أحمد إشجان - عربي بوست
أعلن عمدة مدينة أنطاليا التركية، مهتين بوجيك، أن الدورة الستين لمهرجان البرتقالة الذهبية السينمائي، التي كان من المقرر عقدها في الفترة من 7 إلى 14 أكتوبر/تشرين الأول، قد أُلغِيَت. كان المهرجان يسبب جدلاً لبعض الوقت. يحكي الفيلم الوثائقي "The Decree- المرسوم"، للمخرجة نجلاء ديميرجي، والذي كان ضمن اختيار الأفلام الوثائقية للمهرجان، قصة ياسمين ديميرجي (أخت المخرجة)، وهي طبيبة، وإنجين قاراطاش، وهو مدرس، اللذين فُصِلا من وظيفتيهما بمرسومٍ صدر بعد محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز.
من هذه الزاوية، يقدم الفيلم الوثائقي للجمهور ما يسمى بعملية حساب الدولة، من خلال التركيز على الظلم الذي يزعمون أنهم عانوا منه، من موقف الدولة في معركتها الشرسة ضد منظمة غولن بعد 15 يوليو/تموز. للوهلة الأولى، فإن اللوم الذي يوجهه الفيلم للدولة على محاكمات منظمة غولن الإرهابية، وهو موضوع لا تزال تركيا حساسة للغاية تجاهه، يكشف بوضوح الغضب الذي يمكن أن يسببه الفيلم الوثائقي.
كان مدير المهرجان قد استبعد الفيلم الوثائقي لأول مرة من المهرجان على أساس أن ياسمين ديميرجي أحد الشخصين اللذين أُنهِيَت خدمتهما المدنية بموجب مرسوم قانوني، لا يزال أمام المحكمة. وبعد استقالة أعضاء لجنة تحكيم المهرجان وانسحاب مجموعة من المخرجين، من بينهم مخرجون مشهورون مثل زكي ديميركوبوز، عاد الفيلم الوثائقي إلى المهرجان. وفي أعقاب ذلك، سحبت وزارة الثقافة والسياحة التركية ووزارة الشباب والرياضة دعمهما للمهرجان بسبب "استخدام الفن كعنصر استفزازي"، و"الدعاية لمنظمة غولن الإرهابية من خلال تصويرها في دور الضحية". وأخيراً، أعلن عمدة مدينة أنطاليا إلغاء المهرجان، مشيراً إلى عدم كفاءة مدير المهرجان.
كل هذه العمليات كانت لها تداعيات خطيرة، خاصةً على وسائل التواصل الاجتماعي. أجبر قطاعٌ من المجتمع لجنة التحكيم وأفلام أخرى في المهرجان على دعم الفيلم الوثائقي "المرسوم"، على اعتبار أنه يدافع عن حرية الفن. ودافع الجزء الآخر من المجتمع عن فكرة أن الدعوة إلى الإرهاب لا يمكن أن يُسمَح بها بأي وسيلة، إذاً مَن المستفيد من عملية الاستقطاب هذه؟
تُعَد منظمة فتح الله غولن منظمةً إرهابية، عادةً ما اعتمدت استخدام جميع أنواع الفوضى لصالحها، مثلما قامت بذلك عندما تسلَّلت إلى مناصب مهمة في الدولة. العملية التي بدأت بقرار عرض الفيلم الوثائقي "المرسوم" في مهرجان أنطاليا السينمائي خلقت أرضية مناسبة جداً لأنصار منظمة غولن لإطلاق الدعاية التي تفيد بأن "الناس يقعون ضحايا للمراسيم القانونية". في الواقع، تشتهر هذه المنظمة بتعكير المياه. نشرت حسابات لأنصار هذه المنظمة على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من المعلومات المضللة التي لا علاقة لها بالواقع. لم يكن معظم الناس على علم بأن هذا التضليل المعلوماتي، الذي شاركوه دون البحث عن مصدره، كان مصدره منظمة غولن الإرهابية. وقام بعضهم بنشر دعاية منظمة فتح الله عمداً.
منذ أن قُيِّدَت أيدي منظمة غولن الإرهابية في تركيا، ظلت تخوض في "دور الضحية" من خلال الأفلام والأفلام الوثائقية ومحتوى يوتيوب ومنصة إكس. على سبيل المثال، يعد الفيلم الوثائقي الدعائي لمنظمة غولن بعنوان "Blue Bus- الحافلة الزرقاء"، والذي صدر العام الماضي وتسبب في اضطرابٍ آخر، أحد هذه الأفلام الوثائقية. إنهم يحاولون إثارة صدى لدى الجمهور من خلال تصوير الناس الذين دمروا حياتهم من خلال تجنيدهم في منظمتهم، كما لو أن الدولة هي التي دمرتهم.
وكما فعلوا من قبل، فإنهم يحاولون أولاً كسب قلوب الجمهور، ومع ذلك أصبح من المستحيل عليهم الآن القيام بذلك من خلال الكشف عن أنفسهم علانية. في واقع الأمر، هناك مشاعر جدية مناهضة لمنظمة غولن في جميع شرائح المجتمع في تركيا، لا يمكن للمحتوى الذي يُعرف بأن مصدره هو منظمة غولن أن يكون له أي صدى في المجتمع، ولهذا السبب يحاول عناصر تنظيم غولن توحيد الجبهة المناهضة للحكومة من خلال ما يسمى بالمنشورات "الموضوعية" دون الكشف عن هوياتهم كما اعتادوا.
شهدت الجمهورية التركية حدثاً خطيراً، وهو محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز. إن معركة الدولة ضد منظمة فتح الله غولن، والتي بدأت قبل فترة طويلة من محاولة الانقلاب، لا تزال مستمرة بثبات حتى اليوم، وقد هُزِمَت هذه المنظمة بصورةٍ لا رجعة فيها. بيد أن علاقة المنظمة مع القوى الكبرى على الساحة الدولية وانتشارها في العديد من الدول وبنيتها العميقة هي من العوامل التي تجعل مكافحة هذا التنظيم الإرهابي صعبة.
من متطلبات الدولة أن تسحب وزارات الجمهورية التركية دعمها للمهرجان الذي يُعرَض فيه فيلم وثائقي بأيدي منظمة غولن الإرهابية، بوعي أو غير وعي. إن فيلماً وثائقياً يدعم الإرهاب بوضوح بصورةٍ أو بأخرى لا يمكن أن تعتبره الدولة صناعةً للفن، أو حريةً في التعبير، أو حقاً للبث دون رقابة، على الدولة واجبات تأتي قبل الفن، ومن أهم هذه الواجبات حماية الشعب.
وفي الواقع، من وجهة نظر هوبز، فإن الشرط الأول لتنظيم الدولة هو أن تضمن الدولة توفير الأمن للمجتمع، أي تحميه، مقابل تنازل المجتمع عن بعض الحريات. وعلى نحو مماثل يمنح ميثاق الأمم المتحدة الدول مسؤولية حماية سكانها، لقد استهدفت منظمة غولن جيش الأمة التركية وبرلمانها وشعبها، وفي الحرب ضدها لا تزال العديد من الأدوات تُستخدَم في العديد من المناطق التي تسلَّلت إليها هذه المنظمة الإرهابية، والمراسيم القانونية هي إحدى هذه الأدوات.
وفي الوقت الذي تتواجد فيه عناصر منظمة فتح الله في كل مكان، وينشرون المعلومات بسرعة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، فقد سبقت الرئاسة منظمة غولن، التي لا تزال موجودة في الدولة وحول مؤسسات الدولة، من خلال إصدار قوانين سريعة وفعالة من خلال المراسيم، وبهذه الطريقة كُشِفَ عن الآلاف من أعضاء منظمة غولن ومثلوا أمام القانون.
في الختام، فإن مهرجان البرتقالة الذهبية السينمائي، الذي تجري مناقشته في تركيا اليوم، يحمل معاني تتجاوز أي نقاش فني، لا يمكن ممارسة حرية التعبير إلا من دون اغتصاب حقوق الآخرين، لكننا هنا نتحدث عن الدعاية الواعية أو غير الواعية لمنظمة إرهابية استهدفت حياة الناس وممتلكاتهم ونمط حياتهم. ولذلك، فإن منظمة فتح الله الإرهابية، التي وجدت مساحة مفتوحة لنفسها في مجال يعتبر "منبوذاً" مثل الفن، تهدف إلى إثارة الرأي العام من خلال تأجيج هذا الوضع عن طريق أفرادها في وسائل الإعلام وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. وقامت مصادر منظمة غولن الإرهابية بممارسة ضغوط مختلفة على المخرجين الآخرين المشاركين في المهرجان، من أجل "الوقوف ضد الرقابة"، واتهمت الدولة بأنها تتخذ موقفاً ضد الفن والمجتمع، من خلال مطالبتها المخرجين بسحب تأييدهم للفيلم وإلغاء مهرجان البرتقالة الذهبية السينمائي. لقد اتخذ الرئيس أردوغان ووزير الثقافة والسياحة موقفاً واضحاً ضد هذا الوضع، ورفضا التنازل عن تصريحاتهما، وقد لاقى ذلك استحساناً من المجتمع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس