محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس
الاحداث المتلاحقة في منطقة النزاع الاذري الأرميني توحي بتصعيد عنيف وتوسع غير مسبوق في تاريخ النزاع بين البلدين فقد تتدخل أيران هذه المرة كطرف مباشر في النزاع بوقوفها الى جانب يريفان ضد باكو .
أرمينيا التي تحاول جاهدة التخلص من الهيمنة الروسية وضمانة موسكو في الحرب السابقة بتوجهها نحو الغرب الأوربي والامريكي بتثبيت أولى محطاتها في العاصمة الفرنسية باعتبارها الند الحقيقي لتركيا ولروسيا معا ولكن يبدو انها لم تلقى اذنا صاغية من الغرب لأنشغال الأخيرة بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا .
ورغم عدم وضوح الموقف الغربي تجاه يريفان الحيادي ألا انها استنكرت قيام بعض الاطراف الأرمنية في منطقة إقليم قره باغ باجراء انتخابات رئاسية في الإقليم المتنازع عليه ، وانها سوف لن تقف مكتوفة الايدي في حال حصول نزاع مسلح بين الطرفين في منطقة قره باغ .
التدخل االمباشر سيكون من جهة طهران لمساعدة أرمينيا حيث قامت بانشاء مقرا مشتركا مع أرمينيا للجيش في منطقة سيونك وبدات بنشر قواتها على الحدود الاذرية وعلى طول نهر اراس ، كما ان الاتصال الأخير بين الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء الأرميني بانشيان والذي اكد فيه ان زونجزور هو خط احمر لأيران .
أن أيران تحاول جاهدة الإبقاء على حدود لها مع أرمينيا وبنفس الوقت تعتبر ان هذا الممر هو طوق تركي أذري وهما الدولتان الحليفتان القويتان في العالم التركي كما أن سكان المنطقة المحاذية للممرالمذكور في شمال أيرا ن هم من الأغلبية الاذرية وطبعا كما هو معروف أن معظم قادة الجيش الإيراني هم من القومية الاذرية ، وسواء أكانت تلك الحجج مبررات حقيقية لطهران في منع فتح الممر أو كانت تخوفاتها غير مبررة فأن ما يقض مضجعها هو خسارة الحليف الروسي وأنقطاعه عن حدود وتأثير موسكو عبر دولة أرمينيا والتي ستنقطع بفتح ممر زونجزور ، وبنفس الوقت فأن أرمينيا لاتستطيع التخلي عن خطوط النقل التي تربطها بأيران وبذا فأنها ستتلقى ضربة كبيرة جدا لسيادتها .
أن لأيران حسابات كثيرة أخرى تاريخية فقد خسرت الكثير من الأراضي وأبقت فقط على جزء من مملكتها القجارية السابقة بعد معاهدتي كولستان وتركمانجي لصالح الروس عامي 1813 و1828 على التوالي وأصبحت حدودها بمحاذاة نهر أراس .
تركيا تراقب تحركات طهران الداعمة لأرمينيا وتراقب أيضا تحشداتها العسكرية على طول نهر أراس حسب ماتتناقلته وكالات الانباء مثلما تراقب التحركات الارمينية والتحشيد العسكري الأرميني في منطقة النزاع بعد دخولها الحرب الأخيرة الى جانب الاذريين بصورة غير مباشرة ، وتعتبر ان تلك التحشدات ودقات طبول الحرب أولى علامات التنصل من الاتفاقية التي وقعت بعد موافقة الاذريين على وقف اطلاق النار بعد ان نصبت موسكو نفسها الضامن للتوقيع على الاتفاقية والتي تسمح بفتح ممر زنجزور .
لتركيا مصلحة أستراتيجية قومية مثلما لها مصلحة أقتصادية في تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الأرمن والاذريين بعد حرب الأسابيع الأخيرة فالمصلحة القومية هي ربط العالم التركي بعضه ببعض وخصوصا بعد أنشاء المجموعة بمساعدتها ، واما المصلحة الاستراتيجية فهي ان تصبح تركيا نقطة الوصل بين الشرق و الغرب الأوربي عبر طرق المواصلات التاريخية والدولية اما مايتعلق بالمصلحة الاقتصادية فهو ضمان وصول المنتجات منها واليها بصورة مباشرة من الدول الشرقية دون المرور بالاراضي الإيرانية وبذا تتخلص من العوائد الكمركية ، أو ربما تنجح في نقل الغاز من تركمانستان اليها مباشرة –وخصوصا بعد ان رفضت أيران أيصال الغاز التركمانستاني عبر أراضيها لتركيا سابقا ، ومن الجدير بالذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرح في منتصف شهر يوليو بأن أرمينيا لاتمانع بفتح الممر وأن أيران هي سبب المشكلة .
ومن ما نستنتجه من هذا التصريح للرئيس التركي أن العلاقات التركية الإيرانية لم تكن في يوم من الأيام علاقات تميزها الحرية الكاملة في تحركاتهما بصورة مفردة كل على حدة في محيطهما الإقليمي بل كانت علاقات تنافسية في علاقاتهما مع دول الجوار وهما سليلتا أمراطوريتين عظيمتين في الشرق – سواء أكانت تحركاتهما في القوقاز أو في منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية ، وأن اختلاف مذهبي سكان البلدين رغم كونهما دولتان مسلمتان قد زاد في عمق تنافسهما او خلافاتهما أن صح التعبير .
تركيا تحاول من جهتها قدر الإمكان تقليل المخاوف الإيرانية من مسألة التباين في القومية مثلما تحاول تعميق الرابطة الإسلامية دون الالتفات الى الاختلاف المذهبي كعائق في تطوير العلاقات ، وهذا ماتخشاه أيران لأنها تحاول أستغلال الفكر الشيعي كحاملة لزيادة توسعاتها في المحيط الإقليمي .
أن أيران التي تخشى تماما من تواصل الاذريين في بلدهم الأصلي أذربيجان مع أبناء قوميتهم في شمال أيران والبالغ عددهم اكثر من خمسة عشر مليون اذري بنسبة 17% من مجموع سكان أيران ، هذا التواصل ربما سيؤدي مستقبلا الى قيام حركات تطالب بالانضمام الى الدولة الام .
تركيا من جانبها تدرك أن المعاهدة السابقة بين باكو ويريفان هي معاهدة بين طرفين ولادخل لأيران بها ، وان الضامن الروسي للمعاهدة لايستطيع التنصل منها لأن علاقاتها مع انقرة هي علاقات مصيرية غير ممكن تجاهل أهميتها في هذا الظرف الصعب بالنسبة لها وهي داخلة بحرب مع الغرب بصورة عامة في ساحة أوكرانيا ، والروس يدركون تماما أن في حالة تجدد النزاع في القوقاز وجنوبها قد تكون مصيدة أخرى لها من قبل الغرب وأن الخلافات المستجدة بين موسكو وبين يريفان باب واسع لأوربا لاحتضان أرمينيا مجددا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس