ترك برس

نقلت تقارير صحفية عن رئيس وزراء ألبانيا إيدي راما مؤخرا أنه يعتزم منح أتباع الطائفة البكتاشية، وهي طريقة صوفية شيعية، جيبا من الأرض داخل العاصمة تيرانا على غرار دولة الفاتيكان الكاثوليكية، في إطار سعيه لتعزيز التسامح الديني في البلاد، في خطوة أثارت الفضول والاهتمام بهذه الطريقة الصوفية التي نشأت في تركيا خلال العهد العثماني، وشهدت انتشارًا واسعًا في ألبانيا.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لمدير مكتبها في شرق ووسط أوروبا أندرو هيغينز من تيرانا- أن أكبر أئمة تلك الطريقة إدموند براهيماي، المعروف باسم بابا مندي، يتأهب لقيادة ما ستصبح أصغر دولة في العالم إذا سارت الأمور وفق ما هو مخطط له.

وأضافت أن لإمام هذه الطريقة خططا غير رسمية لدولته "الإسلامية" الصغيرة الجديدة، التي من المأمول أن تكون جيبا مستقلا على غرار الفاتيكان يتحكم في منطقة بحجم 5 من أحياء مدينة نيويورك الأميركية، ويباح فيها بيع الكحول وشربه، ويُسمح فيها للنساء بارتداء ما يروقهن من ملابس من دون فرض أي قيود على أنماط الحياة.

ونسبت الصحيفة لبابا مندي زعمه بأن "الرب لا يُحرِّم شيئا"، مبينا كيف أنه ينوي حكم قطعة أرض مساحتها 27 فدانا، والتي تريد ألبانيا تحويلها إلى دولة ذات سيادة بإدارتها وجوازات سفرها وحدودها الخاصة.

وكشف رئيس الوزراء الألباني إيدي راما عن أنه سيعلن في المستقبل القريب خططا متعلقة بالكيان الجديد، الذي سيُطلق عليه اسم "الدولة ذات السيادة للطريقة البكتاشية"، بحسب ما نقلته 

وقال بابا مندي (65 عاما) -وهو ضابط سابق في الجيش الألباني يعرفه الناس بلقبه الرسمي، قداسة حاجي ديدي بابا- إن "كل القرارات ستُتخذ بحب وعطف".

ووفقا لنيويورك تايمز، فإن مندي هو الزعيم "الأرفع" للطريقة البكتاشية الصوفية الشيعية التي تأسست في القرن الـ13 في تركيا، ولكن مقرها في الآن ألبانيا.

وأكد رئيس الوزراء، في مقابلة، أن هدف الدولة الجديدة هو الترويج لنسخة متسامحة من "الإسلام" تفخر بها ألبانيا، وفق ما نقلت عنه الصحيفة. وقال "يجب علينا أن نعتني بهذا الكنز، وهو التسامح الديني والذي ينبغي عدم الاستخفاف به أبدا"، بحسب ما نقلته "الجزيرة نت".

وأوضحت الصحيفة أن أراضي "الدولة الإسلامية" الجديدة المقترحة عبارة عن مجمع سكني شعبي منخفض الإيجار في شرق تيرانا، وهي ربع مساحة مدينة الفاتيكان التي تعد حاليا أصغر دولة في العالم ويحكمها البابا حكما مطلقا.

ونقلت عن بابا مندي القول إن "الحجم لا يهم"، مضيفا: "لست مضطرا لأن أكون دكتاتورا"، لكنه أقر بأن الرب وحده هو المُقيِّد لسلطته، على حد تعبير الصحيفة.

زنادقة

وتضم مباني الدولة الجديدة قاعة اجتماعات ومصلى بقبة، ومتحفا يعرض تاريخ الطريقة، وعيادة، وأرشيفا، ومكاتب إدارية لبابا موندي، الذي تصفه نيويورك تايمز بأنه رجل مرح ذو لحية بيضاء، وكاره للتشدد.

ونسبت الصحيفة لشيخ البكتاشية القول إن "المتطرفين المسلمين" الذين يفجرون القنابل ويستخدمون "العنف" لنشر تصورهم للدين "ليسوا سوى رعاة بقر".

ولفتت إلى أن عديدا من الشيعة والسنة المحافظين يعدون أتباع الطريقة البكتاشية زنادقة، زاعمة أنهم تعرضوا للاضطهاد طيلة قرون من الزمن.

وقال شيخ الطريقة إن دولته الجديدة قد تحتاج إلى جهاز استخبارات صغير، "لأن لدينا أعداء أيضًا، ولكن لن يكون لدينا جيش أو حرس حدود أو محاكم".

البكتاشية طريقة صوفية انتشرت في الأَناضول ثم في البلقان، وهي تُنسب إلى الحاج بكتاش ولي وتحسب في الغرب من المسلمين، لكن غالبية المسلمين في العالم يعتبرون مريديها ضالين وخارجين عن الملة.

جمهور البكتاشية يرى أنهم أقرب إلى أهل السنة، بينما يعتبرهم آخرون من غلاة الشيعة، وكثيرون يرونهم خليطا بين هذا وذاك، مع إضافات أخرى من أديان وعقائد سابقة ولاحقة.

الحاج بكتاش الولي.. شيخ التركمان الذي ساند الخلافة العثمانية

الطريقة البكتاشية عالمية وليست ألبانية، وتعود نشأتها إلى القرن الثالث عشر، فقد تأسست أول تكية على يد الحاج بكتاش الولي وهو محمد إبراهيم وينسبه البكتاش إلى الإمام موسى الكاظم، وأتباعها يقدسون شخصية الحاج بكتاش ولي، ويخلدون أقواله وأفعاله .

ولد الحاج بكتاش ولي في مقاطعة خراسان في نيسابور وهو أحد شيوخ التركمان، وقدم إلى الأناضول في القرن الثالث عشر الميلادي، وتعرف قريته اليوم باسم حاج بكتاش، وكانت تسمى سابقا كاراهويوك، وقد شرع في تدريس مريديه وأتباعه وأنشأ مركزا دينيا وثقافيا.

في ذلك الوقت كانت الأناضول واقعة تحت حكم السلاجقة الروم، وكانت ملجأ للشعوب الهاربة من بطش المغول، وكان الحكم السلجوقي آنذاك يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية، بينما كانت في المقابل أراضي العثمانيين آخذة بالتوسع مؤذنة عن قرب تأسيس دولتهم على أنقاض دولة السلاجقة.

قام بكتاش الولي بمساندة العثمانيين، وعندما استقرت الدولة لهم كان له ولمريديه تقدير واحترام من قبل العثمانيين، حتى أنهم اعترفوا بالطريقة البكتاشية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!