من تطوير رؤية سياسية مفيدة لمستقبل تركيا تواصل جميع أحزاب المعارضة بما في ذلك حزب "الجيد" ممارسة السياسة بتطبيق سياسة "معارضة أردوغان" فقط والتي خلق حزب الشعب الجمهوري مفهومها، وهذا بالطبع يشكل أساس الفقر السياسي الذي تعاني منه المعارضة.
وبعبارة أخرى إن حقيقة أن أحزاب المعارضة تمارس السياسة من خلال "معارضة أردوغان" فقط جعلت المعارضة خاوية سياسيًا. ولعل هذا هو السبب الرئيسي للنزاعات داخل الحزب الواحد وبين أحزاب تحالف المعارضة اليوم، وأخيرًا ربما علينا انتظار الكثير من الوقت حتى تتمكن المعارضة من إنتاج السياسة في تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس