د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
فتحت أنقرة في مطلع نيسان المنصرم الأبواب أمام انضمام فنلندا لحلف شمال الأطلسي، وقررت تحويل ملف عضوية السويد إلى البرلمان للتصويت عليه، وبحث إذا ما كانت استوكهولم قد اتخذت الخطوات اللازمة في التعامل مع المطالب والشروط التركية.
احتمال الموافقة على الطلب السويدي الذي قدم إلى البرلمان كبير جدا، حتى ولو جاء التصويت متأخرا وطال إلى نهاية العام الحالي. فالعدالة والتنمية لن يغامر بخطوة إرسال الملف إلى البرلمان دون التحضير السياسي والحزبي له. رفض الطلب يعني توتراً آخر في العلاقات التركية الغربية وحيث يعرف الجميع أن انضمام السويد إلى حلف الناتو يتطلب موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء في الحلف، وعددها 31 دولة.
المسار الدستوري المعتمد في التصويت على عضوية فنلندا في آذار المنصرم هو نفسه الذي سيتبع مع طلب العضوية السويدي. قرار أعضاء لجان الأمن والدفاع والخارجية في البرلمان، ثم قرار رئاسة البرلمان بتحويل الملف إلى الهيئة العامة لمناقشته والتصويت عليه، وبعد ذلك تأتي مصادقة الرئيس على مشروع القانون وتتم عملية نشره في الجريدة الرسمية في حال حصول الموافقة على الطلب.
ما الذي تبدل كي تقرر الرئاسة التركية تحويل طلب العضوية السويدية إلى البرلمان لدراسته والتصويت عليه؟
ما الذي يمكن للسويد أن تفعله أكثر من ذلك لإقناع البرلمان التركي بالموافقة على طلب عضويتها في حلف شمال الأطلسي؟
وقعت تركيا والسويد وفنلندا في آواخر حزيران 2022 مذكرة تفاهم ثلاثية بشأن انضمام البلدين إلى الناتو بعد تعهدهما بالاستجابة لمطالب أنقرة بشأن التعاون بملف مكافحة الإرهاب، وحيث أوجز رئيس جهاز الاستخبارات التركية الحالي إبراهيم كالن الموقف التركي بقوله "توقعاتنا هي أن تقوم الدولتان بخطوات ملموسة بخصوص وقف الدعم للتنظيمات الإرهابية على أراضيهما، وعبر وسائل الإعلام وحظر حزب العمل الكردستاني والعناصر التابعة له، وإعادة بعض المطلوبين إلى العدالة التركية ورفع قيود تصدير التكنولجيا العسكرية عنها"، وهو ما قوبل بموقف إيجابي.
سيكون حتما لخطوات التشدد التي بدأت السلطات السويدية تفعيلها ضد جماعات وأنصار حزب العمال الكردستاني، وقرار وكالة الهجرة السويدية طرد الشاب العراقي سلوان موميكا، الذي أحرق مصاحف خلال احتجاجات في الأشهر القليلة الماضية في العاصمة السويدية استوكهولم، وللمهرجان الشعبي الحاشد في العاصمة السويدية دعما للشعب الفلسطيني في غزة ارتداداته الإيجابية على قرار النائب التركي وهو يصوت على ملف فتح الطريق أمام عضوية السويد الأطلسية. لكن تصريح وزيرة الهجرة السويدية ماريا مالمر ستينيرغارد حول أن سلطات بلادها قد تلجأ إلى ترحيل الأشخاص المتعاطفين مع حركة حماس الفلسطينية والتوصيف الذي تتبناه استوكهولم حيال التنظيم الفلسطيني قد يكون له ارتداداته السلبية تحت سقف مجلس النواب التركي أيضا.
انحازت أنقرة للمحور الغربي في أواخر الأربعينيات للاستفادة من المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى حلفائها عقب الحرب العالمية الثانية تحت اسم "مشروع مارشال"، ولمواجهة التهديدات الروسية في المضائق والبحر الأسود. في مطلع الخمسينيات توجت انفتاحها على الغرب بعضويتها في حلف شمال الأطلسي بناء على التشجيع والدعم الأميركي.
قررت تركيا بعد تراجع الخطر السوفييتي وتبني سياسة خارجية متعددة الأقطاب الانفتاح التدريجي على الجار الروسي لإنهاء الكثير من الملفات الخلافية الاقتصادية والسياسية والأمنية.
قاد تدهور العلاقات التركية مع أميركا وأوروبا في العقد الأخير وتداخل المصالح والحسابات الثنائية والإقليمية التركية والروسية، كلا الطرفين، نحو بناء منظومة علاقات سياسية واقتصادية وأمنية تبقي أبواب الحوار والتواصل مشرعة للحؤول دون انفجار واسع يهدد ما تم تشييده بصبر وحذر أولا. ثم توسيع رقعة التعاون في ملفات سياسية واقتصادية ترفع حجم التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار ثانياً.
التباعد التركي الأميركي في ملفات ثنائية وإقليمية أسهم في رفع مستوى التنسيق التركي الروسي في الملف السوري والأوكراني وجنوب القوقاز والقرم، وفي مسائل الطاقة والخطط التجارية والاستراتيجية وهو ما تتمسك أنقرة بمواصلته رغم إغضابها للعديد من الحلفاء والشركاء وعلى رأسهم أميركا.
منع التصعيد في القرم وسلسلة الخدمات التي تقدمها أنقرة للعواصم الغربية على خط المضائق وتقييد حركة السفن الحربية، وصناعة اتفاقيات تصدير الحبوب الأوكرانية عبر مياه البحر الأسود، والدخول على خط تسهيل تبادل الأسرى بين الطرفين المتحاربين، كلا الدولتين تركيا وأميركا أمام فرصة جديدة لتخفيف التوتر والذهاب نحو التهدئة. لكن موضوع التوسعة الأطلسية عبر فتح الأبواب أمام فنلندا والسويد أشعل نقاشات جديدة بين تركيا والعواصم الغربية، ووصل حتى الآن لقبول هلسنكي التي تعاملت بإيجابية مع المطالب والشروط التركية مقابل منح استوكهولم المزيد من الوقت لإعطاء أنقرة ما تريد.
لا تريد أنقرة التفريط بورقة التقارب والانفتاح على روسيا لمجرد إرضاء الغرب وواشنطن تحديدا. لا بد أن يكون الثمن الذي تحصل عليه أكبر وأهم من تعريض علاقاتها مع روسيا للخطر. فهل جهزت أنقرة نفسها للالتفاف على مناورة قبول السويد في الأطلسي دون توتير علاقاتها مع موسكو؟ وهل ستتمكن من مواصلة لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا في ملف الحبوب؟
قد يتسبب الضوء الأخضر التركي أمام عضوية السويد ببعض الخلافات بين أنقرة وموسكو شئنا أم أبينا، لكن حدود وسقف التوتر المرتقب لن يصلا إلى درجة التصعيد والقطيعة وتعريض الكثير من ملفات التنسيق والتقارب للخطر. أردوغان سيغضب الصديق بوتين الذي سيرد في ملفات تجارية وسياسية تعني البلدين، خصوصا بعد سماع أصوات انفعال روسي وصلت إلى توصيف الانفتاح التركي على قرار التوسعة الأطلسية بالطعنة في الظهر. لكن الأخير لن يبالغ في عملية التصعيد بسبب حاجته إلى اللاعب التركي الإقليمي في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها في القرم والعقوبات والحظر الغربي.
يريد أردوغان الحصول على الكثير من الجوائز والهدايا الغربية بعد قرار دعم عضوية السويد في الحلف. وهو قد يكون يتطلع صوب سياسة واشنطن السورية، والرغبة التركية في الوجود أمام طاولات بناء خطوط التجارة والطاقة العابرة للقارات خصوصا في الشق المتعلق بشرق المتوسط. لكنه لن يتجاهل ملفات قبرص وبحر إيجه. أهم ما يتطلع صوبه الرئيس التركي قد يكون الدعم الأميركي لوساطة تركية بين موسكو وكييف لتفعيل خطة وقف إطلاق النار والذهاب نحو طاولة التفاوض الروسي الأوكراني. العقبة الجديدة التي قد تخلط كل الأوراق والحسابات في سياسات ومصالح اللاعبين الإقليميين هي موضوع غزة ومساره وما سيحمله معه من ارتدادات سياسية وأمنية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس