ترك برس

نشرت صحيفة يني شفق التركية تقريرا للكاتب والأكاديمي يوسف قابلان، يتناول نقدًا لاذعًا للسياسات الدولية، ويطرح تساؤلات حول القيم الإنسانية، ويشمل تحليلاً تاريخيًا للأيديولوجيات الفاشية وتأثيرها، ويعكس قلقًا عميقًا من تأثير القوى اليهودية على السياسة الأمريكية.

وأشار قابلان إلى أن "الجزار نتنياهو أشاد في خطابه الذي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي، بالمجازر والإبادة الجماعية التي ارتكبتها دولة الإرهاب الإسرائيلية في غزة، فوقف أعضاء الكونغرس مصفقين له بحرارة لعدة دقائق".

وقال إن تصرفات أعضاء الكونغرس الأمريكي، وتصفيقهم الحار وقوفاً لعدة دقائق للقاتل الأكبر في هذا القرن، وجزار غزة، نتنياهو، الذي دخل التاريخ كأحد أبرز مرتكبي الإبادة الجماعية، أثارت استنكار العالم ودهشته. إن هذا الخطاب المخزي وتصفيقهم لشخصية مثل نتنياهو، أثار اشمئزاز الناس جميع أنحاء العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة، وقوبل بالإدانة والاستنكار الشديدين.

ماذا لو كان هتلر هو الذي تحدث في الكونغرس الأمريكي وليس نتنياهو؟

أكد قابلان أن الحكومة التي يرأسها نتنياهو قد أدانتها جميع المؤسسات الدولية والمحاكم وحتى المنظمات التي وُجدت لحماية وإضفاء الشرعية على الهيمنة الغربية كالأمم المتحدة، بوصفها حكومة ترتكب "إبادة جماعية" واتهمتها بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية". كيف لا تدين الأمم المتحدة حكومة القاتل نتنياهو وقد استهدفت عصاباته المدارس والمستشفيات والمؤسسات التي تخضع لإشراف الأمم المتحدة دون تمييز، ولم تتردد في تدميرها واحدة تلو الأخرى؟

وأضاف: "لكي يفهم الرأي العام الغربي والعالم بأسره الوضع بشكل أفضل، دعونا نجري تغييراً بسيطاً في المشهد: لنتخيل أن هتلر هو من يقف مكان نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي يلقي خطاباً، فكيف سيتم استقباله من قبل أعضاء الكونغرس؟

وتابع التقرير:

قد تبدو إجابتي صادة للجميع لكني أعتقد جازماً أنه كان سيحظى بحفاوة وتصفيق حار. فهناك تصور خاطئ ومصطنع وهو أن هتلر كان سيواجه رفضاً قاطعاً، وأن الكونجرس الأمريكي لن يسمح له حتى بالدخول. ويرجع ذلك لعلمنا بأن هتلر قد حوكم وأدين في ضمير الإنسانية جمعاء.

لكن هتلر أيضاً كان يُستقبل بالتصفيق الحار في كل مكان يذهب إليه، في أوربا وجميع الدول، وبعد فترة طويلة جداً وصفه المثقفون والأكاديميون وعامة الناس بأنه مرتكب إبادة جماعية. أما في البداية فكانوا يرونه بطلا عظيما.

حتى في تركيا، إذا ما قمنا بقراءة الصحف التركية في ثلاثينيات القرن الماضي، مثل "جمهوريت" و"أولوس"، فسوف تُصابون بالذهول من حجم الإشادة التي حظي بها هتلر. كانت الصحافة التركية في ذلك الوقت تمجد الفاشية وتعتبر هتلر بطلاً قومياً. هذا يدل على أن الفاشية لم تكن تُنظر إليها على أنها أيديولوجية متطرفة ومرفوضة، بل كانت تُعتبر نموذجًا يحتذى به. وكانت وسائل الإعلام التركية في ذلك الوقت - في العشرينيات، الثلاثينيات والأربعينيات - مثالًا على ذلك. لقد عاش هذا البلد كارثة دمار وفناء، حيث تم تقديس الحزب الواحد فيه، وإهانة ثقافته، وعقائده، وقيمه، بل ومحاولة اقتلاع جذورها بالكامل.

الفاشية لم تكن شيئًا يستحق الإدانة والاستحقار، بل كانت حركة تحظى بالإعجاب والتقدير في ذلك الوقت.

الولايات المتحدة أسيرة اليهود

سيُلعن نتنياهو، وخطابه الذي يبرر فيه الإبادة الجماعية، والكونغرس الأمريكي الذي صفق بحرارة لهذا الخطاب المخزي، والولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، وليس بعد فترة طويلة، بل في غضون عشر سنوات على الأكثر.

هناك الكثير جداً مما يمكن قوله، أولاً إن التصفيق بحرارة بدلاً من الاستنكار والإدانة لرئيس دولة ارتكب مجازر وإبادة جماعية أمام أعين العالم أجمع، والتي أدانتها جميع المنظمات الدولية، والأهم من ذلك، رغم الاحتجاجات العنيفة والمليئة بالكراهية التي قام بها الطلاب في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الدول الغربية ضد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل عبر الأشهر الماضية، كل ذلك يبرز حقيقة واحدة: أن الولايات المتحدة قد أصبحت محتلة ومستعبدة من قِبل اليهود، وليس من قِبل الصهاينة، بل من قبل اليهود أنفسهم.

أنا أحد الكتاب القلائل في الإعلام التركي الذين يكتبون ويقولون إن الولايات المتحدة هي أكبر دولة أنشأها اليهود في تاريخهم. كتاباتي مدعومة بأسس فكرية قوية. ولعل السبب في ذلك هو أنني أتابع عن كثب الإعلام الغربي، والأكاديمية والحياة الفكرية الغربية، وهو ما ألاحظه بذهول، وكذلك الحياة الفكرية في العالم الإسلامي. المثقفون الأتراك الذين تم استلاب عقولهم وغزو أفكارهم وتحويلهم إلى عبيد معرفيين، لا يتابعون العالم ولا يفهمون ما يجري فيه، ومع ذلك لا يتوقفون عن إصدار الأحكام، وإدانة الآخرين، وتنفيذ أحكام الإعدام دون محاكمة.

لم أسلم من الانتقادات القاسية بسبب مقالاتي التي تقول "العالم مِن صنع الغرب، والعالم عبد الغرب" و"أمريكا من صنع اليهود، وأمريكا أسيرة لليهود"

إذا لم يكن تصفيق برلمان الدولة التي تسيطر على العالم لخطاب القاتل نتنياهو، الذي استنزف دماء الأبرياء في فلسطين، دليلاً على أن أمريكا أسيرة لليهود، فما هو إذن؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!