إحسان أقطاش - يني شفق
تشهد عواصم الغرب وكبرى مدنها ومراكزها الثقافية منذ عدة أسابيع، مظاهرات لدعم فلسطين لم يسبق لها مثيل.
لقد فتحت المقاومة الفلسطينية باب الحساب لجميع الصراعات القائمة في العالم. وليس من قبيل الصدفة أن نرى أكبر المظاهرات الاحتجاجية تقوم في إسكتلندا وأيرلندا. ففي بلدان أمريكا اللاتينية، لا تزال روح المقاومة ضد الاستعمار والفكر اليساري المعارض قويين، لذلك يدرك أصحاب الضمير الحي أنهم بدعمهم لفلسطين، يحاربون ضد الشر و يقفون في وجه الظلم.
في مقالتي يوم الثلاثاء الماضي، ذكرت أن المقاومة التي أطلقتها حماس لها القدرة على تغيير العالم بأسره. هذه الرؤية ليست مجرد رأي شخصي، بل هي حقيقة يتفق عليها الكثير من الناس.
في فترة الحرب الباردة، كان المفكرون والفلاسفة هم الذين يعلقون على مجريات الأحداث. لكن وفقًا لروح العصر الذي نعيش فيه، فقد باتت هذه العملية تُوجه إما من قبل مشاهير أو أشخاص عاديين مجهولي الهوية، أو أشخاص أذكياء ذوي قدرات فكرية عالية، مثل باسم يوسف، عن طريق طرح أسئلة بسيطة.
200 عام من الهيمنة والصهيونية و100 عام من الاحتكار الإعلامي والاقتصادي كانت كافية لإبقاء البشرية تحت السيطرة. لكن الأمر صار بيد شباب عصر وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر حرية واستقلالية. إنهم يفكرون ببساطة ولا يمكن خداعهم بسهولة، فهم لم يتلقوا تعليمًا أرثوذكسيًا مثلنا.
الولايات المتحدة لا تستطيع إيقاف نتنياهو الذي تحول إلى "هتلر متوحش". وصلت المجازر إلى أبعاد مريعة. وتجاوز الوضع الراهن حالة النزاع المتفق عليها. قد يؤدي تصاعد العنف وغرق إسرائيل في المشاكل إلى تعزيز موقف الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة على المدى الطويل فيما يتعلق بالسيطرة على إسرائيل وإدارة شؤونها. ويبدو أن نتنياهو مدرك لذلك، فهو عند مواجهة ردود أفعال المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، يصر على أن الولايات المتحدة شريكة له في هذه الجرائم، قائلًا: "أنا لست وحدي، أنا أرتكب كل هذه الجرائم مع الولايات المتحدة".
تشهد شوارع الشرق الأقصى نشاطًا احتجاجيًا مكثفًا، كذلك الأمر في معظم دول الاتحاد الأوروبي. وتتواصل الاحتجاجات في باكستان ومصر والأردن ودول شمال إفريقيا. يخرج الناس في جميع أنحاء العالم للوقوف في وجه الظلم، وللتعبير عن غضبهم من الولايات المتحدة والدول الغربية والهيمنة الصهيونية.
لا يوجد في عالمنا اليوم مفكرون كبار يمكنهم تفسير كل هذا. على الأكاديميين التكيف بشكل سريع مع هذا التغيير، لأن الأساسيات تتغير بشكل جذري.
ورغم أن القادة والحكومات الغربية خاضعة للهيمنة الصهيونية، فإن الشعب في حالة انتفاضة يقود مسيرة التغيير في العالم. أما في دول مثل السعودية، فإن الشعب حساس للغاية، بينما تتخذ حكوماتها موقفًا من قبيل "لقد كنا نقضي وقتًا جيدًا من أين ظهرت حماس فجأة!".
تركيا هي أكثر دول العالم ديمقراطية من حيث انعكاس إرادة الشعب على الحكومة. إن موقف أردوغان المؤثر على العالم بأسره بشأن فلسطين مهم جدًا. ينبغي ألا يضعف النشاط الذي يتم إجراؤه على مستوى الدولة المجال المدني. فليس من الجيد أن نبقى صامتين بينما يصرخ الناس وأصحاب الضمير الحي في الدول التي تدعم إسرائيل: "فلسطين حرة".
تزداد الديمقراطية القوية قوة في الحشد الشعبي، وعلى منظمات المجتمع المدني والنقابات التي تدعم الحكومة أن تدرك ذلك. تتحرك المجتمعات الغربية لتوجيه حكوماتها إلى المسار الصحيح، وتؤثر على آلية صنع القرار. واليوم تشهد الأراضي التي كانت قبل 100 عام جزءًا من دولتنا، ظلمًا ودمارًا لم يسبق لهما مثيل. لقد وقفت حكومتنا الموقف اللازم إزاء ذلك، لكن يجب أن تسعى أمتنا ومنظمات المجتمع المدني أيضًا جاهدة لإيصال صوتها للعالم.
قد تبدو مطالبات واحتجاجات المجتمع المدني في بعض الأحيان مفرطة، وهذا طبيعي لأن أصحاب الضمير الحي حساسون جدًا تجاه هذه القضية. ستستمر الدولة في تحقيق العدالة، وسيرتفع صوت المجتمع المدني أكثر فأكثر.
ليس من المقبول أن تظل منظمات المجتمع المدني في تركيا صامتة، بينما يتخذ أردوغان موقفًا مهمًا يحظى باهتمام كبير في جميع أنحاء العالم. على منظمات المجتمع المدني أن تنطلق وفق المنهج التالي: إن العالم كله اليوم قد تحرك لكسر الهيمنة الصهيونية، فلا ينبغي الاكتفاء بالمشاركة في هذا التغيير العالمي، بل يجب أن تكون مثل أردوغان، مصدر إلهام للشعوب الأخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس