ترك برس

استعرض تقرير لموقع الجزيرة نت أبعاد حصول تركيا على قرض من البنك الدولي بقيمة مليار دولار لتأهيل المناطق التي دمرها زلزال 6 فبراير/شباط 2023.

وأشار التقرير إلى أن تركيا حصلت مؤخرا على قرض من البنك الدولي بقيمة مليار دولار، في إطار إعادة تأهيل المناطق التي ضربها زلزال فبراير/شباط 2023، "لكن التوقيت الذي حصلت فيه أنقرة على هذا القرض تزامن مع انطلاق مخاوف بشأن وجود علاقة بين هذا الأمر والتغيرات الجذرية التي تشهدهما السياستان النقدية والمالية في تركيا".

وأوضح أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها تركيا على قرض من البنك الدولي، خاصة بعد أن سددت كامل قروضها لصندوق النقد الدولي في منتصف عام 2013.

فقد منح البنك الدولي تركيا قرضا بقيمة 512.2 مليون دولار في سبتمبر/أيلول 2022 لتعزيز المساكن والبنى التحتية ضد الأخطار الطبيعية والمناخية.

وطرح كاتب التقرير عبد الحافظ الصاوي، التساؤلات التالية: "إذا كانت تركيا لم تعد مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي، منذ عام 2013، فلماذا تحصل على قروض البنك الدولي؟ وما الفرق بين المؤسستين؟ وما المخاطر المترتبة على الاقتراض منهما؟ وما طبيعة الديون الخارجية لتركيا؟".

هل تختلف مهام البنك الدولي عن صندوق النقد؟

يذكر موقع مجموعة البنك الدولي أن عضوية صندوق النقد الدولي تعتبر مقدمة للانضمام والاستفادة من خدمات البنك الدولي، ويبلغ عدد أعضاء البنك الدولي 189 عضوا، وعدد أعضاء صندوق النقد 190 عضوا.

أما عن دور كل من البنك والصندوق فيوضح الموقع أن البنك معني بقضايا الحد من الفقر في الدول النامية وتعزيز الرخاء المشترك، أو ما يسمى بالنمو الاحتوائي الذي يشمل أكبر عدد من المجتمع.

بينما يتركز دور صندوق النقد الدولي في تتبع أداء الاقتصاد العالمي، والدول الأعضاء، ويقدم مساعداته الفنية للدول التي تعاني من مشكلات في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة.

وبالتالي فالقروض التي تقدم من البنك الدولي تكون عادة مرتبطة بوجود مشروعات لدى الدول النامية تشملها الأهداف السابقة، أما صندوق النقد فقروضه مرهونة بعجز ميزان المدفوعات وعجز الموازنة العامة للدولة.

وبشكل عام حتى تستطيع الدول التعامل أو الاستفادة من البنك والصندوق الدوليين، لا بد من الحصول على العضوية أولا، في حين هناك حصص في رؤوس أموال المؤسستين أيضا، على الأعضاء سدادها.

وحسب بيانات التقرير السنوي لصندوق النقد لعام 2022 فقد بلغت قيمة القروض المقدمة منه للدول الأعضاء 113 مليار دولار، منها 9 مليارات دولار لنحو 14 دولة منخفضة الدخل.

أما البنك الدولي فقد ذكر تقريره السنوي عن العام نفسه، أن ارتباطات الاقتراض منه لدول العالم بلغت 86.7 مليار دولار، استحوذت أفريقيا منها على النصيب الأكبر بنحو 38.5 مليار دولار، يليها جنوب آسيا بنحو 13.5 مليار دولار.

ما مزايا وعيوب الاقتراض من البنك والصندوق الدوليين؟

تمتلك مؤسستا البنك والصندوق الدوليين سمعة سيئة، خاصة لدى البلدان النامية والصاعدة، بسبب البرامج التي تقدمها هذه المؤسسات تحت مسمى "الإصلاح الاقتصادي" فغالبا ما تحتوي هذه البرامج على اشتراطات تنال من الأوضاع المعيشية للمجتمعات، ويكون لها انعكاس اجتماعي سلبي، مثل إلغاء الدعم، أو تقليص العمالة الحكومية، وتحرير التجارة، وتحرير سعر الصرف، وتحرير سعر الفائدة، وهي أمور شديدة القسوة.

ومن سلبيات الاقتراض من المؤسستين الدوليتين، الأجندات التي تفرض على السياسات الاقتصادية، سواء تعلق الأمر بالجانب المالي أو النقدي، دون مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

ومنذ أن اتخذت تركيا قرارها بخفض قيمة الليرة ورفع سعر الفائدة، ارتفع معدل التضخم، حتى بلغ أكثر من 58% في نهاية أغسطس/آب الماضي بعد أن كان 38.2% بنهاية يونيو/حزيران الماضي.

واعتبر مراقبون أن تلك السياسات التي مثلت تغيرا كبيرا في التوجهات الاقتصادية التركية بمثابة تهيئة لمزيد من العلاقات بين تركيا المؤسسات المالية الدولية.

وعلى الجانب الآخر، فقروض البنك والصندوق تتمتعان بانخفاض سعر الفائدة مقارنة بغيرهما، سواء في سوق السندات الدولية أو البنوك التجارية أو القروض الثنائية، وعادة ما توجد فترات سماح، وطول الفترة التي تسدد فيها القروض.

ففي قرض تركيا الأخير بقيمة مليار دولار، سوف يسدد على 18 عاما، منها 5 سنوات فترة سماح، وهو ما يعني شروطا من الصعب وجودها في باقي مؤسسات الإقراض الأخرى.

التغيرات الجديدة بالسياستين النقدية والمالية

غير مرة ذكر الرئيس التركي رجب الطيب أردغان أن من أبرز إنجازاته أنه قام بسداد ديون تركيا لصندوق النقد الدولي، وقد منحه ذلك الحرية في تحديد ما يريد من سياسات اقتصادية تخص بلاده.

لكن لجوء تركيا للحصول على قرض من البنك الدولي -وإن كان بسبب أعمال تخص المناطق التي ضربها الزلزال في مطلع فبراير/شباط 2023- قد يكون مقدمة لعودتها -في ظل مشكلاتها الاقتصادية الحالية- إلى التعامل مع المؤسسات المالية الدولية عبر أجنداتها المختلفة.

وتنقل وكالة بلومبيرغ عن مصادر قولها إن البنك الدولي يجري محادثات متقدمة لمضاعفة قروضه لتركيا إلى 35 مليار دولار، للمساعدة على استقرار أكبر اقتصاد غير نفطي في الشرق الأوسط.

وتشمل تعهدات من البنك الدولي بتقديم ما يصل إلى 18 مليار دولار لتمويل مشروعات في تركيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى برامج التمويل الحالية التي تتجاوز قيمتها 17 مليار دولار.

وقبل الإعلان عن قرض المليار دولار من البنك الدولي، اتخذت الحكومة التركية العديد من القرارات الاقتصادية التي تخص السياسية المالية والنقدية، التي يمكن اعتبارها تمهيدا للحصول على موافقة البنك الدولي.

مثل خفض قيمة العملة المحلية بنسبة تصل إلى 35% خلال الفترة من مايو/أيار إلى نهاية أغسطس/آب الماضيين، ورفع سعر الفائدة بمعدلات كبيرة من 8.5% إلى 25%، بجانب رفع معدلات الضرائب بنسبة عالية (ضريبة القيمة المضافة، والضريبة على الوقود التي تم رفعها 3 مرات خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2023).

وقد ترتب على رفع معدلات الضرائب أن حققت الموازنة العامة التركية فائضا بقيمة 1.8 مليار دولار في يوليو/تموز الماضي، وإن كان أداء الموازنة على مدار الشهور السبعة الأولى من العام الجاري أفضى إلى عجز بنحو 16 مليار دولار تقريبا.

ويرجع عجز الموازنة التركية بشكل كبير في الشهور السبعة الأولى للعام الجاري إلى التكلفة العالية التي فرضتها عملية إعادة إعمار المناطق التي ضربها الزلزال في جنوب البلاد، وكذلك العهود التي قطعها الرئيس أردوغان إبان الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بمنح المواطنين العديد من المزايا المادية.

واقع المديونية الخارجية لتركيا

من الأوضاع التي تحتاج إلى إعادة نظر في بنية الاقتصاد التركي، استمرار قضية الدين الخارجي بوضعها الحالي، رغم تراجع هذا الدين في عام 2021 إلى 442 مليار دولار بعد أن كان 450 مليار في عام 2017.

وحسب بيانات تقرير وزارة الخزانة التركية في أبريل/نيسان 2022، فقد بلغ الدين الخارجي 442 مليار دولار، منها 320 مليار دولار ديون طويلة الأجل، و121 مليار دولار ديون قصيرة الأجل.

أما تصنيف الدين ما بين حكومي وقطاع خاص، فلا يزال القطاع الخاص يستحوذ على النصيب الأكبر من قيمة الدين الخارجي، حيث تبلغ حصته 236.6 مليار دولار وبنسبة 53.5% من إجمالي الدين الخارجي.

والجدير بالذكر أن نسبة القطاع الحكومي من الدين الخارجي في عام 2017 كانت بحدود 30.6%، وهو ما يمكن عده مؤشرا سلبيا، لاعتماد الحكومة على تمويل مشروعاتها وما تقدمه من خدمات على الدين بشكل أكبر.

ماذا بعد؟

سؤال مهم يطرح نفسه على غالبية من يهتمون بشأن الاقتصاد التركي، وهو إلى متى يستمر تراجع الليرة التركية، ويستمر رفع سعر الفائدة، ويرتفع معدل التضخم، وتتعمق ظاهرة الدولرة؟

ومتى يحصد المشاركون في النشاط الاقتصادي من مستثمرين وعمال وتجار ومدخرون والقطاع العائلي ثمار السياسات المالية والنقدية الجديدة؟

ووسط هذه الشكوك، تأتي التقييمات الخارجية لتثني على أداء الاقتصاد التركي في ظل السياسات النقدية والمالية الجديدة، فقد رفعت وكالة موديز تقديراتها مطلع سبتمبر/أيلول الجاري بخصوص معدلات النمو من 2.6% إلى 4.2% عام 2023، ومن 2% إلى 3% في عام 2024.

 
 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!