ياسين أقطاي - الجزيرة مباشر
منتصف الشهر الثالث منذ بدء الكيان الإسرائيلي هجمات الإبادة الجماعية غير المسبوقة ضد شعب غزة بدعم وإشراف أمريكي. ورغم أننا نتحدث عن دعم أمريكا، فإن الصورة التي أصبحت أكثر وضوحا تكشف أن أمريكا هي المعتدي الحقيقي وأن إسرائيل لا تعدو الزناد. وبالطبع فإن مُطلق النار لديه أسبابه الخاصة لارتكاب مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية.
عندما بدأت إسرائيل في شن هجماتها الأولى على غزة، أعلنت هدفين رئيسيين: القضاء على حماس وتحرير الرهائن الإسرائيليين. وكل يوم يمر يؤكد أنه من المستحيل تحقيق هذه الأهداف. فمع كل خطوة تقوم بها، تعود بالخيبة والعار أمام شعبها والعالم كله؛ إذ تتلقى هزيمة مدوية على أيدي المقاومة حماس. وتشير جميع التوقعات إلى أن إسرائيل لن تكون قادرة على مواصلة هذه الحرب، وأن العدوان قد ينتهي في القريب العاجل، وسيتعين على إسرائيل الاعتراف بحماس والاتفاق معها وقبول شروطها.
ورغم أن إسرائيل ليس لديها خيار آخر، فإن الحديث عن اضطرارها للقيام بذلك، والموافقة على التسوية بهذه الشروط، هو أمر يشبه الانتحار. فمع كل يوم تزداد خسائرها ليس فقط في التكنولوجيا المتطورة أمام الأسلحة البدائية في أيدي كتائب القسام، ولكنها أيضًا هزيمة وخسائر عسكرية. وتكمن الخسارة الحقيقية لدولة الاحتلال في الفرصة الفريدة التي أتيحت لحماس وكتائب القسام لتعريف العالم بقضيتهم بوضوح. فقد حمل طوفان الأقصى الذي شنته كتائب القسام، إلى العالم كله القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأكثر شرعية وعقلانية وعدالة في العالم.
وكل خطوة تقوم بها إسرائيل الآن لتدمير حماس تسير ضدها لصالح حماس، فالدمار الذي تسببه كل قنبلة يطلقها الاحتلال يدمر صورته في جميع بقاع العالم ويكشف حقيقة تاريخه المزيف، وتبتلع -مثل الثقب الأسود- كل دعاوى التنوير والحداثة والتقدم والتنمية التي ملأت آذان العالم باسم الحضارة الغربية.
وقد نجحت القضية الفلسطينية في مد الوعي الإنساني بأساسٍ وروحٍ ودافعٍ جديدٍ في مواجهة نظام الاستغلال الوحشي الذي تتستر خلفه قيم الغرب. وأعادت الروحَ ليس فقط للمسلمين المظلومين والمضطهدين، ولكن أيضا للجميع في كل مكان يعاني الظلم والاضطهاد في العالم.
إن المقاومة في غزة وتصميمها والمنطلقات النظرية المتسقة والمخلصة والقوية التي تقوم عليها، تعيد صياغة الفكر العالمي، وتكشف التكتلات العلنية أو السرية التي تهيمن على النظام العالمي الحالي.
في معهد الفكر الإسلامي عبَّرت “أيتشين كانت أوغلو” بأسلوب مدهش للغاية عن الواقع الذي كشفته هذه الفرصة الفريدة فقالت “على عكس ما يبدو عليه العالم اليوم، فإن العالم كله خارج غزة يرضخ تحت الاحتلال”.
غزة هي الشعب الوحيد والمكان الوحيد الذي يستطيع أن يختار المقاومة بعيدًا عن الحسابات خارجها. فمنذ اللحظة التي اختار شعب غزة فيها المقاومة والتمرد، أضاء شعلة التحرير وفضح الاحتلال السري الذي يقبع تحته العالم كله. فالراحة استقرار وحرية إلى حدٍّ ما التي يعيشها الناس في جميع أنحاء العالم حاليًا سببها الرئيسي هو تغافلهم وإغلاقهم عيونهم وآذانهم عن حقيقة رضوخ العالم تحت الاحتلال بكل أبعاده الاستبدادية، ومعظمنا يُكيِّف نفسه مع هذه القوة المحتلة بالتخلي عن إرادتنا.
فإسرائيل بعد قصف استمر ما يزيد عن الثمانين يومًا، لم تحقق أيًّا من أهدافها المعلنة، ولعل نجاحها الوحيد هو ارتكابها مجازر بشعة في حق المدنيين. وهذا لا شك شيء لا يمكن الدفاع عنه بفخر على أي أساس ميداني. بل على العكس من ذلك، فهو عمل مخزٍ يجب أن تُحاسَب عليه. ومن جانب آخر يقتضي الواقع الميداني إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، رغم أن ذلك لا يعني سوى انتصار حماس وهزيمة إسرائيل.
ومن جانبها ركزت الصحف الإسرائيلية والعالمية على احتمالية انتهاء الحرب قريبًا، وأكدت على أن النجاح الوحيد للقوات الإسرائيلية هو أنها لم تتمكن إلا من ذبح المدنيين وتدمير بنيتهم التحتية:
وفقًا لصحيفة يديعوت أحرنوت أشار الصحفي ناحوم برنيع إلى قرب انتهاء المرحلة المكثفة من الحرب، وقال: إن معركة خان يونس قد تكون آخر فترة شرسة قبل انتقال الحرب إلى مرحلة أقل حِدَّة، كما أن الجيش نفسه يشعر بقرب النهاية، ويحاول تعزيز نجاحاته قبل إعلان وقف إطلاق النار.
وفي مقال نشرته صحيفة جيروزاليم بوست، قال جيل جاكوبس “على أولئك الذين يهتمون بإسرائيل ورفاهيتها أن يدعوا إلى إنهاء الحرب في غزة والوصول لمرحلة التفاوض… إن القيام بذلك هذا الموقف هو الأكثر تأييدًا لإسرائيل، بل الأكثر يهودية”.
وأظهر تحليل أجراه خبراء في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية -استنادا إلى صور الأقمار الاصطناعية لغزة وخان يونس- أن الجيش الإسرائيلي نفذ إحدى أكبر عمليات القصف في التاريخ على غزة المحاصَرة.
هذه مجرد أمثلة قليلة لكيفية تحوُّل وسائل الإعلام الغربية بالكامل ضد إسرائيل. وكلها حقائق تُظهر زيف صورة الإرهاب وداعش التي حاول الاحتلال الصهيوني وداعموه اتهام حماس بها منذ البداية، وتُظهر حقيقة صور القتلى والجرحى بقذائف الاحتلال وما خلَّفه من دمار وخراب في المباني والمؤسسات والمستشفيات. كما تُثبِت الحقيقة التي يراها غالبية العالم الآن وهي أن الاحتلال الإسرائيلي مجرم حرب وعدو للإنسانية والحياة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس