ترك برس
رأى الكاتب والأكاديمي التركي جلال الدين دوران، إن الحرب الشاملة التي تشنها تركيا على الإرهاب منذ سنوات كثيرة رفعت من مستواها بشكل كبير، لتجعل منها نموذجاً عالمياً في الحرب على الإرهاب.
وقال دوران في مقال بموقع TRT عربي إنّ العمل الإرهابي الذي وقع في العاصمة أنقرة يُمكن اعتباره "أول عمل إرهابي يستهدف الدولة والحكومة بشكل مباشر في وسط المدينة بعد الانتخابات".
وأشار إلى أن إفشال هذه العملية كان من الأهمية بمكان، "بحيث إنّ نجاحها كان يمكن أن يتسبّب في خسائر جمّة في المدينة، مثلما حدث في السنوات الماضية".
وبحسب الكاتب، فإن طريقة التنفيذ وموقع العملية وتوقيتها، كلها تستهدف بشكل مباشر الإرادة السياسية والوحدات الأمنية، وفي هذا السياق "يمكنني توضيح المغزى من هذا الاستهداف وطبيعة ردّ الحكومة عليه".
وأضاف: "لقد ظلّت تركيا ولسنوات كثيرة تحارب الإرهاب على الأصعدة كافة، فالحرب الشاملة على الإرهاب لسنوات كثيرة ضدّ كل من تنظيمات "PKK"، و"داعش"، و"غولن" الإرهابية، رفعت من مستوى تركيا بشكل كبير في هذا الصدد، لتجعل منها نموذجاً عالمياً في الحرب على الإرهاب.
ورغم أنّ العملية التي نُفذّت أمام المديرية العامة للأمن في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري تبدو كأنّها من أعمال تنظيم "PKK" الإرهابي، فإنّ تنفيذ تلك العملية بتعاون بين مجموعات إرهابية أخرى يبدو احتمالاً قوياً.
وبالعودة للوراء قليلاً لمرحلة الانتخابات، نذكر كيف كان التعاون بين تنظيمَي غولن (فيتو) و"PKK" الإرهابيَّين في صناعة الدعاية وكيف تمركزا في خانة سياسية واحدة.
لقد كانت تركيا على دراية بالتعاون بين التنظيمَين الإرهابيَّين، وقد بات جلياً الآن أنّ لهذا التعاون تاريخاً بعيداً، بل يمكننا القول إنّ هذا الهجوم الإرهابي إنّما هو أيضاً حصيلة ذلك التعاون الإرهابي".
وتابع: "إنّ مواصلة السيد علي يرلي كايا -الذي تولّى وزارة الداخلية في التشكيلة الحكومية الجديدة- الحرب على الإرهاب دونما إبطاء، وإصرار تركيا على القضاء على منتسبي تنظيم "PKK" الإرهابي حتى آخرهم في البلاد، قد تحول لسياسة استنزفت آمال التنظيم، ولذا يحاول التنظيم الإرهابي بمثل هذه العمليات تصفية الحسابات أو استعادة قوته.
وعلى صعيد آخر، فإنّ الموقف الواضح الذي تتبناه الحكومة التركية ضد تنظيم "PYD" الإرهابي على الحدود الجنوبية، ورفضها القاطع في الساحة الدولية السماح بتكوين دولة في المنطقة، إنّما ينبئ بدنوّ نهاية الطريق بين تنظيمَي "PKK" و"PYD" الإرهابيَّين على المديين القصير والمتوسط.
مكافحة تركيا ضدّ الإرهاب
إنّ محاربة تركيا الإرهاب مستمرة وليست رهينة أي حدث، فالمكافحة ضدّ تنظيم "غولن" الإرهابي في الداخل ماضية على الأصعدة كافة؛ القانوني والقانون الدولي والأمني، حيث تواصل تركيا مسيرة الكفاح في الداخل بثبات من خلال أجهزة الأمن والقضاء، فكل يوم تكشف تركيا عن خلية جديدة أو هيكل سرّي تابع لتنظيم غولن الإرهابي (فيتو)، ومن هنا يبرز بوضوح عزم تركيا على المضيّ قدماً بقوة نحو المستقبل.
ولا تزال العملية الدبلوماسية جارية مع الكثير من الدول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا، فيما يتعلق برفع الحماية عن أعضاء تنظيم "غولن" الإرهابي وأنشطتهم هناك، كما أنّ العملية نفسها مستمرة فيما يتعلق بتنظيمَي "PKK" و"PYD" الإرهابيَّين.
إنّ تنظيم "PKK" الإرهابي بات في مأزق في كلٍّ من تركيا والعراق، حيث تدعم أنقرة والرياض وبغداد والدوحة وأبوظبي انتقالاً لنظام أكثر استقراراً في العراق، وهو ما يضع التنظيم أمام طريق مسدود، إذ يبحث تنظيما "PKK" و"PYD" الإرهابيَّين عن مخرج من هذا المأزق بدعم من أمريكا.
وعلى صعيد آخر، فإنّ العمليات العسكرية والأمنية تجري على قدم وساق ضدّ التنظيم داخل تركيا، ولم يبقَ جبل أو منطقة في البلاد يحتلها عناصر التنظيم الإرهابي، وفوق ذلك تواصل عملياتها العسكرية ضدّهم خارج الحدود من دون أي تراجع.
وعلى صعيد المفاوضات مع أمريكا، فقد أعربت تركيا في كل فرصة عن خطوطها الحمراء المتمثلة في أمن حدودها، ووحدة أراضيها، والحرب على الإرهاب. وفي حال ازدادت عمليات التنظيمَين الإرهابيَّين داخل تركيا، فلا شك أنّه ستعقبها عمليات عسكرية ضدّهم في منطقة الحدود، وقد أظهرت التجارب السابقة أنّ تركيا قادرة على تنفيذ عمليات من دون تقديم أي تنازلات بشأن أمنها الداخلي وأمن حدودها.
تتمتع تركيا بالخبرة، بحيث لا تصدر ردّات فعل عاطفية إزاء تلك العمليات، ولا تُجري أي تغييرات على سياساتها وخططها بشأن مكافحة الإرهاب، وقد كشفت السلطات التركية عن مدبري العملية، واعتقلت عدداً من الأشخاص المشتبه بهم.
وشهدت الأيام الأخيرة عمليات مكثفة للقوات التركية ضدّ تنظيمَي "PKK" و"PYD" الإرهابيَّين، واستهدفت مواقع كثيرة للإرهابيين شمال العراق، وذلك لأنّ للمرحلة الراهنة بُعداً آخر يتمثل بازدياد تصفية الحسابات الداخلية في صفوف "PKK" وتنظيم "غولن" الإرهابيَّين على أثر هزيمتهم في الانتخابات.
تصدّع التنظيمات الإرهابية
لقد علق تنظيم "PKK" الإرهابي بين خيارَي السلاح والسياسة وعاش انقساماً فكرياً، وأما تنظيم "غولن" الإرهابي فلم يعد باستطاعته السيطرة على قاعدته.
وأرى أنّ تصفية الحسابات الداخلية هي تعبير عن رغبة الجناح المسلّح في الجبال في قمع الجناح السياسي للتنظيم.
تؤثر الانتخابات ونتائجها على توازن القوى داخل التنظيمات الإرهابية، فعندما أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز الرئيس أردوغان، تسبّب ذلك في اختلال التوازنات داخل كل من تنظيمَي "غولن" و"PKK" الإرهابيَّين".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!