
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، نقدًا تحليليًا لموقف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وحزب العمال من القضية الفلسطينية، مبينًا أن دعم بريطانيا لإسرائيل ليس وليد اللحظة، بل استمرار لسياسة استعمارية متجذرة منذ وعد بلفور.
ويؤكد التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق أن جريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون لا يمكن تفسيرها عبر الأطر التقليدية مثل التحليل الطبقي أو نقد الرأسمالية أو اللاهوت اليهودي.
كما يتطرق إلى استخدام ستارمر للهولوكوست كأداة سياسية لتحصين دعم إسرائيل، ويربط بين هذا المسار الاستعماري والسياسات الغربية في أماكن أخرى، مثل تركيا، من خلال تحليل سلوكيات بعض المجموعات الطلابية التي تتبنى رؤى استعمارية معاصرة.
وفيما يلي نص التقرير:
يتولى حزب العمال حاليا مقاليد الحكم في بريطانيا، ويتزعم الحزب رئيس الوزراء كير ستارمر. ولو أن النقاش دار قبل بضع سنوات حول بعض سياسات ستارمر، رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال، لربما كنا سنواصل تقييم المواقف وفقاً للفوارق الأيديولوجية التقليدية. ومن المؤسف أن هذه العادات الفكرية لا تزال مستمرة حتى اليوم. غير أن واقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التاريخية لا يمكن تفسيره لا من خلال التحليل الطبقي، ولا عبر المفاهيم الأساسية للاهوت اليهودي. كما أن النقد الموجه للرأسمالية لا يفسر جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي. ولو كان مفهوم الاستعمار التقليدي كافيا في هذا السياق، لوجب أن ينصب تركيزنا على "الاستغلال والنهب"، غير أن إسرائيل تقوم بتهجير الفلسطينيين قسرًا أو قتلهم في الأراضي المحتلة بهدف تنفيذ تطهير عرقي؛ وهو ما لا يندرج ضمن "الاستعمار" التقليدي.
وبحسب الكاتب مارك إتكيند في صحيفة "ميدل إيست آي"، فإن ستارمر صرّح في خطاب ألقاه في سبتمبر الماضي قائلًا: "كما ناضلت لأنقذ حزبي من هاوية معاداة السامية، أعدكم بأنني سأفعل الشيء ذاته عندما أحكم البلاد. نعم، سنشيّد نصبا تذكاريا وطنيا ومركزا تعليما للهولوكوست، وسنقيمه بجوار البرلمان". وقد جاءت تصريحات ستارمر هذه ردًّا على التظاهرات التي كانت تهدف إلى تسليط الضوء على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. والحقيقة أن بريطانيا، التي يمثلها ستارمر اليوم، لم تحد عن هذا النهج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ بل إن انحيازها لإسرائيل سبق ظهور مصطلح "الهولوكوست" بكثير، إذ فتحت فلسطين أمام المستوطنين اليهود في عام 1917 حين صدر وعد بلفور الشهير.
وليس من الدقة توصيف تصريحات ستارمر بأنها متناقضة أو متضاربة؛ إذ لا تنطوي على أي تناقض. نعم، ستارمر هو زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا، لكن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يتعرض له الفلسطينيون ليست قضية طبقية. فلا وجود لعلاقة "سيد وعبد" تبرر هذا الواقع. بل إن القضية التي يتناولها تتعلق بدعم بريطانيا المتواصل للمستعمرة الإسرائيلية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو يؤكد صراحة أنه لن يسمح بانتقاد جماهيري واسع لهذا الكيان داخل المملكة المتحدة. وبعد تأكيده أنه أنقذ حزب العمال من "هاوية معاداة السامية"، يتعهد بأن ينقذ بريطانيا من المصير ذاته. غير أن "الهاوية" هنا لا تأتي من اختلاف طبقي، حيث يقول: إن بريطانيا ستحمي مستعمرة إسرائيل في شرق البحر الأبيض المتوسط مهما كلف الأمر، معلنًا صراحةً أنه لن يأبه لجرائم الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي التي تطال الفلسطينيين. ويضيف أنه في سبيل تحصين هذا الموقف، سيبني نصبا تذكاريا ومركزا تعليميا للهولوكوست إلى جوار مبنى البرلمان البريطاني، وهنا تبرز أهمية تأكيده على البرلمان تحديدًا، إذ تكشف الإشارة إليه عن التمييز القائم بين البرلمان والجماهير الشعبية.
ولا يمكن لأي شخص تفسير تصريحات رئيس وزراء بريطانيا، ستارمر، باستخدام تناقضات الرأسمالية أو التاريخ اليهودي. كما أنه من غير المقنع القول إن دولة مثل بريطانيا، التي اكتسبت سمعة عالمية بقوتها، قد خضعت لرأس المال اليهودي. ومن الجدير بالذكر أيضًا الادعاءات التي تقول إن "الاستعمار البريطاني" ترك وراءه قاعدة جماهيرية من المعجبين. لقد وضعت مصطلح "الاستعمار" بين قوسين عمدا، لأن الذين يستخدمون هذا الادعاء لا يوضحون متى وأين أعرب سكان أمريكا، وأستراليا، ونيوزيلندا الأصليون عن إعجابهم ببريطانيا. ولكن هذه التصريحات تحتل دائمًا مكانها على جدول الأعمال. بينما ستارمر، مثل أسلافه، يقول إنه سيفعل نفس الشيء في فلسطين، وبالطبع عبر أيدي الصهاينة.
أما التطورات المثيرة للاهتمام التي تشهدها تركيا، فيجب تحليلها في إطار الرؤية المستقبلية التي صاغتها بريطانيا والولايات المتحدة مع إسرائيل. فقد نظمت مؤخرا مجموعة من الطلاب عرضًا ساخرا يحمل رموزا تمثل الإسلام والفلسطينيين. وللأسف، كان موضوع العرض الساخر ضحايا التطهير العرقي والإبادة الجماعية للفلسطينيين. ومن المؤكد أنه ليس من الصحيح إدراج هؤلاء الطلاب في فئة القاعدة الجماهيرية المعجبة التي خلفها البريطانيون وراءهم. ومثل هذه العروض تعني الانحياز المباشر. وفي هذه المرحلة، لا قيمة تحليلية لمفاهيم مثل "الاستعمار الفكري". فهناك حاجة ماسة إلى دراسات أحدث بكثير حول مدى خطورة عناصر تنظيم "غولن" الإرهابي على تركيا. وليس من الصواب كذلك وصف موقف الطلاب المذكورين بالانحراف الأيديولوجي. ويمكننا القول إنهم تبنوا الرؤية الاستعمارية البريطانية. فحتى في بريطانيا نفسها، نجد أن مجموعات طلابية غير صهيونية تتصادم مع الرؤية الاستعمارية لبريطانيا والولايات المتحدة، ولذا ليس من الصحيح وصف موقف هؤلاء الطلاب في تركيا باستخدام المفاهيم القديمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!