د. مصطفى حامدأوغلو - خاص ترك برس
فاجئت عملية طوفان الأقصى كل المراقبين والمحللين والمتابعين، وكثير من الدول وحتى أجهزتها الاستخبارية ، وقلبت كثير من الموازين والقوى على عدة من الأصعدة والمستويات السياسية والفكرية والاعلامية والمجتمعية.
هول المفاجئة الذي فاق قدرة العقول البشرية والتصورات المادية الواقعة تحت تأثير الغزو الفكري الغربي والدعاية الاسرائيلية والاعلام المنحاز الذي جعل مقولة الجيش الذي لا يقهر وأعين الرقيب الاستخبارتي التي لاتنام منقوشة محفورة بالاذهان، جعل كثير من الناس يرى أنها عملية مرتبة ومغضوض الطرف عنها من قبل الاسرائيلين أو هي عملية استدراج اسرائيلية لإيقاع الفلسطينين في فخ التهور ولتكون مبررا للاجتياح الاسرائيلي وجني ثمار هذه العملية على المدى البعيد وتحقيق الهدف الصهيوني القديم الجديد وتحقيق هدف اسرائيل الكبير ومد حدودها من الفرات للنيل .
وهذا نموذج للفكر السائد المسيطر على عقول ابناء هذه المنطقة من شعوب ونخب ، له اسبابه ومبرراته ليس حديثنا بهذا المقال ...
قيل عن الثورة السورية بأنها الثورة الفاضحة واليوم يقال عن طوفان الأقصى بأنها العملية الكاشفة ..
لقد كشفت بحق كثير من الحقائق ، البعض منها كان مكشوفا للبعض ومستورا للبعض وبعضها تم تعريته بشكل واضح وكبير أمام أعين البشرية كلها...
كشفت زيف قيم قادة الغرب ودوله – على عكس الشعوب - واسقطت القناع بل وورقة التوت - من جديد فقد سقطت مرات عديدة قبلها بالعراق والبوسنة وسوريا وافريقيا وغيرها كثير – بل رأينا كيف دعم قادة الدول الغربية وعلى رأسهم امريكا وفرنسا وانكلترة المجازر الواضحة ضد الطفولة والمشافي والمدارس والمخابز ...
يمكن تفهم انحيازهم ودعمهم – وهذا حقهم – لاسرائيل في حرب عسكرية ضد أي قوة بالمنطقة ، لكن أن يكون هناك دعم وتبرير لمجازر تجاوزت كل القيم الانسانية والاخلاقية فهذا مؤشر خطير لانزلاقهم لمنحدر مخيف من السقوط القانوني والاخلاقي والانساني .
لقد كشفت عملية طوفان الاقصى مرة أخرى ما كان معلوماً من حال الأمة العربية والاسلامية من حالة العجز والضعف والهوان والخذلان التي تصل لدرجة التواطؤ في بعض حالتها وما أكثرها...
اجتماع مؤتمرهم - الذي جاء أصلاً متأخرا عدة أسابيع وكأن ما يحدث أمر بسيط – هو الآخر لم يقدم ولم يؤخر شيئا بشكل ملموس وعاجل وسريع ،رغم بعض المطالبات بخطوات للتحرك والاحتجاج والادانة ...
كان من الممكن أن يكون لهم دورا – وهم يملكون ذلك – أكثر فعالية وتأثيرا وردعاً للمحتل ولداعميه الغرب من خلفه...
لديهم ويملكون أوراق ضغط كثيرة من قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية وحتى الرياضية ...
منذ بداية طوفان الأقصى بدأ التخوف من توسيع المعركة وتحولها الى حرب اقليمية واسعة ، بل هناك من توقع أن تكون حرب عالمية ثالثة ..
لم يكن الحديث والتخوف من اتساع المعركة نابعاً من احتمالية زج الدول العربية للقوى المساندة لها على حدود فلسطين بالتحرك للضغط على اسرائيل ولا من ايعاز تركيا لقواها المرابطة لتبدأ مناوشات التحذير ....
لقد كان التخوف والحديث يدور حول المخالب الايرانية التي تملكها ، والاذرع والاظافر التي بأيديها...
ورغم تشكيك الكثيرون – وهذه هي الحقيقة- بأن حرباً فعلية حقيقية لم ولن تكون ابدأ بين اسرائيل وايران ولا بين ايران والشيطان الأكبر
لكن الواقع يقول أن الدولة الوحيدة التي تملك الجغرافية التي تحيط بفلسطين وتستطيع الضغط عليها – وتزعجها وتقلقها وتنال منها – إن أرادت – هي ايران وليست تركيا ولا الدول العربية ...
لقد كشفت عملية طوفان الاقصى بأن الدول العربية وتركيا لا مخالب حقيقة لهم ولا أظافر جارحة لهم ...
ولقد كشفت للفسطينيين ولحماس – وستثبت لهم لاحقا أكثر – انهم لا ظهر ولا ظهير لهم ولا جدار منيع يستندون عليه...
أكثر ماتتمناه وتريده اسرائيل - والغرب من وراءها – أن تكون القوى الحاكمة المتواجدة والمطوقة لفلسطين المحتلة من الأقليات أو التي هي بعيدة عن الانتماء الديني السني بشكل خاص والقوى العربية المؤمنة بعروبة فلسطين وحق تحريرهابشكل عام..
فهي تحارب أن تكون الدائرة الأولى التي تحيط بها أن تكون من العرب السنة وتخشى أن تكون الدائرة الثانية من السنة غير العرب ، وتفضل وتسعى أن تكون الدائرة الاولى المجاورة لها من غير السنة وغير العرب عندها ستكون بمأمن وأمان لأن فلسطين لن تكون عند هؤلاء قضية دينية ولا قومية..
أوعلى الأقل ان يجاورها العرب من غير السنة أو العرب الذين لا تشكل فلسطين شيئا لهم ... وهذا هو تقريبا ما نعيشه اليوم ...
كل هذا يقودنا الى حقيقة أكدتها عملية طوفان الاقصى بل برزت حتميتها لأجل أي عملية تحرير حقيقة للقدس وفلسطين وبدونها لا يمكن الحديث مطلقاً عن أي عملية تحرير حقيقة متكاملة ولا عن أي استمرارية لحرب استنزاف طويلة...
هذه الحقيقة التي يجب أن تدركها الدول العربية التي تريد أن تحمي نفسها بالدرجة الأولى وتدرك أن منفعتها الحقيقة مع دعم وتقوية هذا السياج المانع لها ولتكون هذه الشريحة هي القوة الضاربة لها ..
طوفان الاقصى فرصىة للدول العربية وخاصة الخليجية منها أن تعيد حساباتها وتعمق مراجعاتها من جديد قبل أن تطبق ايران الكماشة عليهم...
وتركيا يجب أن تدرك - خاصة على مستوى النخب والفكر والمجتمع لأن الحكومة والدولة أقرب لهذه الفكرة من النخب والمفكرين والمجتمع - أن قوة عمقها الاستراتيجي الحقيقي هو بدعم هذه الشريحة وتقويتها وليس طمسها ، بعيدا عن الهيمنة وعقدة الأخ الكبير ..
طوفان الأقصى أثبت أن الدول العربية وتركيا لا مخالب جارحة لهم...
وأثبت أن السنة العرب هم المخلب الوحيد لهم..
واثبت للفلسطينين انه بدون هذا المخلب فلا نصير حقيقي لهم...
فهل نعيد حساباتنا ومراجعاتنا بشكل حقيقي مهني من جديد...!!؟؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس