طه كلينتش ـ يني شفق 

من أبرز الأحداث التي شهدها الأسبوع الماضي على صعيد الساحة السياسية في الشرق الأوسط، إعلان المملكة الأردنية الهاشمية تنظيم جماعة الإخوان المسلمين داخل البلاد "غير قانوني" بالكامل، ومصادرة ممتلكاته. هذا القرار الذي يُعد تحولاً جذريا في بلد طالما سُمح فيه للجماعة بالتحرك بهامش لا بأس به من الحرية، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه التاريخي، لذا لا بد من القيام برحلة قصيرة إلى الماضي:

تأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في مدينة الإسماعيلية المصرية على يد حسن البنّا ومجموعة من رفاقه، وسرعان ما انتشرت في البلدان المجاورة وبدأت ببناء تنظيماتها فيها. فكان للأردن ـ الذي يحتضن عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين ـ نصيب من هذا التمدد. فقد سمح رسميًا في عام 1945 بتأسيس فرع للجماعة، بل إن العاهل الأردني آنذاك الملك عبد الله الأول حضر شخصيًا مراسم افتتاح المقر الرئيسي للجماعة في العاصمة عمّان. وبحكم الظروف الخاصة التي كانت تمر بها البلاد كان الملك يسعى لتوسيع قاعدته الشعبية، فرأى في نشاطات الإخوان في مجالات التكافل الاجتماعي والعمل الخيري الأهلي عنصرًا سياسيا مفيدًا يحقق له مبتغاه.

وفي ظل تطورات الشرق الأوسط المضطربة، اتخذت علاقة الإخوان في الأردن بالنظام الملكي شكلاً من أشكال "التعاون". وبعد اغتيال الملك عبد الله على يد فلسطيني داخل المسجد الأقصى يوم 20 يوليو/تموز 1951، تبنت الجماعة موقفًا يرفض أعمال العنف. وخلال فترة حكم الملك حسين الطويلة التي امتدت 47 عامًا منذ اعتلائه العرش وهو في السابعة عشرة من عمره عام 1952، دعمت الجماعة النظام الملكي في جميع الأزمات السياسية والاقتصادية:

ففي 13 نيسان/أبريل 1957، وأثناء محاولة انقلابية فاشلة قادها ضباط متأثرون بأفكار الرئيس المصري جمال عبد الناصر، أعلنت الجماعة تأييدها الواضح للملك حسين. وكان لممارسات نظام عبد الناصر القمعية تجاه الإخوان في مصر تأثير كبير على اصطفاف الجماعة إلى جانب النظام الأردني. وفي خريف عام 1970، وخلال ما عُرف لاحقًا بـ"أحداث أيلول الأسود"، دعمت الجماعة مجددًا الملك حسين ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة. وكانت أبرز نتيجة لأحداث 1957 و1970 إخراج التنظيمات الفلسطينية المسلحة من الأراضي الأردنية بالكامل.

وتكرّر مشهد التحالف بين الجماعة والنظام الملكي في أبريل ومايو من عام 1989، حين اندلعت احتجاجات شعبية عارمة هزت الأردن نتيجة أزمة اقتصادية خانقة، مطالِبة بإصلاحات هيكلية وتغييرات سياسية، إلا أن الجماعة آثرت مجددًا دعمها للملك حسين. وفي أغسطس وسبتمبر 1996، ومع تجدُّد الحراك الشعبي، جددت الجماعة موقفها الداعم للملك.

وفي سياق هذه التفاعلات، خضعت الجماعة لتحول هيكلي تمثّل في تأسيس "جبهة العمل الإسلامي" عام 1992 كذراع سياسي لها. وقد نجحت هذه الجبهة في ترسيخ موقعها ضمن النظام الملكي، حيث شكّلت قناة "شرعية" للإسلاميين للتعبير عن رؤاهم داخل البرلمان، رغم احتفاظ الملك بسلطة حله في أي وقت، وكثيراً ما استخدمها.

إلا أن العلاقة بين الطرفين بدأت بالتراجع مع تولي الملك عبد الله الثاني العرش عقب وفاة والده الملك حسين عام 1999. فرغم أن الملك عبد الله استهل عهده بتعيين بعض الشخصيات الإخوانية في مواقع حكومية، إلا أنه سرعان ما بدأ بتقليص حضور الجماعة في مؤسسات الدولة. وكان لهذا التحوّل أسباب داخلية وإقليمية، إلى جانب ضغوط دولية، لا سيما من الولايات المتحدة. ومع انطلاق شرارة "الربيع العربي"، اتخذت هذه التوجهات طابعًا قمعيًا واضحًا، تمثّل في اقتحام قوات الأمن لمقر الجماعة في عمّان عام 2016، في خطوة مثّلت نقطة تحول سلبي في مسار العلاقة. وأخيرا أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية بقرار رسمي أن الجماعة "تنظيم غير قانوني"، وأمر بإغلاق جميع مقارها ومؤسساتها، ومصادرة ممتلكاتها وحساباتها المصرفية.

ويأتي هذا القرار بتأثير مباشر من دول إقليمية قوية كالسعودية والإمارات ومصر. ومع اعتماد الأردن الكبير على المساعدات الاقتصادية الخارجية، يستحيل عليه مقاومة هذه الضغوط.

وبهذا القرار، تكون الجماعة ـ التي تصنف كتنظيم إرهابي في تلك الدول ـ قد فقدت أحد آخر معاقلها الرسمية في العالم العربي. إلا أن الموقع الجيوسياسي الحساس للأردن ضمن معادلة الشرق الأوسط، قد يفرض في المستقبل القريب على النظام إعادة النظر في العلاقة مع الجماعة لتعزيز شرعيته.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس