ترك برس
تركستان الشرقية تمثل نقطة توتر دولية بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تمارسها الصين ضد السكان المسلمين في المنطقة. ومنذ سنوات عديدة، تتعرض هذه الأقلية الإسلامية لأشكال متعددة من التمييز والقمع، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والإجبار على التعلم القسري للفلسفة الشيوعية، وتجميد حرية المعتقد الديني.
يعتبر الوضع في تركستان الشرقية نموذجاً حاداً للسياسات القمعية التي تستهدف المسلمين، حيث تواصل السلطات الصينية تعزيز أجهزتها الأمنية للتحكم في حياة المدنيين وقمع أي نشاط ينطوي على عناصر دينية. وتزايدت الانتقادات الدولية لسياسات الصين في تركستان الشرقية، مع تزايد توثيق حالات الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية.
تقارير منظمات حقوق الإنسان وشهادات شهود عيان تشير إلى حجم القمع والتعذيب والتجاوزات التي يتعرض لها المسلمون في المنطقة. يتعرض المعتقلون للتعذيب الجسدي والنفسي، وتفيد التقارير بأن عمليات الاعتقال والتحقيق تجرى دون محاكمات عادلة، ما يضع المسلمين تحت ضغط نفسي وجسدي كبير.
على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة، تواصل الحكومة الصينية رفضها للانتقادات وتصر على أن سياساتها في تركستان الشرقية تستهدف مكافحة الإرهاب والتطرف. ومع ذلك، يرى النقاد أن هذه الإجراءات تعتبر استخداماً للقوة الزائدة والتعسفية تجاه الأقليات الدينية، مما يثير تساؤلات حول الاحترام الأخلاقي والقانوني لحقوق الإنسان الأساسية في المنطقة.
وفي تقرير له بصحيفة يني شفق، سلطت السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، الضوء على الأوضاع في تركستان الشرقية والانتهاكات المستمرة هناك، مع التركيز على الاستيعاب القسري والقمع الممنهج الذي يتعرض له المسلمون، والذي يتم توثيقه ومتابعته عبر تقارير منظمات حقوق الإنسان. كما يؤكد أهمية التوثيق المستمر للانتهاكات وإيصالها للعالم، لأنها تمثل جزءاً من معركة أوسع ضد القمع والظلم.
وفيما يلي نص التقرير:
يواصل الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة لليوم 288 على التوالي، وذلك على مرأى ومسمع العالم أجمع. ونتيجة لحدوث هذه الجرائم أمام أعين البشرية جمعاء، قد يغيب عنا بطبيعة الحال ذكر جرائم الإبادة الجماعية الأخرى، أو المجازر والاضطهادات المعادية للإسلام التي تحدث في أماكن أخرى من العالم. ولكن ينبغي لنا ألا ننساها. فلو أردنا اليوم كتابة قائمة بالمجتمعات التي تتعرض للقتل الممنهج وجرائم الإبادة الجماعية وتطبيق سياسة الفصل العنصري في العالم، لوجدنا أن جميع ضحاياها تقريبا من المسلمين.
إن ما وصلت إليه سياسة الاحتلال والقتل الجماعي الممنهجة والتي تمارس منذ 75 عاما في فلسطين بدعم أميركي وأوروبي غير محدود، وتجاهل عربي لا حدود له، واضح للعيان. وتكشف لنا هذه الأحداث في غزة كل خدع وزيف النظام الصهيوني الذي استمر لمدة 75 عاما، بل وحتى 108 أعوام منذ "وعد بلفور".
في ميانمار يتعرض الشعب المظلوم والمستضعف والذي أصبح أقلية في بلده، لأبشع وأكثر عمليات القتل الوحشية والتهجير والتعذيب والإهانات وسوء المعاملة في معسكرات الاعتقال لسنوات طويلة، تحت تحريض وإشراف الرهبان البوذيين.
أما في الهند فمع فوز حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم بالانتخابات مجددا يتم تنفيذ سياسة "هندوسية الهند" العدوانية للغاية في إطار التعاون السياسي والميليشياوي المشترك مع الحركة شبه العسكرية الرئيسية "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" المعروفة ب "RSS" حيث تستهدف هذه السياسة بشكل أساسي المسلمين. ويشار إلى العملية الجارية في البلاد، والتي تتضمن تمييزا ممنهجا ضد المسلمين وفق فلسفة وخطة محددة، بأنها "نازية الهند". ويمكن مقارنة السياسات المطبقة فيها مباشرة بممارسات النازيين. ونحن لا نذكر حتى ما يحدث في كشمير.
وهناك أيضا تركستان الشرقية، التي تعد جرحا نازفا ومؤلما ومحزنا لكل مسلمي العالم. لا يختلف موقف الدولة الصينية الحالي تجاه المسلمين عن السياسات العالمية الحالية التي لا تحمل خيرا للمسلمين. ففي تركستان الشرقية أيضا، يستمر التمييز المنهجي، والاضطهاد، والمجازر، والظلم والقمع تجاه المسلمين منذ 75 عاما، وقد تزايدت هذه الممارسات في الآونة الأخيرة.
تعد الإبادة الجماعية في غزة من أكثر جرائم الإبادة توثيقا على الإطلاق، حيث يتم تسجيل جميع البيانات المتعلقة بها بشكل فوري. مما يجعلها واحدة من أكثر الإبادات الجماعية توثيقا مقارنة بالكثير من الإبادات الأخرى في التاريخ القديم والمعاصر. ونتيجة لجرأة إسرائيل المفرطة وثقتها الزائدة في النظام العالمي الذي تدعمه، غالبا ما تشعر بأنها غير مضطرة حتى لإخفاء أي شيء. وتدرك أنها تستطيع في أي وقت تجاهل كل الأدلة وإصدار الأحكام التي تريدها بفضل سلطتها المتغطرسة. أما في تركستان الشرقية، فإن الانتهاكات والجرائم التي تحدث تحتاج إلى توثيق جاد، لأن الصين لا ترغب في أن تنعكس الأحداث هناك كما هي للعالم، أو أنها تهتم بشكل كبير في كيفية عرضها. لذلك تركز الصين أكبر ضغوطها على وسائل الإعلام والنشر. كما أوصى علي عزت بيغوفيتش بعدم نسيان جرائم الإبادة، مشددا على أن "الإبادة المنسية قد تتكرر". ولكن لمنع نسيانها، يجب أولا توثيقها، وإيصالها للعالم، ووضعها أمام شهود العيان.
الاستيعاب القسري والقمع والظلم الممنهج الذي يحدث في تركستان الشرقية يسمع صداه في جميع أنحاء العالم، رغم إنكار الحكومة الصينية. والحجة الكبرى التي تتشبث بها الصين والمدافعون عنها هي أن هذه الأنباء هي انعكاسات لدعاية إعلامية من الولايات المتحدة والغرب الذين يرون في صعود الصين تهديدا. بالطبع هناك آلية تعمل ضد الصين، ولكن هناك أيضا شهود عيان وضحايا حقيقيون للسياسات القمعية والمعادية للإسلام في تركستان الشرقية لا يمكن تجاهلها.
في الأسبوع الماضي نشرت جمعية مراقبة حقوق الإنسان في تركستان الشرقية تقريرها لعام 2024. التقرير يعرض بأحدث البيانات جميع أبعاد الظلم الذي تمارسه الصين في تركستان الشرقية، بما في ذلك الجوانب التاريخية والتطبيقات الفعلية الحالية. وبذلك يتم توثيق جميع الأدلة التاريخية والراهنة التي تدعم قضية تركستان الشرقية بشكل مستمر. وفي التقرير الذي تم تقديمه في المقر العام ل "TÜGVA" والذي كنت أحد أعضاء اللجنة الذين قاموا بتقييمه، تم عرض تفاصيل مرعبة حول ممارسة معسكرات إعادة التأهيل التي تحولت مؤخرا إلى سجون للأتراك، وآليات المراقبة والانضباط التي تغلغلت في جميع جوانب المجتمع.
"على سبيل المثال، كشفت كمية كبيرة من ملفات الشرطة التي تم تسريبها عام 2019 ونشرتها وكالة أنباء "ذي إنترسبت" عن مدى خطورة المراقبة التي وصلت إليها. فالأشخاص المسافرون إلى الخارج أو طالبو اللجوء يتم وصمهم بالإرهاب، ويخضع أصحاب جوازات السفر لرقابة أكثر صرامة. كما يتم مراقبة حضور الأفراد الذين سبق احتجازهم في المعسكرات أو يحتجز أقاربهم هناك، خلال مراسم رفع العلم ومواقفهم في الاحتفالات الوطنية. وتشير هذه الوثائق إلى أن هذه الاحتفالات تستخدم كأداة لتحديد الأشخاص الذين سيرسلون إلى معسكرات "التأهيل". وتظهر الوثائق المسربة أيضا أن السلطات الصينية تبذل جهودا كبيرة لتقليل عدد المصلين في المساجد، وذلك من خلال فرض قيود مشددة على دخولها. وقد سجلت في إحدى الوثائق المسربة نسبة انخفاض بلغت 96% في عدد المصلين في أحد المساجد خلال عامين، وهو ما اعتبر "إنجازا كبيرا". ووفقا للتقرير فقد تم بفضل هذه الرقابة أداء العبادات بما يتوافق مع القوانين، وتم منع دخول الموظفين الحكوميين والأشخاص دون سن الثامنة عشرة إلى المساجد، كما تم احتجاز عدد كبير من الأشخاص "المشكوك في أمرهم" أو إرسالهم إلى معسكرات "إعادة التأهيل".
يتم إرسال سكان تركستان الشرقية إلى المعسكرات أو اعتقالهم بسبب القيام بأعمال تعتبرها الحكومة "تطرفا دينيا"، مثل التبرع للمساجد، وتنزيل تطبيقات القرآن، والاحتفاظ بصور مكتوب عليها "الله" على الهاتف، أو الاستماع إلى دروس دينية أومشاركة محتوى ديني. وتزعم حكومة الحزب الشيوعي الصيني أن هذه الأنظمة الرقابية الشاملة التي تخترق كل جوانب حياة سكان تركستان الشرقية تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، إلا أن الحقيقة هي أن هذه الأنظمة تستخدم للتحكم في المعتقدات الدينية والممارسات الدينية اليومية وقمعها. هذا مجرد جزء صغير من التفاصيل العديدة الواردة في التقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان.
إن إحدى القضايا الرئيسية التي يجب التركيز عليها هي إصرار الصين، التي تبحث عن تحالفات في جميع أنحاء العالم ضد الولايات المتحدة، على اتباع سياسة تجعلها تواجه جميع المسلمين في تركستان الشرقية. لماذا تصر الصين التي تحتاج بالفعل إلى المسلمين، على اتباع نهج يزيد من نفورهم ويؤدي إلى تهميشهم؟
في الواقع تعود المسألة مجددا إلى قضية وحدة المسلمين.
فهل هناك أي قوة سياسية موحدة في العالم تعبر عن حساسية المسلمين المشتركة تجاه ما يحدث في الصين؟ خصوصا وأن بعض الدول الإسلامية تمارس ضغوطا على مواطنيها المسلمين تفوق بكثير ما تمارسه الصين أو أي قوة غير مسلمة أخرى على المسلمين. ففي ظل الممارسات القمعية التي ترتكب بحق المسلمين من قبل حكام يدعون الإسلام في سوريا واليمن والعراق ومصر وتونس، كيف يمكن أن نتوقع منهم الوقوف ضد اضطهاد المسلمين في الهند وميانمار وتركستان الشرقية أو غزة؟
هذه هي المعضلة الحقيقية التي يجب أن نواجهها، وأي مبادرة سياسية يراد إنشاؤها يجب أن تأخذ هذه المعضلة بعين الاعتبار وتواجهها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!