ترك برس
رأى الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش، أن تنظيم "حزب العمّال الكردستاني" (PKK) - المصنف في قوائم الإرهاب والذي تحاربه تركيا - يجد نفسه محاصراً بشكل متزايد في دائرة من الاستنزاف العسكري والظروف الإقليمية والدولية المتغيّرة.
وقال الكاتب في مقال بصحيفة العربي الجديد أن التنظيم أراد من الاعتداء الإرهابي المسلح، الذي نفذه على مقر مديرية الأمن في أنقرة مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، "إرسال رسالة قوية إلى الدولة التركية بأنه لا يزال قادراً على إعادة إشعال تمرّده الداخلي مرّة أخرى وإرباك الوضع الأمني. مع ذلك، تُظهر الرسالة المأزق الكبير الذي يواجه التنظيم بقدر أكبر من قدرته على استعراض القوة".
وأضاف: "مع فشله في إحداث الصدمة الأمنية الكبيرة التي خطّط لها في الهجوم الأول والخسائر المتزايدة التي يتكبّدها منذ سنوات على مستوى القادة البارزين والأفراد بسبب الهجمات التركية على قواعده في شمال العراق، وخسارة رهانه على دعم مرشّح المعارضة التركية للرئاسة كمال كلجدار أوغلو في انتخابات مايو/ أيار الماضية لإطاحة حكم الرئيس أردوغان، والضغوط المتزايدة التي تمارسها تركيا على الدول الغربية لتقييد نشاط التنظيم على أراضيها وإنهاء دعمها فرعه السوري، وحدات حماية الشعب الكردية، فإن قدرة حزب العمّال الكردستاني على إعادة تشكيله صراعه مع تركيا بالطريقة التي فعلها خلال العقود الماضية، وفي التأثير الفعال على ديناميكية السياسة الداخلية التركية، تقوّضت إلى حد كبير".
وتابع علوش: "من جانب، فقد التنظيم جانباً كبيراً من القدرات اللوجستية والعسكرية التي كان يتمتّع بها بين بداية التمرد في ثمانينيات القرن الماضي وعملية السلام التي دخلها مع الدولة التركية في عام 2013. مع استثناء الفترة بين 2015 و2017، التي شهدت ذروة الاعتداءات الدموية التي نفذها داخل تركيا بعد انهيار عملية السلام، فإن قدرة الحزب على شنّ موجات غير متقطعة من الهجمات الدموية داخل تركيا تقلًصت بشكل واضح. منذ آخر هجوم دموي شنّه التنظيم في مدينة إزمير الساحلية في يناير/ كانون الثاني عام 2017، لم يتمكّن من شن اعتداء مماثل.
ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الخبرة الواسعة التي اكتسبتها الدولة التركية في اكتشاف خلايا التنظيم في الداخل، واستهداف القادة المسؤولين عن التجنيد وتشكيل الخلايا انطلاقاً من قواعده في جبال قنديل، شمالي العراق. إلى جانب دور الوجود العسكري التركي في شمال العراق في تقويض قدرة قادة التنظيم في جبال قنديل على العمل، فإن إدخال تركيا سلاح الطائرات المسيّرة المؤثر ساهم بشكلٍ فعّال في استنزاف التنظيم، مع التقليل بشكل كبير من الخسائر العسكرية للجيش التركي".
وأوضح أن "من جانب آخر، أصبح حزب العمّال أقلّ قدرة على توفير بيئة قوية حاضنة له بين أكراد تركيا لدعم تمرّده، لأن كثيرين منهم فضّلوا بشكل متزايد الانخراط في الحياة السياسية التركية للتعبير عن تطلعاتهم. ومع أن الحزب استطاع خلال العقد الماضي ممارسة تأثير على ديناميكية السياسة الداخلية التركية من خلال نفوذه على حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي تمكّن من دخول البرلمان للمرّة الأولى منتصف العقد الماضي، إلآّ أنّه فشل عموماً في توظيف هذه الحالة لدعم مشروعه الانفصالي".
وبحسب الكاتب، أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار الماضي "الحدود الضيقة لتأثير حزب العمّال في المعادلة السياسية الداخلية. لقد دعا صراحة الناخبين الأكراد إلى التصويت لصالح المرشّح الرئاسي للمعارضة. كما أعلن وقف عملياته العسكرية في تركيا في فترة الانتخابات، على أمل أن يُساعد ذلك المعارضة في تعظيم فرصها لإطاحة أردوغان، وبالتالي، إيجاد آفاق جديدة أمام الحالتين السياسية والعسكرية الكردية، لإعادة طرح مسألة الحكم الذاتي في المناطق ذات الغالبية الكردية، والإفراج عن زعيم التنظيم المسجون في السجون التركية عبد الله أوجلان. عكست نتائج انتخابات مايو مأزقاً مُتعدّد الأوجه لحزب العمّال الكردستاني. علاوة على فشل رهانه على المعارضة، فإن نسبة المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي تراجعت بنحو 3%".
ولفت إلى أنه "بالتوازي مع ذلك، تمدّد مأزق حزب العمال الكردستاني إلى المناطق التي ينشط فيها خارج حدود تركيا. في شمال العراق، كرّست تركيا وجودها العسكري الذي قلًص قدرة التنظيم على العمل بحرية. كما عمّقت من تعاونها الاستخباراتي مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ضد التنظيم. مع ذلك، لا يزال يحظى بهامشٍ واسعٍ من الحركة في المناطق التي يُهيمن عليها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. لكنّ تكلفة هذه الحركة أصبحت باهظةً بشكل متزايد على إقليم كردستان العراق عموماً، وعلى حزب الاتحاد الوطني خصوصا".
وأردف علوش: "في الأشهر الأخيرة، رفعت تركيا من وتيرة استهدافها قادة التنظيم في مناطق الاتحاد الوطني، كما أوقفت الرحلات الجوية من مطار السليمانية باتجاه تركيا، ما يزيد من الضغوط على "الاتحاد الوطني الكردستاني" وحاضنته الشعبية. وفي سورية، تتعاظم مخاطر انهيار الإدارة الذاتية للوحدات الكردية بفعل ضغط تركيا العسكري، والشكوك المحيطة بمستقبل الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سورية. نتيجة لذلك، يجد "العمّال الكردستاني" نفسه محاصراً بشكل متزايد في دائرة من الاستنزاف العسكري والظروف الإقليمية والدولية المتغيّرة التي لم تعد تُساعده في فرض قواعد جديدة لصراعه مع تركيا.
قد يرى التنظيم أن العودة إلى تنشيط نهج العنف ضد الدولة التركية هي السبيل الوحيد للخروج من هذه الدائرة، لكنّه لم يعد بمقدوره عكس التحوّلات الكبيرة التي أحدثتها تركيا في صراعها معه في الداخل والخارج منذ انهيار عملية السلام. كما أن حقيقة أن الحرب الروسية الأوكرانية وما وفّرته من ورقة قوية لتركيا لممارسة ضغوط على الغرب لتبنّي نهج صارم ضد حزب العمّال وفرعه السوري الوحدات الكردية، تُعمّق من مأزق التنظيم. إن عودة الحزب إلى نهج العنف في داخل تركيا، مع فقدانه القدرة على إحداث الصدمات الأمنية والسياسية، لن تؤدّي سوى إلى مزيد من الضعف، ودفع مزيد من أكراد تركيا والمنطقة إلى نبذه".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!