يوسف قابلان - يني شفق

تمارس سلاسل المتاجر، الإرهاب الاقتصادي في البلاد، حيث ترفع الأسعار بشكل مستمر وتفرض زيادات على كل شيء في كل فرصة، وكأنها تلعب لعبة القط والفأر مع الحكومة. هذا حقا لا يصدق.

مع أنه كان يفترض العكس تماما؛ أن تلعب الحكومة لعبة القط والفأر مع هذه المتاجر التي تفرض زيادات تعسفية على المواطنين وتثير حفيظتهم، وكأنها تعلن الحرب على الدولة.

وفي الوقت الحالي، تقوم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة بفلسطين، حيث قتلت حوالي 40 ألف إنسان بريء، معظمهم من الأطفال والنساء، على مرأى ومسمع العالم.

اللهم عليك بحكام إسرائيل السفلة، اللهم انتقم من كل الدول الإمبريالية المجرمة التي لا تكتفي بمشاهدة إسرائيل وهي ترتكب جرائم ضد الإنسانية أمام أعين العالم أجمع، بل تدعمها علنا أيضا، اللهم أهلكهم ودمرهم.

أدين بشدة سلاسل المتاجر

في خضم جميع الأعمال الدنيئة المستمرة، تواصل سلاسل المتاجر في تركيا بيع منتجات "كوكا كولا" التي تدعم إسرائيل علانية، وتواصل الترويج لها ما أكثر المخلوقات الوضيعة في هذا البلد!

وذلك مرة أخرى بإعلان مغر وتحد.

يجب على الشعب أن يحتج على هذه المتاجر الوضيعة بشدة، ويوصلها إلى حافة الإفلاس.

في مقالي اليوم شعرت بضرورة إعادة نشر مقال كتبته قبل 10 سنوات منددا بإعلان إباحي ومثير لـ "كوكاكولا"، وذلك بعد أن رأيت إعادة بث إعلان مشابه له. نحن لسنا أمام إعلان عادي فحسب، بل هو تحد صارخ. إنه محاولة لإغواء الجماهير واستغفالهم وتخديرهم. والأهم من ذلك كله، هو نشر إعلان كهذا في وقت تبيد فيه إسرائيل الأطفال والنساء الأبرياء في غزة دون مبالاة أمام أعيننا، بينما تكافح هذه الأسواق لوضع هذا المنتج الرديء ـ الذي يمثل سلاحا جديدا للامبريالية ـ على رفوفها بكل إصرار.

وبينما يتم سحب المنتجات التي تدعم إسرائيل من المتاجر في أيرلندا وإسبانيا وفي جميع أنحاء العالم، فإن الإصرار على وضعها في متاجرنا يمثل سلوكا مخزيا ومشينا. هذا أمر لا يستوعبه العقل، اللهم انتقم منهم حميعا.

كل قرش رصاصة

بدأ عرض إعلان جديد لشركة كوكا كولا على شاشات التلفاز، إنه إعلان إباحي صريح. إعلان بذيئء يدمر كل قيمنا وأخلاقنا وحياءنا.

لم نشهد انحلالا وانحطاطا مثل هذا من قبل يجب على المجتمع أن يتخذ موقفا حازما، وأن يعبر عن احتجاجه بشدة على شركة كوكاكولا وعلى القنوات التلفزيونية التي تبث الإعلان، والمجلس الأعلى للإذاعة والتلفاز الذي يلتزم الصمت حيال هذا الأمر.

الأمر لا يقتصر على مسألة بسيطة تتعلق بـ كوكا كولا. يجب أن ندرك أن كوكا كولا ليست مجرد مشروب عادي. الأمر أكثر تعقيدا وأهمية مما يبدو، وله أبعاد متعددة.

أولا: من المعروف أن شركة كوكا كولا تقدم مساعدات مالية ضخمة لإسرائيل. ولا حاجة لشرح ما يعنيه ذلك، فكل قرش ندفعه يصبح رصاصة تقتل الأطفال الأبرياء.

وهذا ليس بالأمر الهين، لقد رأيت أشخاصا على وسائل التواصل الاجتماعي يقللون من أهمية هذا الموضوع. أين الإنسانية؟ أين الضمير؟ أين الرحمة؟ وهذا يعني أنك بشكل أو بآخر شريك في جريمة قتل الأطفال الأبرياء.

دين العصر.. الوثنية الحديثة

في الحقيقة إن إعلان شركة كوك اكولا، وصناعة كواكولا التي أنشأتها، وشكلها الجديد من الاستعمار، والأهم من ذلك كله ظاهرة الوثنية الحديثة، تمثل جميعها مسألة وجودية تهم البشرية جمعاء.

إن المسألة التي يجب أن تشغل تفكيرنا هي أن الوثنية الحديثة هي دين العصر. إنها ابتكار "قداسة" خارج نطاق الدين.

لا يمكننا بالطبع حصر الوثنية الحديثة في كوكا كولا فقط. لكن كوكا كولا وعملية صنعها حلتا محل الاستعمار، كما تساهمان في نشر أشكال مخيفة من الوثنية الجديدة بأبعاد مرعبة.

من خلال إعلانات كوكا كولا والمنتجات المماثلة، يخترعون ثقافة ونمط حياة وثني يقدسان السرعة واللذة.

فدين العصر هو الوثنية الحديثة. وإلهه المال واللذة، والوظيفة والأنانية. ومعابده هي البنوك ومراكز التسوق والملاعب ووسائل الإعلام. وضحاياه هي الإنسان والحياة والحقيقة.

أجيال شابة بلا مبادئ: "عبيد أحرار" متطوعون.

يحولون العالم، وخاصة الأجيال الشابة، إلى عبيد متطوعين لثقافة الغرب السخيفة المنحلة الفاسدة، التي تدمر جميع القيم، وتروج للذة رخيصة.

لا يهاجمون بالبنادق، بل بالإعلانات. أولا، يخدرون الأجيال الشابة بثقافتهم الوثنية الفاسدة، ويقطعون صلتهم بثقافتهم الأصلية. ثم ينشئون أجيالا بلا مبادئ أو مشاعر، أو روح، متصفين بالأنانية وحب اللذة.

أفيون الجماهير.. وسائل الإعلام

أعيد وأكرر، قضية كوكا كولا ليست مجرد قضية مشروب بسيط. إنهم يدمرون جميع القيم والمقدسات بإعلاناتهم المنحلة المفسدة التي التي تروج للذة. إنهم يخلقون أشكالا جديدة من الوثنية الحديثة القائمة على مقدسات خارج نطاق الدين، تمجد الجنس واللذة والأنانية.

وينشرون أشكالا جديدة من الوثنية الحديثة كأنها نمط الحياة الوحيد والثقافة الوحيدة و"الدين" الوحيد على نطاق عالمي من خلال إعلانات مقززة.

لقد تغير اسم الصليب، وأصبح الإعلام أفيون الشعوب.

تقوم وسائل الإعلام والإعلانات بتخدير العقول وإغوائها، وتعميها، وتحول الأفراد إلى "عبيد أحرار" طوعيين بلا روح، ثم تقتلهم بلا ألم.

الوثنية الحديثة.. نهاية الديمقراطية وانتصار لـ "ما بعد الحداثة"

كوكاكولا ليست مجرد مشروب؛ إنها مبشر للاستعمار الجديد وأشكال الوثنية الحديثة.

لذلك، يمكننا القول بثقة: لقد انتهى نظام الحقوق السياسية المعروف باسم "الديمقراطية"، وحل محلها شي آخر، نظام السرعة واللذة الذي يقتل العقول ويحول الحياة إلى صحراء ويخترع "قداسة" خارج نطاق الدين، إنه إعلان انتصار عصر "ما بعد الحداثة".

إن هذه أكبر قضية وجودية تواجه العالم، ليست قضيتنا فحسب، بل هي أكبر قضية للعالم بأسره.

يسعون لخلق ثقافة وثنية موحدة، وأسلوب حياة وثني، ودين وثني زائف من خلال كوكاكولا، وإعلاناتها الوثنية. باختصار، يريدون جعل العالم وثنيا.

إذا لم نستطع إدراك ذلك، فهذا يعني أن "أمرنا" قد انتهى، وأن الوثنية الحديثة قد حققت نصرها.

عن الكاتب

يوسف قابلان

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس