إسماعيل ياشا - عربي21
تستمر عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الجاري، كما يواصل الجيش الإسرائيلي قصف الأحياء السكنية والمستشفيات، وارتكاب المجازر في قطاع غزة، في ظل جهود دبلوماسية تبذلها بعض الدول لإعلان وقف إطلاق النار، وفتح ممر إنساني لإدخال مساعدات عاجلة إلى القطاع.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان أكد قبل أيام أنه لا مجال لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية. وكان أردوغان سبق أن أطلق مثل هذه التصريحات في السنوات السابقة ليلفت الأنظار إلى أن أصل المشكلة هو الاحتلال وعدم تطبيق إسرائيل قرارات الأمم المتحدة.
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان هو الآخر يشدد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المصري سامح شكري خلال زيارته للقاهرة، إن تركيا ومصر تؤكدان أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هي الحل الوحيد المقبول للأزمة.
الحديث في هذا التوقيت عن حل الدولتين وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة لإحلال السلام في المنطقة ليس واقعيا، كما أنه يبدو هروبا من تحمل المسؤولية، وتخفيف وجع مشاهد المجازر المروعة يوميا، ومحاولة لإخفاء عجز العالم الإسلامي برمته عن وقف العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة؛ لأن الأولوية العاجلة الآن هي وقف المجازر الدموية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع وتزداد وحشيتها يوما بعد يوم.
إسرائيل لا تلتزم بقرارات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، في ظل حماية الولايات المتحدة التي تحول دون صدور أي قرار ضد الاحتلال من مجلس الأمن من خلال استخدام الفيتو. وبعبارة أخرى، إن إجبار إسرائيل على الانسحاب إلى حدود 1967 لإقامة دولة فلسطينية عبر الأمم المتحدة ضرب من الخيال في النظام العالمي الراهن.
تركيا تطرح فكرة نظام يكون فيه ضامنون للأطراف من أجل إحلال السلام، كما ذكر فيدان في مقابلة أجراها، مساء الاثنين، مع ممثلي وسائل الإعلام التركية. وأعلن وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا، بعد مجزرة مستشفى المعمداني، عن استعداد بلاده لتقديم الخدمات الصحية لسكان القطاع. إلا أن كافة الأفكار والمقترحات التي لا تخدم أجندة الاحتلال وأهدافه تصطدم بالرفض الإسرائيلي المدعوم من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. ولذلك، يجب أولا إيجاد آلية لتجاوز الحصانة غير المحدودة التي تتمتع بها إسرائيل، كي تكون تلك الأفكار والمقترحات قابلة للتطبيق.
الاحتلال يسعى منذ سنين إلى فرض أمر واقع على الأرض من خلال عملية التهويد وتوسيع الاستيطان في القدس والضفة الغربية، ليجعل حل الدولتين والانسحاب إلى حدود 1967 أمرا غير ممكن. وهو ما أكده نتنياهو حين قال بأن الظروف تغيرت، ولا يمكن تطبيق القرارات القديمة التي صدرت من الأمم المتحدة قبل عقود. كما أن المحتلين يستعدون للذهاب إلى أبعد من ذلك، كتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وهدم قبة الصخرة لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضها، في ظل تصاعد نفوذ الجماعات اليهودية المتطرفة في مجتمع إسرائيل وكنيستها وحكومتها. وبالتالي، لا يمكن بأي حال أن تقبل إسرائيل أن تتخلى عن القدس الشرقية بما فيها المسجد الأقصى من خلال المفاوضات والطرق السلمية، أو قرارات مجلس الأمن الذي تستخدم الولايات المتحدة فيه حق الفيتو إن كان القرار ضد إسرائيل.
وزير الخارجية التركي لفت الأنظار إلى نقطة مهمة، وهي أن الاحتلال الصهيوني يسمي جرائمه بأسماء مختلفة للتغطية عليها. وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة اللبنانية بيروت: "تحتلون أرض شخص، وتأتون بشخص آخر وتضعونه مكانه، ثم تجدون له اسما، وتطلقون عليه (وصف) مستوطن.. هذا اسمه سرقة".
تصحيح المفاهيم وتسمية الأشياء بمسمياتها أمر ضروري لإفشال عملية التضليل وتزوير الحقائق، وأول مفهوم يجب التأكيد عليه هو أن مقاومة الاحتلال بكل أنواعها بما فيها المقاومة المسلحة مشروعة لأصحاب الأرض وفقا للقانون الدولي، وأن وصف المقاومة بـ"الإرهاب" تضليل مثل وصف اغتصاب الأراضي بـ"الاستيطان"، كما أن جرائم الاحتلال لا يمكن وصفها بـ"الدفاع عن النفس".
وضع النقاط على الحروف واستخدام المصطلحات الصحيحة وحدها لا يكفي، ولا بد من أفعال تصدق الأقوال، كدعم الفلسطينيين ليواصلوا مقاومتهم المشروعة للاحتلال ويستردوا حقوقهم المغتصبة. وعلى المسؤولين أن يتحركوا هم أولا، قبل أن يدعوا الآخرين إلى التحرك، وأن يتركوا مهمة التحليل والتنظير للخبراء والأكاديميين والإعلاميين ليتحملوا هم مسؤوليتهم كصناع القرار، وأن لا يكتفوا بإصدار بيانات الإدانة والاستنكار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس