ترك برس

تناول مقال للمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، بصحيفة يني شفق، تحليلًا عميقًا لتقرير الجلسة الختامية لـ"محكمة غزة"، مؤكدًا أن القضية لا تتعلق بإسرائيل وحدها، بل بالنظام الغربي الذي أنشأها ومكّنها من ارتكاب جرائم الحرب والإبادة.

ويرى الكاتب أن التركيز الحصري على مفهوم "الإبادة الجماعية" يُغفل الجذور البنيوية الأعمق المتمثلة في الصهيونية والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني، وهي المكونات الجوهرية للنظام الأنجلوسكسوني الغربي الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.

كما يوضح أن ما يجري في فلسطين ليس صراعًا محليًا، بل تعبير عن عودة هذا النظام الإمبريالي للظهور بكامل أدواته، وأن محاكمة إسرائيل وحلفائها تمثل خطوة أساسية لفهم بنية الهيمنة العالمية التي تجمع بين الدول الاستعمارية والشركات العابرة للقارات في إنتاج العنف المنهجي ضد الشعوب.

وفيما يلي نص المقال:

لقد أكَّد تقرير الجلسة الختامية لـ "محكمة غزة" مجددا، أن ما يُحاكَم في المقام الأول هو النظام الذي أسس إسرائيل، بما في ذلك جرائم الحرب التي ارتكبتها. لا يسع المرء إلا أن يلاحظ أننا نُعطي الأولوية لمفهوم الإبادة الجماعية. ولكن عندما نحصر المشاكل المتعلقة بإسرائيل والنظام الذي أوجدها على جريمة الإبادة الجماعية، فإننا نحجب أبعاداً أخرى. في حين أنه يجب علينا التركيز على السمات الأخرى للنظام لكشف الهيمنة الاستعمارية بكل فظاعتها. وفي هذا الإطار، فإن الآثار المروعة التي خلقتها وما تزال تحدثها "الصهيونية، والفصل العنصري، والاستعمار الاستيطاني" على أراضي فلسطين التاريخية وعلى الشعب الفلسطيني، هي نتائج حالة ممنهجة.

إنَّ الوضع الذي نواجهه في أرض فلسطين التاريخية لا يقتصر على الفلسطينيين، ولا يمكن تفسيره على أنه مجرد صراع عربي إسرائيلي. ولا أعتقد أننا استطعنا حتى اليوم تحديد طبيعة علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة وبريطانيا بشكل كامل. وينطبق هذا على ألمانيا أيضاً.

وبحسب المعتقدات السائدة في تركيا، لا يزال النظام الغربي يحتل الصدارة في قمة هرم القيم. يمكنني القول إنه رغم عيشنا وسط مشكلات خلقتها المنظومة الغربية مباشرة على مدى مئتي عام، إلا أننا لا نملك وعياً شاملاً بمستوى تبعيتنا لها. إن العدد الهائل للأشخاص الذين يعتبرون الابتعاد عن بلادهم وثقافتهم إنجازاً، يدل على أن الحالة المنهجية لا تقتصر على فلسطين. . في حين أن "الصهيونية، والفصل العنصري، والاستعمار الاستيطاني" هي العناصر الأساسية التي تشكل النظام الغربي، والمعاني الجوهرية التي تحملها هذه المفاهيم مرعبة للغاية.

إن الإطار المفاهيمي للأدبيات خارج تركيا حول الجرائم التي يرتكبها اليهود الصهاينة في أراضي فلسطين التاريخية يعكس هذه المعاني الجوهرية للمفاهيم الأساسية، بينما لا ينطبق هذا الانعكاس علينا. وبالتالي، يصبح من المستحيل تقييم الأحداث في سياقها الصحيح. فعلاقة بريطانيا والولايات المتحدة بإسرائيل مثلاً لا تزال تُحلَّل بمعزل عن النظام الشامل. و لا يزال تعاون ألمانيا مع إسرائيل يُفسر بمفاهيم تعود إلى الحرب العالمية الثانية.

إن "النظام الذي يُمكّن من ارتكاب الإبادة الجماعية" يفسح المجال أمام إسرائيل، وهذا يقتضي طرح تساؤلات جديدة حول المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا. لقد شكّل النظام الذي تبلور مع نهاية الحرب العالمية الأولى شكلاً جديداً من أشكال الهيمنة فُرِضَ بشكل خاص على منطقتنا. وكانت ألمانيا آنذاك عنصراً داخل هذا النظام أيضاً. وبالتالي لم تكن علاقة ألمانيا باليهود تشير أبداً إلى موقف مناهض للنظام. وقد شهدت منطقتنا العواقب الوخيمة للصراع الداخلي بين ألمانيا واليهود. وعند تفسير العلاقة بين ألمانيا واليهود من منظور الأنجلوسكسونيين، تخرج مفاهيم "الصهيونية، والفصل العنصري، والاستعمار الاستيطاني" من دائرة النقاش. في حين أنه حتى قبل الحرب العالمية الثانية، شارك اليهود الصهاينة بنشاط في استعمار جنوب أفريقيا نيابة عن المملكة المتحدة والولايات المتحدة. إن العلاقة المباشرة بين شركات التكنولوجيا التي تنشط في الولايات المتحدة اليوم تحديدا، وبين مستعمرة جنوب إفريقيا، هي نتيجة للوضع الممنهج الذي نحاول وصفه.

وتُشكل "الصهيونية والفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني" المكونات الأساسية للنظام المتمركز حول الأنجلوسكسونيين، وتتطلب نظرة شمولية لفهمها. ومن هذا المنطلق، تُعدّ محاكمة إسرائيل وحلفائها أمرا بالغ الأهمية. أما تعبير «حلفاء إسرائيل» فهو من صياغة ريتشارد فولك، الذي استخدمه في حديثه عن التقرير الختامي لمحكمة غزة قائلاً: «ينبغي أن يتولى الفلسطينيون إدارة إعادة إعمار غزة، بينما تتحمل إسرائيل وحلفاؤها كامل المسؤولية عن التعويضات». إن ملاحظات فولك هذه في غاية الأهمية.

لقد عاد النظام الغربي إلى الظهور في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية بكل ديناميكياته التاريخية. هذه الحالة لا تدل على انهيار النظام الغربي، بل إلى عودته للظهور. إن الصهيونية والفصل العنصري والاستعمار الاستيطالي التي تظهر في أراضي فلسطين التاريخية هي من الأركان الأساسية للدول التي أنشأت هذا النظام. يجب تحليل التقريرين الأخيرين للمقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، تحليلاً جاداً، حيث كشف تقريرها السابق عن تعاون الشركات العالمية مع إسرائيل، وفي تقريرها الأخير تعدد الدول المتعاونة مع إسرائيل واحدة تلو الأخرى، وتكشف في تقاريرها بوضوح عن النظام الذي يدفع هذه الدول والشركات إلى التعاون.

يجب علينا أن نتعمق أكثر في دراسة النظام الذي يجمع الشركات العالمية والدول المؤسسة للنظام مع دول استعمارية كإسرائيل.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!