حسن باشديمير - صحيفة يني يوزيل - ترجمة وتحرير ترك برس
سعى حزب العدالة والتنمية منذ بداية تقلده للحكم عام 2002 إلى اتخاذ الخيارات السياسية السلمية والأخذ بيد الآخرين، كما تقدم بخطوات كبيرة في الاعتراف بحقوق الجماعات الدينية والثقافية والعرقية، وذهب في طريق "صفر مشاكل" مع كل دول الجوار. فمنذ 2002 كانت إدارته منفتحة وسياساته مفتوحة على الغير، وكان يسلك الطرق الشفافة بعيدا عن المشاكل الايدولوجية والانحرافات الإقليمية، فكان ميزانه الحق والعدالة مبنيًا على المنفعة المتبادلة. ولهذا فقد نجح ولوقت طويل في علاقاته، وكانت الأمور تسير كما يشتهي الحزب حتى عام 2012 الذي بدأت فيه الأمور تأخذ منحا اخر، فكانت أحداث حديقة غيزي وملف المخابرات ومحاولات الانقلاب.
تعرضت الديمقراطية التركية لمخاطر كبيرة نجحت في تجاوزها بنهاية الأمر، فالتدخلات الخارجية سعت لتحويل مسار البلاد لكنها فشلت في ذلك، وخسر الحزب إثر ذلك ثقة جزء من المجتمع، وأدى تفاقم الوضع في سوريا إلى تدهور العلاقات التركية مع كثير من الدول. لكن انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي كانت بمثابة نقطة العودة لاسترجاع الثقة، فقوت الحكومة وأضعفت تأثير المعارضة.
تعيش تركيا اليوم لحظات فارقة واختيارًا مهمًا بين الدخول في سوريا أو عدمه، فقد أثبت التدخل الروسي في المنطقة بأن كل الدول المتدخلة في سوريا تريد أن تكون تركيا جزءًا من هذا التدخل. ولهذا فإن تركيا تبذل كل جهودها في الطُرق الدبلوماسية لكيلا تشارك في هذه الحرب التي ستهلك الحرث والنسل ولن تبقي ولا تذر.
كما ويجب رؤية الحقائق التي تقول بأن تركيا تصبح يوما بعد يوما جزءًا من هذه الحرب كلما طالت، وإن الحرب السورية لا تعدو عن كونها ساحة صراع لتصفية الحسابات الدولية بين القوى المشاركة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا روسيا وإيران وغيرهم كثير. لكن الرؤية التركية مغايرة تماما عن الآخرين؛ ولهذا كان الموقف التركي ومنذ اللحظة الأولى ينظر لسوريا بمنظور إنساني، فتحيز إلى الشعب المغدور وفتح أبوابه للاجئين رغم ثقل الفاتورة، فهي لم تسعى يوما لاستغلال الوضع، وإنما سعت ومنذ البداية إلى إقناع الأسد بالديمقراطية وبذلت في هذا كل الجهود، وفتحت أبوابها للاجئين، ووقفت أمام روسيا وإيران مستندة على أسس إنسانية وسلمية.
لقد كان الموقف التركي من الوضع في سوريا ومنذ اللحظة الأولى إنسانيًا ومشروعًا، وهو ما يعد نجاحا كبيرا لحزب لعدالة والتنمية، ولأن تركيا ترفض المشاركة في هذه الحرب المستعرة، أصبحت هي الضحية الثانية لها. ففي كل يوم تدخل تركيا شيئا فشيئا هذا السرداب المظلم، وتسعى جاهدة للتوقف في المكان الصحيح، لكن هذا لن يكفي. فلم تكن تركيا البلد التي تتاجر لتكسب وتنتفع من هذه الحرب، بل كانت الدولة التي تدفع فاتورتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس