محمود عثمان - خاص ترك برس
قبل عشرين عاما في مثل هذا اليوم ارتكبت القوات الصربية عملية تطهير عرقي ممنهج بحق المسلمين البوسنيين المعروفين باسم "البوشناق" في بلدة سربرنتسا راح ضحيتها أكثر من 8000 إنسان . بالرغم من إعلان الأمم المتحدة عام 1993 بلدة سريبرينيتسا الواقعة شمال شرق البوسنة "منطقة آمنة" تحت حماية قواتها، الممثلة بعناصر الكتيبة الهولندية التي يبلغ تعدادها 400 عنصرا، حيث بناءً على ذلك قام المتطوعون البوسنييون الذين كانوا يدافعون عن المدينة، بتسليم أسلحتهم.
وعلى مرأى من الفرقة الهولندية التابعة لقوات حفظ السلام الأممية، قامت القوات الصربية بعزل الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و50 عاماً عن النساء والشيوخ والأطفال، ثم قاموا بقتلهم جميعا ودفنهم في مقابر جماعية، تبعها عمليات اغتصاب للنساء المسلمات الحرائر.
تمت إدانة رادوفان كاراديتش الزعيم السياسي لصرب البوسنة والجنرال راتكو ملاديتش الذي قاد المليشيا الصربية بالإضافة للعديد من القادة السياسيين والعسكريين ومحاكمتهم في محكمة الجنايات الدولية. لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني بحق القوات الهولندية العاملة في نطاق قوات الأمم المتحدة التي يتهمها أهالي الضحايا بعدم الدفاع عن المدينة وبتسليم من التجأ لثكنة هذه القوات للميليشا الصربية التي قتلتهم لاحقا جميعا.
في عام 2004 أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الخاصة بيوسغلافيا السابقة فيما سُمّي بقضية كراديتش، أن ما حصل في سربرنتسا هي عملية تطهير عرقي عن سبق الإصرار والترصُّد، وذلك وفقا للقوانين الدولية، باعتبار توفر أدلة قطعية تدين القادة الصرب الذين خططوا للمجزرة.
وفي عام 2005، أشار الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك السيد كوفي عنان في رسالة الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية، إلى أن اللوم يقع بالدرجة الأولى على أولئك الذين خططوا ونفذوا المذبحة والذين ساعدوهم، ولكنه يقع أيضا على الدول الكبرى والأمم المتحدة كون الأولى فشلت في اتخاذ إجراءات كافية، والثانية - أي الأمم المتحدة - ارتكبت أخطاء جسيمة قبل وأثناء وقوع المجزرة، ولذلك ستبقى مأساة سربرنيتسا نقطة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة إلى الأبد.
في شباط/ فبراير 2007، أكدت محكمة العدل الدولية ما أصدرته محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة بأن ماجرى في سربرنيتسا كان إبادة جماعية.
في 8 تموز/ يوليو 2015، استخدمت روسيا حق الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن يصف مذبحة سربرنيتسا بالإبادة الجماعية.
مجازر الأسد ومجلس الأمن المشلول
منذ الأيام الأولى لانطلاقة الحرك الشعبي السلمي في سورية قام نظام الأسد باستخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، كما ارتكب أبشع أنواع التعذيب الوحشي بحق الناشطين، بل دفع هذا الحراك السلمي إلى السلاح والعنف دفعا، ثم تفتق فكره الإجرامي لينتج سلاحا فتاكا رخيص الكلفة سهل الاستعمال ويحدث أكبر ضرر بحق التجمعات السكانية.
بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2013، قامت قوات من اللواء 155 التابعة للجيش السوري والمتركزة في منطقة القلمون بإطلاق صواريخ محملة بالغازات السامة استهدفت مناطق الغوطة الشرقية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 800 مواطنا من سكان المنطقة غالبيتهم من الأطفال والنساء بسبب استنشاقهم لغازات سامة ناتجة عن هجوم بغاز الأعصاب. حدث هذا الهجوم بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى دمشق.
وبدل أن يقوم المجتمع الدولي بمعاقبة نظام الأسد على جريمته الشنيعة دخل معه في عملية مقايضة أكسبته مشروعية كان قد افتقدها تحت مسمى تسليم الأسلحة الكيماوية التي تذكر تقارير دولية أنه لم يلتزم بتسليمها كلها كما ينص الاتفاق. بل إن التسامح الدولي جعله يصعد وتيرة القتل الجماعي دون الخوف من استخدام جميع الأسلحة المحرمة دوليا.
اليوم فجرا ارتكب نظام بشار الأسد مجزرة راح ضحيتها 29 شهيدا وأكثر من 40 جريحا من المدنيين جراء قصف طيرانه المروحي مدينة الباب - مسقط رأسي - بأربعة براميل متفجرة.
البارحة وزعت الولايات المتحدة الأميركية مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي يقضي بتكليف فريق من المحققين لتحديد المسؤولين عن هجمات بغاز الكلور السام في سورية، حيث من المنتظر أن يبدأ أعضاء المجلس مناقشة مسودة القرار الأسبوع القادم، وفقا لدبلوماسيين. وحسب مشروع القرار الذي اقترحته واشنطن، فإن هذه البعثة التي أطلق عليها اسم "آلية مشتركة للتحقيق" ستكون مؤلفة من خبراء من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
لا ندري هل سيقوم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الذكرى السنوية العشرين للإبادة الجماعية في البوسنة، واستمرار نظام الأسد في مجازره اليومية، بتحميل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والأمم المتحدة مسؤولية فشلها في اتخاذ إجراءات تحمي المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ أم أنه سيبدي قلقه فقط!.
تركيا وعلى لسان رئيسها رجب طيب أردوغان تطالب ومنذ سنوات بضرورة إصلاح مجلس الأمن، وتطوير آلية اتخاذ القرارات في منظمة الأمم المتحدة، وتحذر من خطورة استمرار الوضع الحالي كما هو حيث ترتكب المجازر، وتمارس الجرائم ضد الإنسانية بينما المجتمع الدولي ومجلس الأمن منهمك في تقاسم النفوذ، ومنشغل في المقايضات السياسية التي تهضم حقوق الشعوب الضعيفة وتحمي القتلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس