
ترك برس
تناول تقرير لموقع قناة الجزيرة مباشر، الأهمية الجغرافية والتاريخية لتركيا باعتبارها دولة أوروآسيوية ذات موقع استراتيجي فريد يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، ويمنحها السيطرة على ممرات مائية حيوية مثل مضيق البوسفور وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل، التي تمثل شريان الملاحة بين البحر الأسود والبحر المتوسط.
كما يوضح النص نشأة الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 بعد انهيار الدولة العثمانية، ويسلط الضوء على أهمية تركيا السياحية وتركيبتها السكانية المتنوعة من حيث الأعراق واللغات مع بقاء اللغة التركية الرسمية والأغلبية المسلمة السمة الأبرز للمجتمع.
وفيما يلي نص التقرير:
تركيا دولة أوروآسيوية ذات موقع استراتيجي بارز، إذ تقع غرب قارة آسيا وتشكل جسراً يربط بين قارتي آسيا وأوروبا.
وتتحكم الدولة بعدد من الممرات المائية الحيوية، أبرزها مضيق البوسفور وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل، التي تربط البحر الأسود بالبحر المتوسط، لتصبح البوابة الأساسية للملاحة إلى البحر الأسود.
أسس الجمهورية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 على أنقاض الدولة العثمانية، ويشكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان، فيما يتنوع المجتمع بين عدة إثنيات، أبرزها العرق التركي، وتعد اللغة التركية الرسمية المشتركة، إلى جانب لغات كردية وعربية وأخرى.
الجغرافيا والموقع
تقع تركيا بين أوروبا وآسيا، ويحدها من الشمال البحر الأسود، ومن الشرق جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وإيران، ومن الجنوب العراق وسوريا والبحر الأبيض المتوسط، بينما تحدها اليونان وبلغاريا من الشمال الغربي.
وتمتد البلاد على مساحة 783562 كيلومتراً مربعاً، منها 97% في الجانب الآسيوي المعروف بالأناضول، و3% في الجانب الأوروبي أو “تراقيا الشرقية”.
وتتميز التضاريس بهضبة مركزية وسهول ضيقة، وجبال شرقية مرتفعة تنبع منها أنهار رئيسية مثل الفرات ودجلة وأراس، إضافة إلى بحيرة فان وقمة أرارات بارتفاع 5165 متراً.
تقسم تركيا إلى 7 مناطق جغرافية رئيسية هي: مرمرة، بحر إيجة، البحر الأسود، وسط الأناضول، شرق الأناضول، جنوب شرق الأناضول، والبحر المتوسط، وتسيطر الجبال على معظم مساحتها، فيما تتركز الأراضي المنخفضة على الحواف الساحلية.
المناخ
يتباين المناخ في تركيا حسب المناطق الجغرافية، فتتمتع المناطق الساحلية بمناخ متوسطي معتدل مع صيف حار جاف وشتاء بارد ورطب، بينما يسود المناخ القاري المناطق الداخلية، حيث تصل درجات الحرارة في الشتاء إلى أقل من الصفر، وقد تنخفض في المرتفعات الشرقية إلى 40 درجة تحت الصفر، فيما يتجاوز متوسط الحرارة في جنوب شرق البلاد 30 درجة مئوية صيفاً.
السكان واللغة والدين
بلغ عدد سكان تركيا 85.3 مليون نسمة بنهاية 2023، مع انخفاض معدل النمو السنوي إلى 1.1 لكل ألف.
ويشكل الأتراك نحو 75% من السكان، يليهم الأكراد بنسبة 19%، بينما تتواجد أعراق أخرى مثل العرب والغجر والشركس واللاز.
اللغة التركية هي اللغة الرسمية المشتركة، إلى جانب استخدام بعض الجماعات للغاتها المحلية. ويعتنق نحو 99.8% من السكان الدين الإسلامي، مع وجود أقليات تمارس اليهودية والمسيحية.
التاريخ
الحضارات القديمة
تعد تركيا واحدة من أقدم مواطن الاستيطان والحضارات البشرية في العالم. وتشير الدراسات إلى أن منطقة الأناضول شهدت تواجداً بشرياً منذ العصر الحجري القديم، ويُعتقد أن موقع “غوبكلي تيبي” جنوبي البلاد، الذي نشأ حوالي عام 9500 قبل الميلاد، يمثل أقدم مستوطنة بشرية معروفة.
على مر العصور، ازدهرت في المنطقة حضارات متعددة مثل الحثيين والفريجيين والليديين والأوراتيين، قبل أن يسيطر الفرس على البلاد عام 546 قبل الميلاد لمدة قرنين، ثم دمرها الإسكندر الأكبر عام 334 قبل الميلاد. بعد ذلك ظهرت دول محلية مستقلة، أبرزها بيثينيا وبيرغامون وكابادوكيا وغلاطية والبنطس.
السيطرة الرومانية والبيزنطية
في القرن الأول قبل الميلاد، استولت الإمبراطورية الرومانية على الأناضول، ونقل الإمبراطور قسطنطين عام 330 ميلادية مركز الدولة إلى بيزنطة، التي عرفت لاحقاً بالقسطنطينية.
وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية عام 395، أصبحت الأناضول وتراقيا الشرقية جزءاً من الإمبراطورية البيزنطية، واستمرت تحت حكمها حتى القرن الحادي عشر الميلادي.
السلاجقة
بدأ التاريخ التركي الحديث بعد معركة ملاذ كرد عام 1071، حين انتصر السلاجقة على البيزنطيين، وأسس سليمان بن قتلمش سلطنة سلاجقة الروم عام 1077.
هذا الفتح ساعد على استقرار القبائل التركية في الأناضول وانتشار الإسلام. ورغم التحديات من الحملات الصليبية، استمر السلاجقة في صدها، إلى أن هزموا أمام المغول في معركة جبل كوس عام 1243، ما أدى إلى فترة من الضعف والانهيار بحلول 1308.
الدولة العثمانية
في هذه الفترة، أسس عثمان بن أرطغرل الدولة العثمانية في غرب الأناضول عام 1300، وتوسعت الدولة لتشمل بورصة وأدرنة ومناطق الأناضول المختلفة.
بلغت الدولة ذروتها مع فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الثاني عام 1453، لتصبح العاصمة الإمبراطورية على ثلاث قارات: أوروبا وآسيا وإفريقيا.
ومع نهاية القرن السادس عشر، بدأت الدولة العثمانية في التراجع، وخسرت معظم أراضيها بعد الحرب العالمية الأولى.
إلغاء الخلافة
قاد مصطفى كمال أتاتورك ثورة وطنية ضد الاحتلال، ما أدى إلى توقيع معاهدة لوزان وتحرير الأراضي التركية.
أعلنت الحركة الوطنية حكومة جديدة في أنقرة عام 1920 وألغت السلطنة، وتم إعلان الجمهورية التركية عام 1923، وتولى أتاتورك أول رئاسة لها.
وفي عام 1924، وُضع دستور علماني جديد وأُلغيت الخلافة، وظل التيار العلماني مسيطراً على المشهد السياسي حتى منتصف التسعينيات.
التحولات السياسية الحديثة
في انتخابات 1995، فاز حزب الرفاه الإسلامي، وتولى نجم الدين أربكان رئاسة الوزراء، إلا أن الجيش أجبره على الاستقالة فيما عرف بـ”الانقلاب الأبيض”.
وفي عام 2002، حقق حزب العدالة والتنمية الفوز بالانتخابات البرلمانية، وتولى رجب طيب أردوغان رئاسة الحكومة، ثم تحول النظام السياسي إلى النظام الرئاسي بعد استفتاء 2017، ليصبح أردوغان رئيساً للبلاد لدورتين متتاليتين في 2018 و2023.
الاقتصاد
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لتركيا 285.5 مليار دولار وفق المؤشرات المحلية للربع الأول من عام 2024، فيما يسجل الناتج الفردي السنوي نحو 1311 دولار حسب البيانات الرسمية لعام 2023.
تعد تركيا الاقتصاد السابع عشر عالمياً بحسب صندوق النقد الدولي، وتتميز بتنوع اقتصادي يشمل الصناعة والزراعة والخدمات والتجارة.
وقد أسهم استغلال الموارد الطبيعية، مثل الفحم والكروم والنحاس والبورون والغاز الطبيعي والبترول، في دعم قطاع الصناعة وتعزيز الإنتاج المحلي.
الزراعة والثروة الحيوانية
تمثل الأراضي الصالحة للزراعة والمراعي نحو ثلث مساحة البلاد، حيث تُنتج تركيا محاصيل متنوعة تشمل الحبوب والزيتون والقطن والفواكه والخضراوات والشاي.
كما تُعنى البلاد بتنمية الثروة الحيوانية، لاسيما الأبقار والأغنام والماعز، ما يدعم الأمن الغذائي المحلي ويسهم في تصدير المنتجات الحيوانية.
الصناعة والتجارة الخارجية
يحظى قطاع الصناعة باهتمام واسع، وتنتشر المصانع والمناطق الصناعية في مدن كبرى مثل إسطنبول وإزمير وأضنة وأنقرة.
وتنتج البلاد مجموعة واسعة من المنتجات تشمل الصناعات الكيماوية والصلب والمنسوجات والصناعات الغذائية والتبغ والملابس والسيارات والإلكترونيات.
وتعتمد التجارة الخارجية التركية على هذه المنتجات بشكل أساسي، إذ تُصدر البلاد الأقمشة والملابس والحديد والصلب والفواكه والخضروات والمنتجات الحيوانية والآلات والسيارات.
السياحة
تمثل السياحة قطاعاً حيوياً في الاقتصاد التركي، حيث تضم البلاد مئات المواقع التاريخية العائدة لحضارات عريقة، إضافة إلى الطبيعة الخلابة، بما في ذلك البحيرات والغابات والمحميات الطبيعية والسواحل الممتدة، ما يجعل تركيا وجهة سياحية محلية ودولية مهمة.
التحديات الاقتصادية
على الرغم من النمو المتواصل منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، شهد الاقتصاد التركي تحديات عدة منذ عام 2020، أبرزها جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية على أوكرانيا، بالإضافة إلى الزلزال المدمر عام 2023 الذي ضرب نحو 11 ولاية تمثل نحو 10% من الدخل القومي و8% من الصادرات.
وقد قدرت تكاليف التعافي وإعادة الإعمار بنحو 81.5 مليار دولار، مما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة وارتفاع معدل التضخم بشكل كبير.
في أعقاب انتخابات مايو/أيار 2023، أطلقت الحكومة سياسات لمعالجة التدهور الاقتصادي، وأسهمت هذه الإجراءات في تسجيل توسع اقتصادي بنسبة 5.7% في الربع الأول من عام 2024، إلا أن معدلات الفقر بلغت 13.9%، فيما يُعرض نحو 31% من السكان لخطر الفقر، وظلت نسبة التضخم مرتفعة عند 71.60% حتى يونيو/حزيران 2024.
أبرز المعالم
تزخر تركيا بعدد هائل من المواقع التاريخية والأثرية التي تعكس إرث الإمبراطوريات القديمة والحضارات التي نشأت في المنطقة، إلى جانب معالم طبيعية مميزة تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
قصر توب كابي
يقع قصر توب كابي في إسطنبول، ويطل على مضيق البوسفور والقرن الذهبي، وهو من أبرز الرموز التاريخية للعهد العثماني.
بُني القصر بأمر من السلطان محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية، وكان مركز الحكم ومقر إقامة السلاطين وعائلاتهم لأكثر من أربعة قرون.
ومع انتهاء الخلافة العثمانية، تحوّل القصر إلى موقع سياحي مهم يجذب آلاف الزوار سنوياً، ليصبح شاهداً حياً على التاريخ العثماني العريق.
مدينة كابادوكيا
تعد كابادوكيا أحد مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، ويعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث.
تتميز المدينة ببيوتها ومنشآتها المنحوتة في الصخور، إضافة إلى الكنائس والأديرة المزينة بالفسيفساء، ومدنها تحت الأرض التي تعود لآلاف السنين.
كما تشتهر المنطقة بالمداخن البركانية الفريدة، والمعروفة باسم “مداخن الجنيات”، ما يجعلها وجهة سياحية فريدة من نوعها تجمع بين التاريخ والجغرافيا الخلابة.
جبل نمرود
يقع جبل نمرود في جنوب شرق تركيا، ويضم مجموعة من التماثيل الضخمة التي تعود إلى عهد مملكة كوماجينيا في القرن الأول قبل الميلاد.
وتتميز التماثيل بدمج عناصر ثقافية يونانية وفارسية، ما يعكس التأثيرات الحضارية المتعددة في المنطقة.
أدرجت اليونسكو جبل نمرود ضمن قائمة التراث العالمي عام 1987، ليصبح معلماً أثرياً وتاريخياً بارزاً يعكس ثراء تركيا الحضاري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!